عماد بربر:
* الواقعية جيدة مهما كانت , ذلك لأنه لايمكن تصحيح الواقع السيئ الا عن طريق ادراك سوئه , وقد أصر النظام الأسدي على ممارسة الادعاء بأن سوريا بألف خير , تنعم بالامان والاستقرار والبحبوحة والحرية والديموقراطية لها رئاسة فذة وذات نظرة ثاقبة, ومن يلم ببعض نواحي علم النفس يعرف مصدر وغاية هذا الادعاء , اذ لا لزوم للتصحيح عند عدم وجود الخطأ , ووجود سوريا بألف خير لايوحي الا بعدم الحاجة للتصحيح , وعدم الحاجة للتصحيح تعني حكمة السلطة ورشدها , لذا علينا التمسك بها لأنها حولت سوريا الى بلاد بألف خير .
المعروف عن حبل الكذب قصره, , وهكذا وصل حبل الكذب الى نهايته , ولم يعد باليد حيلة ولا امكانية التحايل , لذا عنون ثرثار يرتزق من السلطة مقالة له بعنوان ” سوريا مريضة ..ياسادة !” ,والثرثار تمسكن وارتجى من الجميع نسيان الماضي ..عفا الله عما مضى.. وطالب برقة تضافر الجهود لانقاذ المريض , يجب عدم التوقف طويلا عند الماضي بعجزه وعجرفته والتحول الى الحاضر والمستقبل , نداء مفيد ومنطقي ورجاء حضاري يشكر كاتبه عليه ألف شكر .
لم يكد حبر الرقة والموضوعية يجف , حتى عاد الجيفة الى عادته القديمة التي أدمن على ممارستها , فسوريا مريضى ياسادة ..الا أنه من الضروري أن يحتفظ الجميع بملاحظاتهم وانتقاداتهم في مايخص الأخطاء والأغلاط حتى يشفى المريض الذي هو الآن سوريا , من الضروري الاستكانة حتى يصلح النظام ما أفسده , والسؤال الآن لماذا لم يصلح النظام ما أفسده طوال نصف قرن من من تواجد استكانة قسرية , هذا أولا , وثانياهل أفسد النظام عن قصد أو عن عدم معرفة , وسيان ان كان الجواب عن قصد او عن عدم معرفة, الجواب ينفي صفة صلاحية النظام لقيادة سوريا , لأن الجواب يجرم النظام في الحالتين ..القصد اجرام وعدم المعرفة اجرام أخف !
ثم يتابع الثرثار اطروحته التي تقترب بسرعة من صيغ التهريج الخشبية المعروفة بالهجوم على الديموقراطية ,,ديموقراطية مزيفة ..شعوذة ديموقراطية ..الخ , حيث يشجب ملاك تناسي الماضي المثقفين ..المتثاقفين ..العلاكين ..المترفين …الخ نظرتهم للديموقراطية , وكأن الديموقراطية ترف فكري , والديموقراطية لاتتحقق بمجرد أن” يعلك ” أحدهم وهو يحتسي الكاس والطاس ويهيم في عالم الأوهام , خاصة أولئك القابعون في مواخير المخابرات الأطلسية أو يعملون كنواطير للغاز والكاز , بالأخص الشيوعيون السابقون الذين التحقوا بمحور اعداء العرب وأذنابهم البترو-دولاريين !..هنا عادت الجيفة الى الماضي بقضه وقضيضه , فكلام من هذا النوع لايستقيم مع نسيان الماضي والتفرغ لعلاج المريض , يبدو وكأن نسيان الماضي مطلوب فقط من البعض , البعض الآخر ملتزم بأساليب الماضي في ممارسة كار التخوين والشتم ثم التهميش والتشويش , ولا يحسدهم أحد على هذه النعمة !,
لايبخل الثرثار علينا بشيئ , ها هو يقدم لنا تنظيرة مفعمة بخصوص الديموقراطية , وكلامه بهذا الخصوص يعطي الانطباع بأن له خبرة عميقة في هذا السياق , فوظيفته كمخابراتي في سلك مخابرات الأسد تمنحه فرصة العمر لكي يتعمق بموضوع الديموقراطية , وممن خلال تعمقه في ممارسة الديموقراطية في سلك المخابرات استقر رأيه على ضرورة ثلاثة بنود لتحقيق الديموقراطية , أولها فصل الدين عن الدولة وثانيهما بنية اقتصادية انتاجية متطورة تسمح بافراز بنية سياسية متطورة وثالثهم أرضية ثثقافية وتربوية وتعليمية متطورة وعصرية تنقل الفرد من الانتماءات دون الوطنية الى الانتماءات الوطنية وما فوق الوطنية …فبربكم هل يوجد كلاما أجمل من هذا الكلام ؟, ثم يتابع الديموقراطي المخابراتي بالقول :
“وفي حال عدم توافر هذه المقوّمات الثلاثة، فإنّ أيّ تطبيق للديمقراطية، سوف يكون شَكْلانياً وواجِهياً واستعراضياً، بل ومُزَيَّفاً، لا بل ليس إلّا شَعْوذة ديمقراطية.. ولا يعني – في مثل هذه الحالة – إلّا تحقيق حرية الاستغلال والتحكّم لشريحة محدودة من مواطني الدولة، يدّعون تمثيل المجتمع، وهم لا يمثّلون إلّا أنفسهم والمستفيدين منهم.
ومَنْ يريدون الديمقراطية حقيقةً، عليهم أن يَنْذُروا أنفسهم لبناء وتأمين البُنى الأساسية المذكورة، تمهيداً لإقامة الديمقراطية المنشودة.
وماعدا ذلك، فهو دجل ونفاق ومزايدة وانتهازية ومراهنة وارتهان.”.
كلام أجمل , ولكن من هو المسؤول عن رعاية وتنفيذ الشروط الثلاثة ؟ هل هذه هي مسؤولية سجناء الرأي ومسؤولية المسحوقين والمظلومين ؟ أم ان هذه هي مسؤولية السلطة الحاكمةمنذ نصف قرن ؟ انها السلطة , وعدم تحقيق أي بند من البنود الثلاثة يعود الى حرص السلطة على بقائها مستبدة وظالمة ومستغلة وفاسدة , الديموقراطية لاتسمح لهؤلاء بالتحكم والتوريث والاستغلال , انهم كما قال الثرثار شريحة محدودة من موظفي الدولة , يدعون تمثيل المجتمع وهم لايمثلون الا أنفسهم والمستفيدين منهم , ولو نظر المنظر المخابراتي لنفسه متفحصا ومتمحصا لوجد نفسه في تلك الشريحة المستغلة , وان لم يكن كذلك فمن أين له المليارات الثمانية من الدولارات ؟
بعد الاقرار والاعتراف بمرض سوريا وبعد الرجاء من الجميع لنسيان الماضي العاجز وتصويب العمل لخدمة الحاضر والمستقبل , وهو الأمر الذي لا أنكر حضاريته تزايدت الخشونة الكلامية عند مرتزقة النظام وعادوا تدريجيا الى لغتهم الخشبية التكفيرية التخوينية الشاتمة , ونهاية الأطروحة كانت مسك الختام , الطلب الملائكي موجه للجميع وتحديدا الى المعارضة , عندما قرأت الأسطر الأخيرة من الأطروحة صعقني العجب , المرتزقة قدمت وصفا للمعارضة يوحي بأن هذه المعارضة مؤلفة من مجرمين وقطاع طرق , قيل في وصف وتقييم المعارضة التالي , فما يميز المعارضة هي الصفات التالية
“(1) الحقد الكيدي الضغائني المسموم، ليس فقط، مُوَجِّهاً سيّئاً لِأصْحابِه، بل هو أيضاً، مُوَجِّهٌ مُضَلِّلٌ، بحيث يَعْجَز أصحابُه عن رؤية شيءٍ إلاّ بالمقلوب، فكيف سيكون الأمر، عندما يترافق ذلك مع:
(2) ارتهان أصحاب هذا الحقد الكيدي الضغائني المسموم، لأعداء الوطن والأمة. إنّ التضليل والضّلال، حينئذ، يُعْمِيَانِ أصحابَهُما عن رؤية خيطٍ واحدٍ من خيوط الحقيقة، وعندما يُضاف لِذلك:
(3) امتهان الارتزاق والتَّكَسُّبْ وتكديس كلّ ما يمكن تكديسه من مكاسب مادّية وحسابات ماليّة، عَبـْرَ انتهاز الفرصة السانحة للحصول على كل ما يمكن الحصول عليه، حتى لو كان ذلك عَبـْرَ الزّحف على البطون وعَبْر لَعْقِ الأحذية، و:
(4) عندما يكون هؤلاء جميعاً بدون استثناء – إلّا في بعض الحالات الفردية النادرة – مخلوقاتٍ لا تاريخ لها، إلّا الاحتيال والنصب والتهريب واللصوصية والسمسرة والقوادة والنفاق والدجل، والتّمسّح بأصحاب النفوذ.
(5) فكيف، عندما يترافق ذلك كلّه، بِوُجود هؤلاء جميعاً في أحضان عواصم مشيخات التخلف والجهل والغاز والكاز، وعواصم العثمانية الإخونجية وسايكس بيكو، وصولاً إلى التلاقي المصلحي مع دولة “شعب الله المختار” الصهيونية اليهودية، عَبْرَ وضع أنـفُسِهِم في خدمة هؤلاء جميعاً، ضدّ بلدهم الأصلي – والأدقّ بلدهم السابق -، و:
(6) ثم يجري تعميد ذلك كلّه، من خلال قيام هؤلاء بتقديم خطاب إعلامي وسياسي، يُقَدِّمون فيه أنفسهم، وكأنّ كُلاً منهم: “غيفارا أوكاسترو أوهوشي مِنِهْ أو تروتسكي”، وكأنّ إخفاء الرأس في الرمال، يمكن أن يخفي واقعهم الفاقع، وكأنّ شيئاً في العالم، قادِرٌ على إخفاء عمالة هؤلاء والتحاقِهم وانسحاقِهِم تحت أقدام المحور الصهيو – أميركي، وتابِعِهِ الذَّيْل الوهّابي – الإخونجي.”
واذا تحلت المعارضة بالصفات المذكورة في البنود الستة , فكيف يمكن لهذه المعارضة أن تشارك في بناء الوطن وأن تتناسى الماضي وعلاته , وكيف يمكن للأسد ومرتزقته العمل مع معارضة يعتبرونها مؤلفة من قطاع طرق وشذاذ آفاق ؟ الدعوة النبيلة الى تناسي الماضي والبدء بصناعة الحاضر والمستقبل لاتهدف الا الى توفير نوع الهدنة وحيدة الجانب للنظام لكي يستطيع تفكيك رقاب معارضيه والفتك بهم , ليس القصد بناء البلد فمن يبني لايهدم .
لاشك بفاعلية الكذب أحيانا ولمدة محدودة , الا أن فاعلية الحقيقة أبدية , لقد تعرى النظام وما بان كان وحش كاسر .
*ناصر طرابلسي