الطائفية سبب وسر بقاء “النظام” السوري وجيشه

بقلم:أحمد محمد سلطان:

قد يكون من الخطأ غير المتعمد أو المقصود عند مقاربة الباحثين والاعلاميين للأزمة السورية قولهم : إن الحرب المستمرة منذ أربع سنوات هي بين كتائب او فصائل أو جماعات مسلحة  من جهة , وبين ” النظام  السوري” ، من جهة أخرى ، ومبعث الخطأ في استخدام مفردة او مصطلح “نظام ” ، فما هو قائم على رأس السطة في دمشق وأذرعه الامنية والعسكرية  لا يمت بصلة إلى ” النظام ” كمفهوم  بل عبارة عن مافيات عائلية- طائفية – ميليشيوية ،مطعمة بأفراد من طوائف ثانية في تحالف ميليشيوي مصلحي قمعي يهدف في النهاية لخدمة رأس السلطة الطائفية، وعليه يمكن اعتبار أجهزة هذه السلطة على اختلافها الأمنية والاقتصادية  والإعلامية  تعمل بإمرة ولخدمة رأس السلطة الآنف الذكر الذي يلعب على التناقضات والاوتار لخدمة مصالح العائلة الحاكمة الطائفية .

وكي لا يغدو الحديث عموميا لا بد من التعريج على تعريف كلمتي نظام الحكم ،فنظام من نظم وتعني  ترتيب او قاعدة او منهج  او نسق او طريقة . وحكم جمع أحكام وتعني-  فيما تعني-  قضاء بالعدل او تولي شؤون البلاد وسياسة شعبها . وعليه عند مقاربة ما تعنيه الكلمتان مع ما هو موجود نجد ان ما هو قائم لا يمت بصلة الى ذلك . فأي منهج غير القتل والاقصاء  واي قاعدة يسير عليها في سياسة أمور البلاد غير الإنهاك والإفقار على خطى الأب الراحل واللعب على التناقضات لضرب المجموعات السكانية كي يبقى هو السيطر .؟

أما من ناحية انماط الحكم  فما هو قائم ليس ملكيا ولا جمهوريا ولا هو حكم مطلق لرأس قوي كون راس السلطة ليس بالشخصية القوية بقدر ما هو واجهة تنفذ مصالح تحالف امني طائفي ارهابي .عماده الاساس الطائفة .وهذا متبع منذ مجيء حافظ الاسد الى السلطة حيث حكم البلاد بشهادة بكالوريا ما يزيد عن ثلاثة عقود بالحديد والنار وعاش السوريون خلالها اوضاعا غير مسبوقة في الخوف والرعب والشظف الاقتصادي وخاصة في ثمانينات القرن الماضي الامر الذي مكن الاسد الاب من إنشاء علاقات متينة مع البورجوازية وشراء الولاءات مع إبقاء الهيمنة المطلقة للامن الطائفي اي العلوي على كل شيء  واصبحت الطائفة العلوية خزانا بشريا .لحكمه ويستدل على ذلك من عسكرة الطائفة وانخراط ابنائها في سلكي الجيش والامن .

  • سليل مافيا عائلية طائفية

“النظام” القائم في سورية اليوم  هو سليل مافيا عائلية  تحكم سيطرتها على البلاد، وتتحكم به أمنياً واقصاديا  وتستفيد منه فئة ضيقة من رجال الأعمال المرتبطين به عضوياً، عبر الشراكة مع قيادات الأجهزة الأمنية. هنا القمع في خدمة النهب، ليس لأنه سمة تخص النظام بوصفه فاشياً فحسب ، بل لأن ” النظام ” يستغل كل تناقضات المجتمع لحماية مصالحه تلك، منها الطائفية والعشائرية.

وغني عن القول أن “النظام” ، نجح منذ بداية ما سمي بالتصحيح  باستخدام خطاب “الوحدة الوطنية” من أجل ترسيخ الطوائف كموضوع ومجال للحكم وكأحد أدوات إدارة الاختلاف الطائفي بما يستجيب لأولياته الأمنية. من الممكن حتى القول أن استخدام خطاب “الوحدة الوطنية “، جاء بشكل يجعل الحديث العام عن واقع التنوع داخل المجتمع السوري محرما، والوحدة الوطنية التي يحميها هذا “النظام” تصبح رديف للدولة الأمنية التي تتعامل مع التنوع الطائفي المكون للمجتمع السوري كمصدر للتهديد، “فالنظام” حول التنوع الطائفي إلى موضوع محرم، وعليه فان طائفية النظام السوري مرتبطة بخلق مناخ سياسي ومؤسساتي يستطيع فيه “النظام” أن يستخدم عصبية علوية بمواجهة طوائف أخرى في سبيل المحافظة على استمراره.

  • التقسيم الطائفي، لضرورات سياسية أو أمنية

المجتمع السوري بعد أربعين عاما من حكم الأسد أصبح مجتمع أقليات. أي أن وعي الفرد لهويته وانتمائه لجماعة طائفية أو قومية، يقوم على شعور بالغربة والريبة تجاه الجماعات الأخرى المكونة للمجتمع السوري، وعلى شعور بأن الجماعة التي ينتمي إليها كانت ضحية غبن تاريخي جعلها مهمشة سياسياً واقتصادياً. لذلك فالإصرار على الشعور بالغبن، أصبح في ظل “نظام” الأسد مكونا أساسيا لوعي الفرد بهويته وانتمائه لجماعة طائفية أو قومية ، من هذا المنظور فإن طائفية النظام تفترض منظورا للحكم يبدأ من تقسيم المجتمع إلى طوائف واستخدام هذا التقسيم كأداة من أدوات الحكم. ليس ضروريا أن يترجم النظام هذه الطائفية إلى لامركزية إدارية تساير خطوط التقسيم بين الطوائف الجغرافي والشخصي والوظيفي، بل العكس من الممكن لطائفية النظام هذه أن تترسخ في سياق نظام إداري مركزي. المهم أن “النظام” يستطيع استخدام التقسيم الطائفي، لضرورات سياسية أو أمنية لها أولية في حساباته كمعيار آني ( يتغير بتغير أوليات النظام السياسية) لتفضيل طائفة ما على غيرها في توزيع موارد الدولة والامتيازات السياسية والاقتصادية.والمهم أن الفئات الاجتماعية الحاكمة تستطيع استخدام العصبية لأغراض سياسية أو أمنية لها أولوية في حساباتها. والواقع أن “النظام” استخدم مرارا تهمة «إثارة النعرات الطائفية»، لكم افواه المعارضة السياسية وحجبها عن المجال العام من خلال الاعتقال والحبس العقابي والتشهير وخاصة في سياق ما سمي بـ “ربيع دمشق”، أو في سياق ملاحقة شخصيات قيادية في إعلان دمشق.

والحال فإن طائفية “النظام ” كمنظور وتقنية في الحكم مكون أساسي لأسلوبه في الحكم وأحد الأدوات التي لا يمكن الاستغناء عنها والتي ساعدته بالاستمرار وإعادة إنتاج سلطته منذ عام 1970.

  • الأسد او نحرق البلد

لم تطلق هذه المقولة جزافا او بشكل عفوي منذ اندلاع  الحراك الثوري السوري في بدايته ، بل جاءت ردا على شعارات “جميعنا سوريون ، جميعنا متحدون ” ، و” طائفتي  الحرية ” “والشعب السوري واحد “. فعندما يهتف الشبيحة «الأسد أو نحرق البلد» فإن «البلد» التي يعنيها هذا الشعار هي كامل الأراضي السورية. والخيار الوجودي الذي يطرحه هذا الشعار هو إما استمرار سيطرة آل الأسد على كامل الأراضي السورية أو «إحراق البلد.»

“فالنظام “الطائفي ينظر بريبة وتوجس الى اي تحرك ولو كان على صعيد اجتماعي او “جمعية  عائلة ” لذلك عمد نظام آل الأسد ومنذ سبعينيات القرن الماضي  زرع جواسيسه ومخبريه في كل حارة وكل دائرة لدرجة ان الأخ بات يخاف من أخيه الأمر الذي أدى تاليا إلى تخريب العلاقات الاجتماعية فالكل ينظر بريبة وتوجس إلى الآخر ولا زال السوريون يتذكرون  القائمة الطويلة للموافقات أمنية  والتي يستطيع النظام معها دخول موسعة غينيس للأرقام القياسية .

وخلال سنوات الثورة الأربع دفع  النظام لزيادة المشهد الطائفي عمقاً وحدّةً، فقد انحاز ضباطه بشكل علني الى نظام الطائفة، ولعبوا الدور الذي طالما أعدوا له، وهو القمع الوحشي لانتفاضة الشعب السوري السلمية، وقد مارسوا ذلك الدور من قبل في حماة عام 1982 عندما قتل نحو 40 ألفاً من سكان تلك المدينة على يد سرايا الدفاع التي يقودها رفعت شقيق حافظ الأسد.

لقد شكل الجيش فرصة للطائفة العلوية للخروج من عزلتها التاريخية، والانسجام مع بقية مكونات المجتمع السوري، إلا أن الاستثمار السلطوي العائلي للطائفية والعسكرة معاً من جانب آل الاسد، جعل الجيش عامل تخلف اجتماعي داخلها، حيث لم تعرف أجيال من شباب تلك الطائفة سوى المهنة العسكرية، ولم يختبروا سوى المهارات المتعلقة بحماية النظام ورأسه، ولم تبرز أية حالة تعبر عن نهضة اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية موازية للصعود السلطوي بين أبنائها.

  • التفييش والتعفيش لخدمة أبناء الطائفة  

لإغراء المدنيين من العلويين بالالتحاق بجيش النظام، أباح الأخير مناطق الثورة لقواته، لتنهبها بالوجه الذي تريد، وبرزت ظاهرة جديدة سميت بـ “التعفيش” حيث يتم الاستيلاء على ممتلكات سكان تلك المناطق، سواء أكانت لهم علاقة بالثورة أم لا، ابتداء بالسيارات وانتهاء بحنفيات المياه وسيراميك الحمامات، التي أعيد بيعها بمقابل أدنى من قيمتها بكثير، في أسواق خاصة أطلقوا عليها اسم «أسواق السنَّة»، كما راجت وانتشرت عمليات الاتجار بالمعتقلين، بل حتى بجثثهم، إذ دفعت العائلات مبالغ مهولة في مجموعها، لضباط وعناصر من العلويين، لمعرفة أي شيء عن مصير أبنائهم المعتقلين الذين يعدون بمئات الآلاف، ولعل «اقتصاد الحرب» المجزي هذا، يفسر جانباً من إصرار أبناء تلك الطائفة على الحرب إلى جانب زعيمهم، ومن أجل بقاء نظام الطائفة، على رغم الخسائر البشرية الكبيرة التي تكبدوها. لكن التطور الأسوأ، تمثل باستدعاء النظام لميليشيات طائفية شيعية متطرفة من خارج الحدود للقتال جنباً إلى جنب قواته.

لذلك فان جيش النظام الطائفي في مجمله لا يقل عنفا وتطرفا عن  الجماعات المتطرفة الأخرى في الساحة السورية  وواقع الممارسة على الأرض لجيش  هذا ” النظام ” لا تختلف عن ممارسات  الجماعات المتطرفة  فهذا الجيش ومنذ بدء الأزمة في سورية كان مولد العنف والتطرف والإرهاب  نظرا إلى أسبقيته ورسوخ  ممارساته وكل ما  تلا ذلك  ما هو الا نتيجة ورد فعل.

لقد كانت معاشات ضباط الجيش السوري تزيد بنسبة ضئيلة عن معاشات الموظفين المدنيين، لكن حافظ الأسد ووريثه ، أطلقا يد الضباط العلويين  في ما يخص العلاقة مع الجنود، إذ إن كل فرد سوري مكلف خدمة العلم لمدة سنتين ونصف سنة على الأقل  يتعرض خلالها لشتى أنواع الابتزاز  خلال الخدمة . وقد عرف الجيش السوري ظاهرة تسمى “التفييش” حيث يسمح الضابط لعدد من الجنود المكلفين خدمة العلم ممن يقعون تحت إمرته بالبقاء في منازلهم، مقابل مبلغ شهري يدفعونه له، ويحدد وفق وضع ذوي ذلك الجندي الاقتصادي، وكانت القيادات العسكرية والأمنية تعلم بذلك، ولا تكتفي بغض النظر عنه، بل تقره بطريقة ضمنية للحفاظ على التصاق هؤلاء الضباط بالنظام. لقد دفعت كل أسرة سورية، ما يشبه الأتاوة للنخبة العلوية الحاكمة، من خلال مؤسسة الجيش تلك، وعانى من لا يستطيع الدفع من أبناء الفقراء والمسحوقين الأمرّين في خدمتهم الوطنية، ناهيك بالمعاملة السيئة، وظروفهم المعيشية كانت في غاية السوء، ومخصصاتهم الغذائية تسرق، وثيابهم مهترئة وبالية وتستخدم لدفعات متتالية، وكان ذلك مدعاة لتندر السوريين الذين أطلقوا على جيشهم اسم “جيش أبو شحاطة”.

  • البلد لي وتعالوا نتفاوض

اليوم وعلى ضوء ما حصل في موسكو والقاهرة وقبلهما في جنيف يبدو ان في هذا العالم من يصدق او يحاول ان يوهم الاخرين ان  ما يسمى  “نظاما “في سورية ينحو أو يميل الى تسوية سياسية يتم بموجبها تقاسم  السلطة مع المعارضات . فهذا النظام ينطلق من مقولة البلد لي وما هو بحوزتي لي ايضا وتعالوا لنتقاسم ما انتم عليه  ايتها المعارضة . فهذا ” النظام ”  من حيث  التركيبة والممارسات لا يقبل الآخر ولا يعترف به أساسا كمكون سوري أو شريك .

بعيدا عن التحليلات والآراء السفسطائية والأوهام المعجونة بالدماء والآلام والأحقاد. الطائفية سبب وسر بقاء “النظام” القائم وأي طفل سوري يعرف ذلك دون وثائق وإحصائيات وأقنعة ومجاملات.

الطائفية سبب وسر بقاء “النظام” السوري وجيشه” comment for

  1. لاضيم باختصاص فئة من الشعب , ان كانت علوية أو مسيحية أو سنية بمجال مهني معين , مثلا مجال العمل في الجيش أو وزارة التعليم أو في تجارة سوق الحميدية , ولا يدل ذلك على وجود طائفية , وجود الطائفية مرتبط بوجود مشروع طائفي , وهل في سوريا مشروع طائفي ؟
    نعم يوجد في سوريا مشروع طائفي تجاوز مصالح البلاد وتقدمها , احترام المصلحة والتقدم أصبح ثانويا , الأساسي هو تأمين ريع للطائفة العلوية كنوع من المكافأة على موقف معين , والموقف هو موقف التأييد للأسد أو للعائلة .
    لقد تزاوج التأييد مع نظرة عدمية لوجود الطائفة , فتاييد العائلة هو أمر الانسان الفرد الذي يؤيد من يشاء ومتى يشاء , الا ان تأييد الأسد اتخذ طابع طائفي أي أنه عمل لخدمة الطائفة , التي اقتنعت بنظرية الاسد التي تقول :اما قاتل أو مقتول , لذا أرسلت الطائفة ابنائها للحرب من أجل بقائها أولا , الجسد يقول أن تكون قاتلا أفضل من أن تكون مقتولا , أما الأخلاق فتقول لاقاتل وبالتالي لامقتول , فمن لايقتل لايقتل , ومن يحب يحب , من يحترم يحترم .
    لقد نجح الأسد في اقناع الطائفة العلوية , على أنه من طبيعة الغير التشريحية والنفسية والاخلاقية ان لايحبوا أحد ولا يحترموا احد , من طبيعتم أن يقتلوا و يقطعوا الرؤوس والأطراف ويبقروا بطن الحامل ..الخ , لذا فانه على الطائفة أن تتعامل معهم كما هم أي قتلة .
    المشكلة في نظرية الأسد هي ان الخصائص التي الصقها بالغير أي بالسنة وغيرهم هي خصائص “فرضية” لم يبرهن الأسد جهارا نهارا عن وجودها عمليا , لأن مجرد محاولة البرهان توقعه في المطب العنصري , أما رد الطائفة العلوية المتمثل بالكره وعدم الاحترام والتقتيل الخ فهو ليس افتراضي وانما واقعي نراه كل يوم وكل ساعة .
    بناء على فرضية خاطئة نتجت ممارسة اجرامية , والممارسة الاجرامية قادت الى ممارسة من نوعها ..هناك مايسمى “حلقة معيبة” ومن باشر في تأسيس هذه الحلقة المعيبة فقد كان الأسد .
    للشرير أضرار , ومن أول المتضررين من نظريات الأسد وممارسات الطائفة هي الطائفة بحد ذاتها أولا ثم بقية الطوائف مثل الطائفة المسيحية التي ضمرت واندثرت بفعل خازوق الأسد التمييزي العنصري تجاه هذه الطائفة , التي اراد الأسد منها أيضا أن تنضم الى عدمية “الفرضيات ” وبالتالي تنقرض في أتون الحرب , بدلا من الانقراض في أتون الحرب هرب معظم أفراد الطائفة الى الخارج, حيث تشكل الطائفة الآن أقل من ٣٪ من عدد السكان , ومن الجدير بالذكر على أن معظم الهروب كان قبل آذار ٢٠١١ , فالحرب في سوريا لم تبدأ قبل حوالي أربع سنوات وانما مستمرة منذ أكثر من أربعين عاما بشكل متقطع ..حماه ..صيدنايا ..تدمر ..سجون ..تعذيب .. انهيار القضاء ..انهيار الاقتصاد ..انهيار الأخلاق ..حرب المادة الثامنة ..حرب الطوارئ ..حرب محاكم الارهاب , الحرب على الحرية .. ممارسة الديكتاتورية هي بحد ذاتها حرب على المجتمع , الفساد يقتل أكثر مما تقتل الحرب بالرصاص , حرب على الارادة عن طريق تزوير الارادة ..هل حقيقة نال الأسدفي استفتاء ١٠٠٪ من الأصوات , هل حقيقة نال المحروس بشار ٩٨٪ من الأصوات , وهل حقيقة نال الأسد مؤخرا وفي قمة فشله ٨٨٪ من الأصوات , أمور لايقبلها العقل , الا أنها تنطوي تحت عنوان “الاستحمار ” , حمار من يستحمر غيره !!

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *