أدونيس الثائر بدون ثورة !
بقلم: نبيهة حنا :
السيد أدونيس هو شاعر وشعره تخصصي لايمت لعنترة أو أبو نواس أو المتنبي والكثير غيرهم بصلة , ولا أريد هنا ذج أدونيس في فريق شعري معين , اترك أمر تصنيف أدونيس كشاعر الى أدونيس بالذات , وقد قام أدونيس بتصنيف ذاته وتراثه
الشعري وأعلن عام ٢٠١٤ على أنه ليس بالشاعر السياسي , لقد انتقد أدونيس مايسمى الشعر السياسي موضحا ان الشعر كالدين متى دخل السياسة فشل (حوار مع الاعلامية لميس الحديدي ) , وفي ذات الحوار أكد أدونيس عل أن قسوته مع محمود درويش هي قسوة شعرية أي لاسياسية , أضاف أدونيس الى ذلك رفضه للقب الشاعر الجماهيري موضحا ان الجمهور العربي لايقرأ .
أدونيس شاعر وليس سياسي كما أنه ليس بذاك المؤرح أو الفيسلسوف أو رجل الاقتصاد أو العسكري … , انه شاعر فقط , وهذا الشاعر “فقط” هو بطبيعة الحال انسان مثلك ومثلي , وقد يهتم هذا الانسان بشكل هامشي أو كهواية بالعديد من الأمور وقد يكون له رأيا سياسيا أو اقتصاديا أو عسكريا او اجتماعيا , ووضعه الشعبوي كانسان لايسمح له بأن يكون مرجعا سياسيا أو اقتصاديا أو عسكريا ..انه كبير كشاعر ولكنه صغير كسياسي , وهذه النقطة بالذات لم يستوعبها أدونيس الذي يقر بحجمه السياسي الصغير الا أنه يتصرف وكأنه كبير .
شغل السوريين الشاغل الآن هي حالة البلاد , ففي البلاد نظام عمره نصف قرن , نظام تنخر فسادا وأفلس أخلاقيا وفشل عسكريا ودمر البلاد اقتصاديا , أفقر الناس وتسبب في لجوئهم ونزوحهم وفقدانهم لحرياتهم ومنازلهم التي هدمها , قتلهم بمئات الألوف وشردهم بالملايين , نصف الشعب السوري جائع
وهناك مليون سجين وعشرات الألوف من القتلى تحت التعذيب , نظام قال عنه الشاعر أدونيس في رسالته الأولى للأسد ” لايصدق العقل ولا الواقع أن يظل النظام العنفي الأمني قائما “, وفي ذاك الوقت جتى منتصف ٢٠١١ كان قد سقط في سوريا من القتلى أكثر من ١٥٠٠ قتيل وأصيب ٦٠٠٠ بجروح ,ونزح الى لبنان وتركيا ١١٠٠٠ سوري وتم اعتقال عشرات الألوف من السوريين من قبل الأمن .الآن وقد بلغ عدد القتلى لأكثر من ٢٥٠٠٠٠ بكثير وعدد المشردين (نزوح ولجوء) أكثر من ٨ ملايين ,وعدد الجياع أكثر من ١٢ مليون , وقد تهدم أكثر من ٧٠٪ من البنية التحتية , وبلغ المبلغ الضروري لاعادة البناء تقديرا ٧٠٠ مليار دولار (الميزانية السورية للمقارنة تبلغ ١٦ مليار دولار ) وأفلس النقد ومات الألوف غرقا في البحر المتوسط وتدور في البلاد رحى حرب تزيد كل يوم من الخراب والقتل والتدمير والتشرد والنزوح واللجوء جاء الانسان أدونيس بمقولات سياسية لاتبرهن الا عن سذاجة غريبة ومجانبة للواقع ومعانقة للأوهام .
قال أدونيس على أنه “ضد ثورة تخرج من المساجد ” ,وقال أدونيس أيضا أن الثورة السورية “أكثر سوءاً مما ثارت عليه”, فأين هو العيب ان خرج الثوار من المساجد ؟ ألم يخرج ثوار ألمانيا الشرقية من الكنائس , ومن أين خرج ثوار بولندا , ومعظم ثوار الشرق الأوروبي , وهل غاب عن نباهة أدونيس حقيقة كون المساجد البقع الوحيدة في سوريا التي لم يسيطر عليها ساطور الأمن , الخروج من المساحد هو المنفذ الوحيد لخروج الثوار في ظل نظام قمعي لايرتعش عندما يقتل عشرات الأولوف , ولعل أدونيس يتذكر حقيقة مقتل ١٥٠٠ متظاهر حتى الشهر السادس من عام ٢٠١١ , ولم يكن بيد هؤلاء سلاح حسب شهادة نائب رئيس الجمهورية فاروق الشرع , ثم كيف سيكون ارتكاس الناس تجاه حكم تتحكم به طائفة علوية , الا يحرض ذلك على صبغة الثورة بصبغة منافسة تاريخيا (يزيد والحسين ) , فالغبن هنا مبدئيا ليس غبن ثوري وانما هو غبن تسلطي , فعلوية السلطة الفاسدة هي التي حرضت على سنية المعارضة الثورية و ناهيكم عن العسكرة , فالعسكرة كانت منذ البدء سلطوية وذلك انطلاقا من وهم النصر العسكري , وماذا ينتظر أدونيس من متظاهرين قتل منهم حتى الشهر السادس من عام ٢٠١١ أكثر من ١٥٠٠متظاهر , ماعدا الجرحى وما عدا المعتقلين ؟؟؟.
لايلام الشاعر أدونيس على قلة درايته بموضوع ديناميكية الثورات , انه شاعر يرفض تسييس شعره , انه حسب اعترافة أمي سياسيا , وقد كان على هذا الأمي أن يتنور أكثر , فالثورة تكسب شرعيتها وأحقيتها وضرورتها من الوضع الذي تثور عليه , والوضع كما اعترف أدونيس ” أنا مبدئيا من أنصار فكرة الثورة” قد استكمل شروط الثورة عليه , لقد تعرفنا على الوضع طيلة نصف قرن وعرفنا و كما عرف أدونيس, على أن الفاسد لايصلح , وعندما يعترف أدونيس بضرورة الثورة فانه يعترف باستحالة الاصلاح , ذلك لأن الثورة ليست احتجاج أو تمرد يهدف الى تحقيق بعض المطالب , فالثورة التي يؤيد أدونيس فكرتها تريد تعريفا اقتلاع النظام من جذوره وتريد تغيير كل شيئ , وسبب ذلك هو كونها “ثورة” وليست انقلابا عسكريا أو احتجاجا أو تمردا فقط .
يشدد أدونيس على ضرورة التزام الثوار بالأخلاقيات العالية , ولا أظن على أن هناك من يطالب بالعكس , الا أن نوعية الممارسات في الحروب والثورات لاتتعلق بطرف واحد فقط , وانما قد يستطيع طرف في النزاع فرض ممارسة همجية على الطرف الآخر , الفرق بين الأطراف يقتصر عادة على تبني طرف للمنهجية الهمجية بشكل مبدئي دائم مستديم , أما الطرف الآخر فموضوع همجيته مرحلي وهمجيته ارتكاسية , هنا من السهل توزيع الأدوار , اذ من الثابت على أن همجية السلطة منهجية دائمة مستديمة, ولا نعرف تماما ماذا ستؤول اليه حالة الثوار , وللتذكير فان قسما كبيرا من ثوار الثورة الفرنسية كانوا قطاع طرق ولم يؤثر ذلك على النتائج طويلة الأمد لهذه الثورة , انها من أرسى قواعد حقوق الانسان , وللتذكير أيضا الثورة البلشفية والاسبانية , وتفسير ذلك هو أن ماتريده الثورات ذو علاقة أساسية مع الوضع الذي تثور عليه ومع سلبيات هذا الوضع , والعلاقة بين ارادة الثورات وارادة قاطع طريق هي علاقة بمنتهى الهامشية , وأدونيس تحدث عن هذه النقطة بشكل غير مباشر اذ قال ” لا يشكّ أحدٌ في أنّ المطالبة بالديموقراطية لا تتضمّن بالضرورة أنّ الذين يقومون بهذه المطالبة هم ديموقراطيّون حقّاً” وعلى هذا المنوال الذي يعانق الحقيقة يمكن تفسير العديد من ظواهر الثورات .
لايريد أدونيس استبدال شخص بآخر ولا يريد تغيير نظام بآخر , انما يريد ثورة حقيقية ثقافية حضارية , ثورة تفصل الدين عن الدولة , وأدونيس لايتناغم مع الثورة السورية لأنها لم تنجح في مشروع الثورة الثقافية الحضارية ولم تفصل الدين عن الدولة , وما يريده أدونيس يشبه المعجزات , فكيف على الثورة أن تغيير الثقافة وتجذر الحضارة من دون أن يكون لها أي سلطة تنفيذية على المدارس مثلا , وكيف سيتم فصل الدين عن الدولة في مجتمع تمذهب قسرا وتحول بعد نصف قرن من الهجوم على عقله الى قطيع مطيع , ولكي يتحقق مايريده أدونيس يلزمنا مئة عام تقريبا , والسؤال هنا هو التالي : هل على الثورة ممارسة التأهيل الثقافي والحضاري تحت رعاية الأسد , وكيف يمكن للثورة أن تفصل الدين عن الدولة في مجتمع مستقطب مذهبيا وعليه تهيمن طائفة وتسرقه طائفة وتقتله طائفة وتشرده طائفة وتفقره طائفة وتحاربه طائفة وتهدم بيووته طائفة , وجيشه متمذهب وحزبه الحاكم تحول الى طائفة ؟
لاتستطيع الثورة تحقيق معظم مطالب أدونيس الا أذا انزاح النظام الموجود وتم اقتلاعه عن بكرة أبيه , وحتى بعد ذلك على أدونيس أن يتحلى بالصبر على الأقل قرنا كاملا , حيث يمكن بعد ذلك ممارسة التقييم , هل نجحت الثورة؟ هل فشلت الثورة ؟ وبالتأكيد سيكون هناك نجاحات وسيكون هناك فشل !, والعجب في أدونيس هو استعجاله في البت بأمر الثورة , وهوالذي قال في مقدمة رسالته الى الأسد “لايصدق العقل ولا الواقع أن الديموقراطية سوف تتحقق في سوريا مباشرة بعد سقوط نظامها القائم ” لذا لايحق لأدونيس أو غير أدونيس القول على أن الثورة أكثر سوءا مما ثارت عليه , أدونيس يعرف الكثير عن سوء النظام , الا أنه يعرف القليل عن نتائج ثورة لم تكتمل وسوف لن تكتمل في العقود القادمة ..للبحث تتمة !