طريق الجلجثة….. الأربعاء الاسود

بقلم :محمد حبش

ليس المرعب حجم الموت ولكن المرعب حجم الشماتة، وهذا يعرفه كل من تابع ساعات الأربعاء الأسود للمئات البائسين من افراد الجيش الذين القتهم الأقدار بيد تنطيم داعش ليحملهم في طريق الجلجثة الدموي إلى مصير الموت الأزرق تحت سمع العالم وبصره في مجزرة جماعية سوداء منتصف العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.

الأرواح العارية قابيلها وهابيلها في مشهد الموت المذهل، يتحركون في الصحراء في خيال بعضهم أمنيات انشقاق بائسة، وفي خيال آخرين رغبات حقد ملعونة، ولكن الكل يتوحد أمام رهبة الموت، وغدت أجسامهم العارية متشابهة… وحدها الامهات الثكالى تمكنت من تمييز أبنائها بشامات وعلامات، وخفقات قلوب مجنونة، وهي معرفة لم تجد نفعاً ولم تبلغ بالأمهات حد حقهن في اللطم والعويل أمام أجساد الأحبة، بعد أن قام القتلة بتكرار ما قام به النظام قبل شهور حين وزع بشماتة صور جرافة الحقد الحمراء وهي تلقي نصفهم الآخر في حفرة الموت عند بحيرة العتيبة.

الشماتة التي تفجرت على كل صفحات التواصل الاجتماعي بأشكال بالغة القسوة تعكس انهياراً كاملا في منظومة القيم الإنسانية والتحاقاً غير معقول بالغرائزية التي تحكمها شرائع الغاب، ولعل أكثر كلمة تكررت يوم الاربعاء الأسود إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب، تم الدعس، إلى جهنم وبئس المصير، إلى كلمات أخرى لا تليق بهذه الصفحة.
فأين الإنسان في هذا الركام؟؟؟

لم يعد في الغضب السوري متسع لروح الإنسان، وهنا لا نطالب بروح هابيل لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك، ولا بثقافة غاندي السوريالية: أن تطبيق قاعدة العين بالعين سيجعل الجميع عميانا، بل نتساءل عن روح أبي فرات القتالية الرسالية، التي كانت ترى في كل شهيد من الجيش مأساة وعزاء، وكان يطلق الزناد بعينين دامعتين، وهو سلوك على ما فيه من تناقض ولكنه يعكس بقية من روح الإنسان.

 

أما أولئك الرهيبون القادمون من وديان الموت المتفرقة في الأرض، بنمطها الأفريقي والأسيوي التقليدي وأخيراً الأوروبي الأكثر بشاعة الذي يكرر كل مجازر الهيجونيوت والجيزوليت التي طبعت العصور الوسطى، ويهتفون هذه المرة من عواصمهم في القارة العجوز بالثارات العتيقة للمحاربين في بلاط الشهداء عند بواتييه، ضد شارل مارتل والالزاس واللورين، بطهرانية الحرب المقدسة التي سحقت بها الصحراء مجد روما مرة أخرى في القرن الثامن، وعلى الرغم من معموديتها بالدم والخيانات وجز رؤوس أمراء الحرب في اثني عشر انقلابا دامياً أسود ما بين طارق بن زياد وصقر قريش، ولم تدنس طهرانيتها أو بريقها أيضاً تلك المصائر السوداء للفاتحين الأوائل الذين أعدموا في طاحونة السياسة الغدارة الرديئة: عقبة بن نافع وأبي المهاجر وطارق بن زياد وموسى بن نصير….

يطل علينا أصحاب الرايات السوداء بشعارات كالصاعقة، فيها زلزلة الكتائب وهتافات الموت: جئتكم بالذبح وأنا الذباح الرحيم، نصرت بالرعب، إنما نقتلكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً…

لم يسمع هؤلاء القادة الشيشانيون والفرنسيون والبلجيكيون بنص اسمه ادرؤوا الحدود بالشبهات، وهو نص قاطع يصرف عن الموت كل أولئك الأسارى المعذبين، الذين كانوا في الواقع محض كومبارس لمسرحية الموت التي يقودها محترفون قساة يلقون أشد البراميل حقداً على رؤوس الناس، ويلقون في عساكرهم ابلغ المواعظ عن كرامة الوطن وشرف القتال، وفي لحظة الحقيقة ركبوا طائرة اليوشين تحت شعار حماية الخبرات الوطنية تاركين عساكرهم للمصير الأسود الرهيب.

ادرؤوا الحدود بالشبهات تفرض على المقاتلين السود افتراض ان ابرياء كثير كانوا في قافلة الموت هذه، جنود نظاميون، سجناء، مخطوفون على الحواجز، عمال أو موظفون، المساواة هي الشعار الذي رفعته داعش المساواة في الموت وحق كل إنسان في رصاصة عادلة ترحله إلى الدارالآخرة.

حتى حديث: أقتلته يا أسامة؟؟؟ بعد أن قال لا إله إلا الله؟؟؟ أشققت عن قلبه…. وهو حديث صريح يفقا العين في وجوب احترام التعوذ بالشهادة، وعصمة الدم، ولو كانت محض دعوى: إنه قالها تعوذاً.!! أشققت عن قلبه؟

لقد خاضوا درب الآلام على طريق الجلجثة وهم يرددون لا إله إلا الله، ودولة الإسلام باقية، لم يشقق أحد على قلوبهم، وقد سمعهم العالم يرددون ذلك بين رصاص قاتليهم الأعمى، ولكن ذلك كله لم يعصم رقابهم، وقناعتي كطالب علم شرعي صغير أن هذه الشهادة ستحاجهم أمام الله، وسيبدو الذين أرغموهم عليها كالمستهزئ بربه وسنة نبيه.

ومع ذلك فلن أترك الكلمة تفلت دون الإشارة أن هذا النمط في عصمة الدم مخرج منحه الإسلام للعدو المحارب ليعصم دمه، وهو ليس مطلوبا من المواطن المسالم بحال، فكل مواطن معصوم الدم والمال مهما كان دينه، ولا إكراه في الدين.

لم يكن لتلك الأدبيات التي يعرفها أصغر طالب علم شرعي أي مكان في ضمائر القساة القادمين من وادي الموت، وبعد مهرجان حافل في طريق الجلجثة والعذاب والآلام تم إطلاق لعبة النار والموت وكتب المصير الأسود لأولئك الهالكين الذين بدؤوا رحلة الموت أصلا قبل سنتين اثنتين بالجوع والعطش في بؤس الصحراء.

التلفزيون السوري كان مشغولا بحلقات عن شرائط الحمية في التخسيس والتاتو، وكان يبث بين الحين والآخر مشاهد وطنية على طبول هادرة لأبطال الجيش العربي السوري وهم يلبسون الثياب الأنيقة والنياشين البراقة والكرافتات العسكرية المهذبة في استعراضات عسكرية كوريشمالية ويطلقون صواريخ سكود الرهيبة، التي تشق السماء الزرقاء والغيوم البيضاء، ولم يكونوا يعلمون أن جيشهم في جهنم الرقة قد صار بدون ثياب بالمرة، وأنه يساق بالمئات إلى مقابر جماعية أمام سمع العالم وبصره.

أذكر عندما توفي باسل الأسد عند مطار دمشق أطل العماد حكمت الشهابي رئيس الأركان وأعلن أيام حداد رسمية في الجيش السوري وتالياً في كل مؤسسات الدولة، وأطلق اسم باسل الأسد على الثكنات والمعسكرات والمدارس العسكرية والشوارع والمشافي والمدارس والكليات تحت عنوان علني صريح بالحرف وفق حكمت الشهابي: احتراماً لشهداء الوطن…..!

لم يجد الإعلام السوري سبباً لفعل شيء في هذه المناسبة البائسة، والسبب بسيط، ينطلق من فلسفة واقعية، الوطن كله جراح ودمار وشهداء، والمعدل اليومي للموت يطابق هذا الرقم فلا جديد تحت شمس الموت، والموت عاريا كالموت لابسا وان الشاة اذا ذبحت لا يضرها السلخ، والعدد اليومي للنزوح واللجوء يقارب الألف وخمسمائة إنسان، فلا جديد تحت شمس الشتات، والبرنامج مستمر ولا يوجد معنى لفاصل إعلامي!!!

الغضب القادم من الموالاة تجاوز الحديث عن وزير الموت الذي كوفئ يوم المذبحة بالنمديد له ولوزير اعلامه، بل ارتفعت الأصوات للرئيس نفسه، الذي بدا عاجزاً عن حماية أنصاره والمقاتلين من أجل (سواد عينيه) وأشياء أخرى فيه، وفي هذه المرة فإنهم غضبوا غضبة الحيش الفرنسي من لويس الرابع عشر الذي خاض سلسلة حروب طاحنة في القارة العجوز، ودفع فيها الفرنسيون ربع جيل كامل من أبنائهم انتفضوا عليه… كتب ول ديورانت كما لو كان يشرح الغضب القادم: انهم لم يأخذوا عليه جرائمه بل هزائمه….

الكوارث متلاحقة في الدراما السورية الدامية، وداعش باقية وتتمدد، والتحالف قادم ويتشتت، والوطن ذبيح ويتفتت، والسوري هائم ويتشتت، والآن يبدأ الفصل الجديد للتراجيديا عبر التحالف الدولي المسكون بهواجس التحالفات السابقة وانجازاتها في العراق وأفغانستان… ولكن الجانب الأخطر من وجهة نظري هو موت الإنسانية، وانهيار منظومة القيم التي تحكم حياة السوريين، وهي الرسالة التي أستنفر إليها اليوم كل صاحب قلم وفكر وروح من أجل النجاء بما تبقى من الإنسان، بعد  دراكولا الموت السارية في هذا الشرق اللعين

طريق الجلجثة….. الأربعاء الاسود” comment for

  1. اعجب ممن يتعجب من أحداث الأربعاء الأسود , , ولماذا لايسمى يوم الثلاثاء أو يوم السبت أو غيره من الأيام بيوم السبت الأسود , وهل تناقصت ضراوة غريزية الانسان السوري في الأيام الأخرى , ايامنا كلها سوداء , وكل يوم مع الأسد هو يوم أسود , وبالمقارنة كما وكيفا فما هو لون اليوم الذي رقد به ١٥٠٠ طفا بفعل غاز السارين , سيان من استخدمه , والأدلة على اسخدام الأسد له هي أدلة دامغة .. كل ذلك توحش لانظير له , وكل ذلك هو نتاج غريزية ماقبل عصر الحجر ,
    لايمكن القول على أن داعش توحشت , ذلك لأن داعش أصلا متوحشة , ولايمكن القول على أن حالش توحشت , لانها اصلا متوحشة والأسد لم يتوحش , وانما هو بالأصل وحش مفترس , الا أنه وحش كاذب أيضا وذلك بعكس داعش وحالش وعافش , الأسد الذي لايزال يشرف على تحضير الانسان السوري ورفع مستواه الأخلاقي والحضاري لم ينتج الا الوحوش من مؤيديه ومعارضيه , انه المجرم الأول , انه أصل الاجرام , انه جذع شجرة الاجرام والتوحش , وما بقي من وحوش ليسوا الا الأغصان
    كفانا تباكيا وكفانا هجاء ولنعترف بالحقيقة المرة التي تقول على أن كل مايحصل في سوريا من تقدم أو تأخر هو انتاج أسدي بعثي طائفي , كما هو الحال في العراق ومنتجاته الصدامية البعثية الطائفية , انهم أصل المنكر .
    احتلال العراق من قبل أمريكا قاد البلاد الى تطور يمارس به نوعا ساذجا ومخاتلا من اليموقراطية الهشة والقاصرة والمشوهة , أما نحن في سوريا فاننا نحلم بوضع كالوضع العراقي , بيننا وبين العراق فرق شاسع في التطور , نحتاج الى ٥٠ سنة لنصل الى وضع العراق , ونتحتاج الى مئة سنة لنصل الى مرتبة مصر , ثم ١٥٠ سنة لنصل الى مرتبة تونس , وحتى ليبيا الممزقة تتواجد في حالة تطورية واعدة , حتى نصل الى مرتبة ليبيا يلزمنا تقديرا ١٠٠ سنة..كل ذلك عبارة عن “تقديرات” قد يكون مبالغا بها أو العكس , الثابت هو أن سوريا بعد عام ١٩٤٦ وحتى عام ١٩٥٨ كانت بالرغم من الانقلابات العسكرية الخمسة متفوقة على كل ماذكر من دول , والآن أصبحت كل هذه الدول متفوقة على سوريا , لايوجد في سوريا يوما أكثر سوادا من يوم الثامن من آذار, ولا يوجد من هو أكثر ظلاما وظلما من الأسدية, هل نحتاج الى اجتياح أمريكي لكي يصبح وضعنا أفضل ؟؟
    تهتز الدول الأخرى وترتعش وتتمايل , الا أنها لم تندثر , أما في سوريا فقد أصبح الاندثار واقعا , ساسة الصومال يحذرون من ” سورنة ” الصومال وذلك بعد أن حذر العالم أجمع من “صوملة” سوريا , الا يدرك بشار الأسد ما اقترفت يداه ؟

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *