بقلم:هنادي زحلوط
شنت المعارضة السورية السيدة لمى الأتاسي هجوما لاذعا على النبي والصحابة عبر “بوست” لها عبر صفحتها على الفيس بوك قائلة “خالد ابن الوليد كان يذبح رجل و يصطفي زوجته ويسبيها ولم ينتقده أحد بل هو قدوة لاهل سوريا،” مضيفة أن” الرسول كان يأمر بقتل امرأة بين اطفالها ذبحا لانها انتقدته و رفضت الاسلام .. و ما زالت المرأة تذبح في بلادنا لتخريسها و ما زال اطفالها لا احد يكترث بطفولتهم و لا بالطفولة اصلا فتتزوج الطفلات حسب السنة لرجال بالغين راشدين..”.
واضافت “هذه الصورة التي تتداول عن الاسلام سني او شيعي دموية و تختلف بهذا عن كل أديان الكتب السماوية و كل ما حاول مسلم ان يطور المفهوم العام للدين و نقده يذبح ، كل ما جرب احد ان يقول الحقيقة يكفر .. مع أن الحقيقة عن الأسلام ضرورية لأن هناك ملايين من البشر المسلمين بحاجة ماسة لأن يعبدوا ربهم بدون اي فكرة عنف او حقد او كراهية للاخرين.. بحاجة لعيش العبادة كحالة سلام.”
اتاسي إعتبرت ” انتكفير و قتل كل من يجرؤ و يقترب من الدين كان حال الكثيرين، لكن الأن الأمور ستصل لأن يكون الصراع الحقيقي بين المسلمين كلهم و الغير مسلمين لان المسلمين رفضوا التحديث”.
الديانة المسيحية لم تسلم من تعليق اتاسي، التي رأت “ان الدين المسيحي لم يكن بهذه الحضارة و الانفتاح الانساني تاريخ المسيحية مليء بالدماء و العنف لكن هناك منهم من ناضل لتطويره و هو اليوم دين محبة و سلام”، متابعة كذلك الدين اليهودي فهو لم يكن بهذه الديمقراطية و الانفتاح و احترام اختلاف التيارات فيه و علمانية الدولة الاسرائيلية التي لا تحترم تعاليم التوراة .. لا يقطعوا رؤس يهود و لا يسبوا نساء و لا يعددوا الزوجات مع ان دينهم كان يسمح بهذا بل هناك حاخامات نساء رغم ان دينهم كان اكثر تخلف بنظرته للمرأة. “.
من حيث المبدأ فإن السيدة لمى الأتاسي تعرف عن نفسها بأنها “غير مسلمة”، وهي تتهم النبي والصحابة بارتكاب جرائم، وهي تقول صراحة بأن “المسلمين” برأيها يقتدون بـ “مجرمين”!
ولست هنا بالمطلق لأناقش حوادث تسوقها اتهاما سيدة تعرف نفسها بأنها “غير مسلمة”، ولا يعنيني إن كان ما تسوقه صحيحا أم لا، ولكن السيدة الأتاسي تجمل الحديث عن الاسلام، وعن المسيحية كدين بأنه دين عنف، ودين جريمة، ولست أفهم كيف نستطيع اتهام دين بأنه دين عنف ثم ندعو لتطويره؟
فهل ندعو لتطويره من دين “جريمة” إلى دين “جنحة” مثلا؟
كان هنالك في الفترة السابقة الكثير من القراءات النقدية للاسلام، ومحاولات عديدة للحض على إعادة قراءة الإسلام، والأديان بوجه عام بوصفها أديان سلام ومحبة، وربما كتب مفكرون علمانيون في هذا المجال، وأعتقد أن السوريين الذين يعانون من صراع تيارات متطرفة على أرضهم هم معنيون تماما بهذه القراءات، ومعنيون بتوسيع فضاء النقاش، لا بل إن هذا النقاش اليوم، ومواجهة التطرف أصبحت ضرورة قصوى.
ولكن الاصرار على “تجريم الأديان” لن يقود إلى أي مكان سوى إلى مزيد من التطرف، وهذا ما اتسمت به كثير من ردود الفعل الغاضبة على كلام السيدة الأتاسي.
نستطيع أن نغمض أعيننا، ونعيش في بلدان بعيدة، ووفق قانون علماني، وبوسعنا التنظير كما نريد، لكن ذلك لن يلغي كون المجتمع السوري مجتمعا مسلما بعمومه، محافظا بغالبه، تغلب الثقافة العربية الاسلامية عليه، ولا طائل من التذكير بعيش دياناته آلاف السنين على تراب واحد، إنها حقيقة راسخة، وإنها الحقيقة التي يجب ألا تغيب عن أذهاننا.
كانت شعارات الثورة الأولى تنادي بدولة مدنية ديمقراطية، وهذا كان موضع اتفاق بين شتى المناطق، لكن المطالبة بدولة علمانية وبفص الدين عن الدولة لم تكن موضع اجماع، وهذا ما أتفهمه تماما.
اليوم صباحا كتب “دارا العبد الله” طبيب ومعتقل سابق إضافة جيدة في إطار العلمانية قائلا “العلمانية أيضا هي فصل الإلحاد عن الدولة”!
إذا كنا نريد حقا بناء دولة سورية جديدة فإن ذلك لا يمر عبر ازدراء الأديان، “وهذه جريمة بالمناسبة”، لا بل تمر عبر احترام معتقدات الآخرين، وإعادة المعتقدات إلى الحيز الخاص، والقانون سيدا في الفضاء العام.
نستطيع أن ننتقد كما نريد، لكن يجب أن نعلم هويتنا قبل أن نتحدث، ونعلم إلى أي هدف نرمي من حديثنا، يجب أن تكون أرجلنا ثابتة في الأرض قبل أن تغرينا الأوهام بالطيران وتوجيه قذائفنا إلى الفضاء!