عقدة الاضطهاد وعمقها في الشخصية الإسلامية


خالد عمران


إن عقدة الاضطهاد أو الذُهان أو البارانويا هي حالة مرضية ذهنية تقوم على اعتقاد راسخ من فكرة خاطئة تقول بأن هناك من يحاول أن يؤذي المصاب أو ينتقص منه أو ينال من سمعته ويحتقره .
ويستخدم المصاب المنطق في المحاججة ، إلا أن منطقه لا يقوم على أساس صحيح ، وهو عنيد جداً ، ويصعب توجيه انتقاد له بسبب استخدامه لأي انتقاد في إثبات صحة اعتقاده ، فالشخص المُصاب بالبارانويا لا يتقبل الإنتقاد مطلقاً ويكون متمسكاً بآرائه ولا يغير رأيه، وإن برهن له العكس، بل يعتبر أن مغالطته “إهانة”، وفي الحالات الأكثر تطوراً، يمكن ان يكون الذُهان هو المعاناة من حالة يظن الشخص نفسه فيها أنه فوق مستوى البشر (نعم أقصد خير أمة أخرجت للناس) ! ، ويمتاز المريض بأنه لا يعرف أنه مريض ، وعلاجه يتطلب الحذر في المواجهة ، وفي مراحل متقدمة من أعراض المرض كاضطراب الشخصية ، يتم فرض العلاج بالقوة أو الخدعة ،لا يمكن الجزم بأن العوامل الخارجية هي سبب الإصابة بالذُهان، لكن التربية قد تغير موضوع البارانويا، ففي بعض المناطق والبلدان، يكون الذُهان مرتبطاً بأمور دينية أو سياسية أو إجتماعية أو عاطفية… لكن يبقى الرابط في ما بينها هو طريقة التفكير المرضية المعتمدة على المنهج الشرحي الخاطئ ، فيستفيض المريض بالشروحات التي تجعل المحوار يعتقد بأن المريض هو في كامل وعيه ومنطقي جداً .
وخطورة هذا المرض على المجتمع البشري كبيرة ،فالمجتمع مكون من أشخاص مختلفي الأطباع والتربية والتنشئة والبيئة، لكنهم يتأقلمون إلى حد ما مع بعضهم البعض، ويتعايشون بكل بساطة على الرغم من إختلافاتهم، فإن هذا التنوع هو ما يغني المجتمعات، ويعطيها النكهة والحياة، إذ ليس كل إثنين متشابهان، بل لكل إنسان فرادنيته وهو حر في تصرفاته وخياراته. 
إلا أن حرية الفرد تقف عند بداية حرية الآخر، فلا يجوز مطلقاً إيذاء الغير بغية حماية الذات. فالشخص المصاب بالذهان لا يتقبل فكرة وجود الغير من دون أن يخططوا لإيذائه، بل يظن أن إجتماع شخصين معاً ينم حتماً عن التخطيط للتخلص منه، لذلك يحاول إستباق الأمور والدفاع عن ذاته عبر التخلص من الآخرين أولاً أو إلحاق الأذى بهم أو حتى محاكمتهم ، وبذلك يتحول المجتمع لأداة للمحاربة، بمعنى أن تتفكك الأواصر والروابط، ونعيش في قانون الغاب، أي “إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب”.
ولعل تجربتنا كشعب سوري مع العلوي المصاب بعقدة الاضطهاد وممارستهامن قبله بكل سلوكها المرضي في تعامله مع دمشق بأنها أرض معاوية التي تتطلب أن يعيث فيها فساداً ، ولعل حادثة خلع الحجاب ليس الوحيدة والأكثر وضوحاً ، بل لعنة الاسم التي لاحقت الكثيرين “معاوية ، يزيد ، أبو بكر ، عمر ، وعثمان ، وخالد” كان لها رصيد من الممارسات المجحفة بحق أصحاب هذه الأسماء في الكثير من المؤسسات الإدارية ، وناهيك عن ذكر اسم منطقتك باعتبار المناطق الجغرافيا خاضعة للتقسيم الديمغرافي .
ويمكن فهم أن العلوي كان لديه اعتقاد بإمكانية الاضطهاد من الآخر ف تطلب الأمر الاجراءات الاستباقية ، وأسباب هذا الشعور قد يبدو منطقياً ومستنداً على تكفير السنة له وعلى معتقدات دينية يتبناها تضعه موضوع صدام مع غالبية الشعب السوري السنية ، وروايات تاريخية تفتقر الدراسات الموضوعية استند عليها في شروحاته عن سلوكه المرضي ، وجعل من الثورة السورية هي محاولة تاريخية جديدة في فعل إبادة جماعية بحقه ، وإن مرض الذُهان قد يتطور ليصيب الجماعات البشرية ، فكان هناك شبه سلوك جمعي للطائفة في سلوكها المرضي .
واليوم نشاهد أن المرض أصاب المسلمين السنة ، ويستندون على منهجية الشيعة التي أيضاً تعتبر جماعة بشرية مصابة بالبارانويا التي أسبابها سياسية من خلاف علي ومعاوية ، وتطورت في المعتقدات الدينية والسياسية عبر التاريخ ، والسنة اليوم يستخدمون عداء العلوي والنظام السوري الطائفي مع جماعة الأخوان المسلمين ، ويستفيض في شروحات لإثبات هذياناته عن تآمر الجميع على المسلمين لكسر شوكتهم ، ويعتبر “مغالطة” واقعهم التخلفي والمهزوم هي أيضاً ضمن محاولات النيل منه ومن سمعته ، وربما يمكننا أخذ ردود الفعل هنا على الصفحة _الأتاسي مثال لا يمكن نكرانه _ على الانتقادات وإخضاعها لسلوك طائفي عنصري حاقد بحقه هي إحدى أعراض هذه العقدة بالاضطهاد التي استشرت في نفوس المسلمين السنة وأخذوها من المسلمين العلويين والشيعة ، وهكذا إن مجتمعاتننا الشرقية تعاني من هذا المرض وتختلف باختلاف الخلفيات الدينية والمشاكل الاجتماعية الطبقية والتمييزية التي ترسخ هذه العقدة !.
ولابد أن الإسلام بما يفرزه من تقسيم الناس لزمر وتصنيفهم في جدول الايمان والكفر والشرك يزيد من من حالة الذُهان الجماعي الذي جعل المجتمع أداة لمحاربة نفسه!.
ولدراسة هذه الظاهرة لابد من الموضوعية العلمية ، فلا يمكن القول بأن العلوي لا يمكلك الأسباب الكافية للإصابة في هذا المرض، فالتاريخ يشهد ، ولكن التشبث بالشروحات من دون الوعي لواقع التغيرات السياسية والاجتماعية في العالم، تدل على أن الإصابة بهذا المرض هي من داخله ، وإن المؤثرات الخارجية لم تعد موجوده إلى في هذيانه وهلوساته ، أن العزلة التي يفتعلها مستنداً لمعتقده الديني الباطني هي التي تسبب تأزم حالته !.
واليوم السنة قد امتلكوا الأسباب التي تساعدهم في الشروحات الخاطئة وقد حاولوا قلب الوقائع التاريخية في شروحاتهم رغم كونهم أكبر المستبدين في التاريخ الإسلامي ، ويتناسب معتقدهم الديني “خير أمة ” و”كتاب الخالق وصحته المطلقة وامتلاكه الحقيقة المطلقة” تسهل لهم عملية الرفض للآخر ، وافتعال عزلة ، وعدم التواصل مع الآخر والتي هي أحد أهم طرق علاج هذا المرض ، والتأكد بنفسه من وهم وزيف اعتقاده بتآمر الآخرين عليه !.
إن العلاج الطبي يتطلب عدم المحاججة في شروحات المريض وتبرير أن الانتقاد ليس للانتقاص منه ، وإن كان تعامل النفسانيين مع البارانويا تعاملاً طبياً اكلينيكياً ، فإننا نقاربها خارج فضائها الطبي ،ونعتمد المنهجية الفكرية ، لذلك نختلف مع الأطباء النفسانيين ولو أننا نتفق على تعريف الأعراض .
فطرح الحلول ومناقشتها يتطلب العمل الجاد والمصارحة الجارحة ، وسيتم ذلك في المنشورات القادمة
يتبع …

 

 

 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *