كان هناك لقاء بين المبعوث الدولي وبين بشار الأسد , حيث لخص بشار الأسد معالم سياسته , أولا مكافحة الارهاب , وثانيا المصالحة , ثم ثالثا الحوار , ,وأظن على أن المبعوث الدولي ارتج في أعماقه عند سماعه لمحاضرة الأسد بخصوص عزمه على مكافحة الارهاب , ولربما قال لسان حاله في هذه اللحظة ..وحتى أنت يابشار الأسد !!!, حتى بشار الأسد يريد مكافحة الارهاب , وعندما يحق لبشار الاسد ادعاءمكافحة الارهاب فانه يحق لأي ارهابي أن يدعي ذلك , لقد أرهبت العائلة الشعب السوري وشعوب المنطقة خاصة لبنان , والآن يريد بروتس القرداحي مكافحة الارهاب , فهل يمكن للتناقض أن يكون أفدح ؟؟ وهل يمكن للدجل أن يكون أوضح ؟؟.
من المؤكد أن لايكون المبعوث الدولي دي ميستورا صريحا مع بشار الأسد , الا أنه في الأعماق متقزز من الارهابي الأول ومدعي مكافحة الارهاب , كما ان دي ميستورا يعرف تمام المعرفة تناقض اولويات الأسد مع المنطق , أولا يريد مكافحة الارهاب , أي أنه بدأ مشروعا لانهاية له , وبعد نهاية ما لانهاية له تأتي المصالحات وبعد ذلك الحوار , والسؤال هنا لماذا لم يحاور الأسد قبل أن تطأ قدم ارهاب داعش والنصرة الأرض السورية , وما هي الحكمة من جعل مبدأ “المصالحة والمسامحة ” ضروري , انه المعتدي على الشعب وانه المتصالح المتسامح مع الشعب , ثم من أين أتى الأسد بمبدأ المصالحة الذي لاتعرفه السياسة , فالمصالحة مفرزة من مفرزات النزاعات جماعية أو فردية ..نزاع العمال مع أرباب العمل , أو نزاع أشخاص حول مسألة مادية أو معنوية , أما حال الدولة فهو مختلف تماما , فبين الرئيس والمرؤوسين لامكان للمصالحة أو المسامحة , وانما يتحدد مابينهم حسب القانون , فكيف يمكن “للمصالحة” أن تتم بين أم فقدت ولدها من جراء برميل متفجر وبين من القى البرميل على ولدها , القانون هو الذي يعرف المجرم وهو الذي ينطق بالحكم , أما المصالحة والمسامحة فهي أمور لاوجود لها في مسألة تداول السلطة, خاصة وان هذه المصالحة والمسامحة قد نبتت على أرضية من التلوث الأخلاقي , وهذا مادفع أدونيس للقول على أن المساحة أصبحت ممارسة عنصرية ,
الأسد يريد أن يزيد من القهر الذي حطم الانسان السوري , وذلك بالتفضل على هذا الانسان بالمصالحة والمسامحة , وبذلك يريد الأسد امتداح أخلاقيته ومكارمه , الأسد البدائي متورط لغويا بالمكرمات والأخلاقيات الملوثة بالتسامي , والأسد لايعرف الكثير عن ضرورة الفصل بين الدم الذي يسيل في الشوارع وبين أخلاقية ملوثة بالعنصرية والقمعية والاستبداد …اخلاقية المصالحة !! اننا نصدق مايقوله الدم , ولا نصدق مايقوله ذلك الدميم في سوق مفردات أكثر دمامة , نريد الحقيقة وتوابعها ونتائجها وملحقاتها , ولا نريد “أخلاقا” نحمد أنفسنا أو الآخر,
لو أخذنا المبادئ التي شجعها يوم التسامح الدولي (١٦ تشرين الثاني , والذي لا اعتقد بكل ماجاء في ميثاقه !) ) فنجد على أن التسامح يعني الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثري لثقافات عالمنا ولأشكال التعبير وللصفات الإنسانية لدينا, والوثيقة الخاصة بهذا اليوم تنصح بممارسة تعزيز التسامح وذلك بالمعرفة والانفتاح وحرية الضمير والمعتقد, وتحدد التسامح بأنه وئام في سياق الاختلاف, والتسامح ليس واجباً أخلاقياً فحسب، وإنما واجب سياسي وقانوني أيضاً, وعليه فإن استبدال ثقافة الحرب بثقافة السلام، تقوم على ترسيخ مبدأ التسامح, وعليه أيضاً، فإن التسامح يشكل عماد حقوق الإنسان والتعددية والديموقراطية وحكم القانون، ومن دون التسامح لا تنمية ولا ديموقراطية وهل يمت تصالح وتسامح الأسد الى هذه الوثيقة بصلة ؟ وهل حول الأسد المتسامح والمتصالح خده الأيمن لمن ضربه على الأيسر ؟ الأسد يعيش على كوكب آخر , كوكب ليس بشري على الاطلاق .
كيف يجد الانسان نفسه حيال تسامح وتصالح الأسد ؟من يسامح من؟ ومن يتصالح مع من ؟ , وهل من الغريب أن يكتشف الانسان في اعماقه رفضا لتلك المبادئ الملوثة , فقوام التسامح الذي يقود الى التصالح ينضح بالكثير من الفوقية , اذ إن التعبير عن الرأي والمعتقد بحرية، وممارسة مستلزمات هذا الرأي وهذا المعتقد اجتماعياً وسياسياً هو حق وليس منحة أو هبة وليس تسامحاً, وجنوح الأسد هذه الأيام الى التسامح والمصالحة حتى ولو شكليا أو مرحليا هو لحاجة خاصة به , وليس من مكارم أخلاقه , وما يصفه الأسد “بالمصالحة” هو في الحقيقة “هدنة” , ولا سبب لاضطرار الأسد للهدنة الا فقدانه للكثير من انيابه , ويريد بعد هزيمته الأخلاقية أولا ثم العسكرية ثانيا أن يظهر بمظهر المتفوق ,فهاهو يتصالح ويسامح , وهو الذي قدم لنا الغير مألوف من العنف والاجرام والاستبداد والنبذ والعنصرية والطائفية والحروب الاهلية والمجازر ونشر الجهل وعبادة الفرد وممارسة الدوغماتيكية وتمزيق وحدة المجتمع , انه الممارس للعنف حتى الثمالة , والمدمن على اغتصاب كرامة وحرية المواطن , والعازل للبلاد عن العالم , انه ذاك الذي جوع السوريين وأرغم أكثر من نصفهم على اللجوء أو النزوح , انه ملك الغابة راكب الدبابة , انه ذاك المبتدع للبراميل المتفجرة , انه قاتل الأطفال بالغازات , انه بشار الكيماوي المنبوذ عالميا والملاحق من قبل القضاء الدولي …كل ذلك وفي نفس الوقت يريد أن يتسامح ويصالح ويريد أن يتكلم بلسان الأقوى متنكرا للحقيقة التي تقول على أنه للمصالحة أو الهدنة سقف لايمكنها تجاوزه , يريد احتواء معضلة لفترة ما , وعندما يستعيد قواه فسيبطش دون هوادة , لم نعرف عنه الا ذلك !.
المساواة والعلاقات المتوازية هي انجيل المواطنة , ومن يتنكر للمساواة والعدالة هو مخلوق وضيع وبدائي ,يحتاج الى نوع من المكيجة والى قناع يحجب رؤية الناس لوجهه الحقيقي , يحتاج الى ابراز معالم فوقية لايملكها أصلا , يحتاج الى المتاجرة بقيم تبعد عنه آلاف من السنين الضوئية.
الارهابي الذي يريد القضاء على الارهاب , والمتسامح المتصالح الذي يهب الشعب مكارم الأخلاق , يريد في النهاية أن يحاور بعد أن قضى على الارهاب , وبعد أن تنعم الشعب بحكمته وحكمه , أي انه هذه الأيام لايحاور اذ أنه سيحاور , أي أنه أيضا لم يحاور سابقا , وبالواقع لم يحاور , حكم بنفسه ومن أجل نفسه , والسؤال مع من سيحاور بعد أن قضى على الارهاب , والارهابي حسب قاموسه هو معارضه , لذلك سيبدأ الأسد بالحوار بعد أن قضى على معارضيه , وهل يمكن لذو نصف عقل أن يستوعب ذلك , وان قدر له البقاء فسيستمر الأسد في حوار ذاتي مع نفسه .. والأسد لم يفعل غير ذلك , وسوف لن يفعل غير ذلك , فالديكتاتور يبقى ديكتاتورا حتى يتم اصطياده , ولا مفر له من المصيدة .