الظن بأن الوضع السوري كان في يوم من الأيام مستقرا وسلميا مجانب للواقع فالحرب في سوريا لم تبدأ عام 1963 أو عام 19970 ولا حتى عام 2011 , مجابهة السلطة للشعب حربيا قديمة قدم النظام الاسدي , ثم أنه لايجوز حصر موضوع المواجهة بالشكل الحربي الساخن , هناك أشكال أخرى للحرب منها الباردة الذي تشكل مقدمة للحرب الساخنة في العديد من الحالات .
هيمن الشكل البارد للحرب على الشعب بدءا من عام 1963 والأوضح بدءا من عام 1970 , وتجلت هذه الحرب الباردة , التي تخللتها فترات ساخنة , بالعديد من المظاهر…منها التضييق على العمل السياسي الى درجة الغائه , السجون مليئة والتعذيب كان مستمرا …القسر والقهر , وبالنتيجة الهروب الى المهاجر , حتى الارغام على السير في المسيرات الهزلية كان نوعا من الحرب على الشعب , تحويل الشعب الى قطيع ملفق مصفق …الى رعية بدوية ,التكاذب وخداع الشعب …الخ كل ماذكر يمكن وضعه في مصنف الحرب الباردة , التي استمرت حتى عام 2011 , بعد آذار تحولت الحرب الى ساخنة .
بالرغم من الحرب الباردة على الشعب , لم يكن هناك ارتكاس معارض يتناسب مع فداحة ممارسات السلطة , كانت هنا وهناك بعض التذمرات والاعتراضات التي حيدت عن طريق السلطة , باعطاء بعض الامتيازات للبعض , أو استخدام الساطور على رقاب الآخرين ,رفض ممارسات الأسدية كان بؤري , ولم يتخذ شكلا جماعيا فعالا , وحتى بعد عام 2011 لم يكن الرد بمستوى الحدث , كان ضعيفا وغير منظما , بحيث تمكنت الفصائل الاسلامية من القضاء على مايمكن تسميته مجازا “ثورة” , لقد كان لاسم “ثورة ” علاقة مع نضوج الوضع لثورة , وليس مع كثافة وفاعلية الفعل الثوري .
بشكل عام يمكن تقسيم نصف القرن الماضي الى قسمين , القسم الأول والأطول هو قسم الحرب الأهلية الباردة , والقسم الثاني , الذي بدأ بعد عام 2011 , كان قسم الحرب الأهلية الساخنة .
انقسم الشعب تبعا لهذه الحروب الى زبانية مستفيدة ماديا وممارسة للتلفيق والتصفيق , والى غير المستفيدين الممارسين للسلبية وأحيانا السخرية داخل أربعة جدران , وحتى الكلام ضمن الجدران الأربعة لم يعد أمينا , فللجدران آذان , وهكذا أتحفت الأسدية اللغة العربية بتعبير لم يكن معروفا “للجدران آذان” , اختراع لغوي فريد من نوعه لتوصيف حالة فريدة من نوعها , لقد كانت ولا تزال سلطة منغلقة على ذاتها وفريدة من نوعها , تحكمت بالشعب ببربرية فريدة من نوعها , ارتكاس الشعب خلال تلك الفترة قبل وبعد 2011 كان أيضا فريدا من نوعه , وعلى مسلكية الظالم والمظلوم هيمنت الثقافة البدوية …خنوع …اخضاع … رعايا .. زعامة … عنف .. توريث .. غنائم حرب …الخ
بالرغم من احتضان المذاهب السنية والعلوية الشيعية لأطراف الحرب السورية ظاهريا , لايمكن القول بأن الصراع كان مذهبي أصلا , ففي بلاد ذات طبيعة سلطوية مشابهة كليبيا مثلا ,لاوجود لتناقضات مذهبية , الكل سنة , ظهر هناك ظهر الحاضن الحقيقي لأطراف الحرب بشكل واضح وجلي , هذا الحاضن كان القبلية العشائرية المنحدرة من البدوية , يبدو وكأن الصراع في سوريا كان مذهبي شكلا , الا أنه كان في حقيقة الأمر بدوي قبائلي عشائري مقنع بقناع مذهبي .
لاتمثل البنية المذهبية قاسما مشتركا بين سوريا وليبيا , الا أن القاسم المشترك الواضح والرئيسي كان الوضع الاجتماعي الاقتصادي , الذي تمثل ببنية الاستبداد البدوية وبنية الخنوع البدوية , التي وجدت في الأسدية استمرارا لها , فالأسدية ظاهرة بدوية وليست سببا للبدوية , تتجلى بدوية الأسدية بالعديد من التمظهرات , منها العنف , ومنها ممارسة ثقافة غنائم الحرب , فتحويل سوريا الى مزرعة خاصة , هو بمثابة اعتبار سوريا غنيمة حرب , فالحرب في سوريا قائمة منذ نصف قرن , لقد كانت حربا داخلية باردة بمعظمها تخللتها فترات ساخنة جدا كما حدث في حماه وتدمر وصيدنايا , يمثل تحويل الجمهورية الى ملكية وراثية أحد تمظرات ” التبدون ” الذي نجح في سوريا وفشل في ليبيا والعراق , هناك تمظهرا بدويا اضافيا في سوريا ألا وهو عدم وجود احتجاجا واسع النطاق في كلا الدولتين وذلك بالرغم من وصول حالة التردي والاحتقان درجة صعبة التصور , الأمر مشابه لعصر الخلافة العثمانية والخلافة العربية , فالاستعمار العثماني كان في ضراوته وهمجيته فريدا من نوعه , وعلى شاكلته كان الاستعمار الخلافي العربي , بالرغم من ذلك لم تعرف القرون الأربع عشر أي ثورة شعبية لتغيير النظم , وانما حروب شخصية هدفها ازالة رأس ووضع رأس آخر مكانه , .. …..حركات بتر الرؤوس بدوية في طبعها , هذه الحالة تنطبق على “بثوار ” الفصائل , يريدون رأس الأسد, ويريدون اضافة الى ذلك نظما قدموا عينات منها على يد داعش والنصرة هنا وهناك في الرقة وفي ادلب وغيرهم من المناطق , ثورتهم البدوية كانت أيضا ثورة فريدة من نوعها …