وحتى المالكي حريص على سلامة المسيحيين !!

بقلم:نبيهة حنا

  أعلن بشار الأسد مرار وتكرارا حرصه على سلامة الأقليات ,  وان كانت  ترجمة  أقواله لاتعن الا   شخصه وعائلته كأقلية  تستحق سلامتها وبقائها  حتى ولو اندثرت الدولة  , فانه  لايتنكر  نظريا  لحماية المسيحيين , أما عمليا  فقد قادت جهوده  وجهود والده  في ممارسة حماية المسيحيين أيضا  الى  هجرة نصف مسيحيي سوريا  في  نصف القرن الأخير , هجرة لاتبرهن  اطلاقا عن  عن شعورهم بالحماية  ولا تبرهن الا على شيئ واحد  , ألا وهو  افشال الوطن  عمدا  في  استيعابهم , لقد هاجروا  لأنهم أدركوا على أنهم مواطنين  من الدرجة  الأقل من الثانية ,  هاجروا  لأنه  لم يتم اعتبارهم  كمواطنين  , وانما كمستوطينين  , وفي  افضل الأحوال  كضيوف  , عاشوا على  الفتات الذي  يرفضه العلوي وذلك  في كافة المجالات , ان كان  في الجامعة او في المدرسة  … خذوا المدن  المسيحية  كمرمريتا مثلا   فهل يوجد هناك رئيس دائرة  الا من  المذهب العلوي ؟ , هل يوجد مدير بنك (حكومي) الا العلوي  , هل يوجد  مدير مدرسة الا علوي , واذا  تمتم تعيين  مدير مدرسة مسيحي  ,  فسيكون نائبه  علوي  حتما  ,  وعن هذه القاعدة  لايوجد  استثناء .

المالكي  أيضا  حريص جدا على  المسيحيين  , ويتحسر ليلا نهارا من أجلهم  وبسبب مصيرهم  على يد داعش ,   وقبله مارس صدام  الكثير من هذا القبيل , وعلى الأقل  يمكن القول على أن ديكورات صدام كانت مسيحية   من وزير الخارجية الى احتضان مؤسس البعث عفلق , أما  ديكورات  الأسد فقد كانت  أكثر تواضعا بكثير من ديكورات صدام , وبالنتيجة يجب القول  بوجود علاقة  أكيدة بين المسؤول   في السلطة , وهو في هذه الحالة الأسد هنا وصدام  هناك ,  وبين ماحل بالمسيحيين   وما حل بغيرهم , واذا لم يكن الأسد مسؤولا  ولم يكن صدام مسؤولا  , فمن هو المسؤول ياترى ؟

عدد المسيحيين تناقص في العراق  أكثر من في سوريا    , لقد كان هناك  أربعة ملاين مسيحي , والآن يوجد في العراق  أقل من ٤٠٠٠٠٠  مسيحي ,  , البقية هاجروا وهربوا وأصبحت لهم أوطان أخرى ,  وشخصيا  لا أستطيع  اخفاء  سعادتي   في نزوحهم   واستيطانهم في أوطان أخرى  , ذلك لأن مستقبلهم  في  بلدان من نوع  العراق  ونوع سوريا معدوم , وسبب  عدمية هذا المستقبل  ليس  البغدادي  وليس  الجولاني  , وانما البعث  الذي  اغتال  الحرية  واغتال الوحدة والاشتراكية ,اضافة الى اغتياله  للعدالة الجتماعية   وممارسته للطائفية ..الخ  ولو وجدت علمانية لاغتالها  أيضا , وسبب  انكاري لمسؤولية البغدادي والجولاني  في تهجير المسيحيين  يعود الى   أمر منطقي  وبسيط  ألا وهو   ان الجولاني والبغدادي  لم يحكموا  البلاد  لعدة عقود , ولم يكن لهم أي وجود قبل عام ٢٠١٣ , , فالمسؤول عن هذا التطور  هو حزب البعث بشطريه  العراقي والسوري  , ثم   آل صدام حسين  وآل حافظ الأسد  ثم اولادهم من بعدهم , هنا بشار  ,  وهناك لم يقدر  لعدي أو قصي  ان  يتابع مسيرة  الوالد , وذلك بعكس سوريا .

نفي علاقة البغدادي أو الجولاني  بقضية هجرة المسيحيين  لاتعني  انكار علاقة  الطائفية  بهذا التهجير ,  التهجير هو   مفرز من مفرزات الطائفية   , التي  مارسها  بأقبح الأشكال كل من حافظ  وصدام   ولا يزال بشار والمالكي يمارسونها  بأشكال أقبح , فالمالكي يمارس المحاصصة الطائفية رسميا , في حين  يمارس الأسد هذه  المحاصصة  بشكلها المعكوس غير المعلن , والسبب هنا قلة المكون العلوي-الشيعي في المجتمع السوري  والذي لايتجاوز ١٢٪ من مجموع السكان , ٩٠٪ من المراكز الحساسة  في يد العلويين ,  والباقي الغير حساس موزع على  المواطنين من الدرجة الثانية   , ووجودهم في هذه المراكز   لايتعدى كونه ديكوري , أي وظيفيا بدون قيمة تذكر.

عندما  نقول على أنه ليس للبغدادي أو الجولاني علاقة  بما  يحدث للأقليات  والأكثريات , فهذا  لايعن  انعدام العلاقة  بشكل مطلق  , وانما يعني فقط  أن التخريب الاجتماعي  بشكل رئيسي هو من صنع البعث بشطريه  ,  ويعني ذلك أيضا  على  أن من ينفذ حلقة صغير في موضوع التخريب الاجتماعي  هو  فرخ من فراخ  البعث  والأسدية والصدامية ,   البغدادي  لايمثل ظاهرة غريبة عجيبة  أتت  في غفلة من التاريخ   ومناقضة لمنطقية التاريخ  , وتاريخ تطور البعث  هو تاريخ تطور  من حالة  شبه مدنية الى حالة  دينية , أي أن البعث تحول في بنيته الى بنية جماعة دينية  والى طائفة   , والطوائف  لها معالم وخواص  , ومن هذه المعالم والخواص  تأليه القائد  وترفيعةه الى مرتبة اله , ثم  أنه من خواص  الطائفة   أبدية قائدها  , وفي هذه النقطة تتغلب داعش على البعث حضاريا  ,  لاتوريث في داعش  بينما توريث في بعث الأسدية والصدامية.

لقد  انهار الخطاب المدني العلماني في دول مابعد الاستقلال ,  لقد  هوى على ذاته   بسبب فراغه الداخلي العملي ,فالعسكر   لم يقتدر على  ملئ هذا الخطاب بمضامين   عملية  وانما فقط بالشعارات  , والعسكر لم يكتف  بتقديم فقاعات الصابون  , وانما منع  الآخرين من العمل السيلاسي تحت طائلة  العقاب المريع , هاهو الأسد يصادر الآن املاك   معارضيه  ويحكم عليهم بالسجن سنين  لأنهم   غردوا ضده  في الفيس بوك , ليس لأنهم  حملوا البندقية!  , وليس لأنهم  تظاهروا في شوارع دمشق,!  وانما لانهم كتبوا  ضد الأسد  في الفيس بوك , أي أن  ديموقراطية الأسد  لاتتقبل  نقدا عن بعد , وهذا المثل  يوضح  عن طريق منع السياسة  افراغ  المجتمع من  ممارسة السياسة  , وبالتالي    خلق فراغ  امتلأ  بخطاب الموروث الديني  بخصائصة القروسطية  ومفاهيمه الرافضة  لكل تقدم  أو حداثة .

لم يقف البعث  مكتوف الأيدي  تجاه هذا التطور  ,  وما قام به البعث  في هذا الخصوص مضحك ومؤلم , ففي سياق التلفيق تصاحب البعث مع رجال الدين   وبنى المساجد ومدارس تحفيظ القرآن  والأكثر من ذلك هو تحول البعث الى مؤسسة دينية  رئيسها  سمي الرئيس “الورع” , وهذه المؤسسة لجأت الى طائفة الرئيس  داخليا وخارجيا  , فداخليا كانت الطائفة العلوية المسلمة , وخارجيا كان حزب الله وكانت ايران الشيعية  , وفي  هذه الاجواء  الاستقطابية  كان من المنطقي  حدوث ارتكاس على الجانب الآخر   السني  , ففي المدارس   تعلم التلاميذ  تاليه الرئيس  فوزارة المعارف تحولت  الى وزارة التربية والتعليم  , حيث ضمرت المهمة التعليمية وانتفخت المهمة التربوية  , والمهمة التربوية  لم  تتضمن من التربية  الا ممارسة تمجيد وتاليه الرئيس , وبذلك خسرت المدارس  مهمة التهعليم  وخسرت مهمة التربية  أيضا , ذلك لأن  تمجيد الرئيس وتأليهه لايمت الى التربية الصحيحة  بصلة , وانما  هو  سوء تربية بامتياز وتشويه للتربية  الايجابية  ,  انها صناعة القطيع ,  وعلى الجانب الآخر تمت صناعة قطيع آخر  , انه قطيع  المساجد وقطيع مدارس تحفيظ القرآن , وفي لحظة من اللحظان انفلتت القطعان على بعضها البعض  وفعلت بالبلاد فعلتها المنكرة   التي نرى نتائجها  هذه الأيام .

صعود البغدادي   هو عمليا كصعود   الحسون أو صعود  البوطي أو  غيره من رجال الدين…ولنأخذ البوطي على سبيل المثال    , فماذا سيكون موقف البوطي من اعلان الخلافة  ؟  , انه نسخة فقهية طبق الأصل عن  البغدادي  ,  عنهم لايختلف الطنطاوي  أو القرضاوي , فقهيا  يكسب  الرجل الذي  يستطيع خلع  الحاكم القائم  بالقوة  الشرعية  ويمتلك  كل  استحقاقات  وحقوق هذه الشرعية , والرجل الانقلابي  كصدام أوحافظ الأسد   أعطى نفسه الشرعية  وأعطى نفسه كامل حقوق واستحقاقات هذه الشرعية , وكما على الأمة مبايعة البغدادي  فورا  , فقد كان على هذه الأمة مبايعة الأسد فورا , كل ذلك في سياق ثقافة   المقدرة على التغلب  بالعنف ,  اذن  يجب أن يتوفر للمشروعية  شرط واحد  هو التغلب  والقوة والسطوة , ومن يخالف المتغلب  ويرفضه  يصبح  مستحقا  للقتل  ومستباح الدم  والمال والعرض ,  وماذا حدث لمن خالف صدام   ومن خالف الأسد ؟؟, أليست استباحة الدم والمال والعرض  , أليس   الحجز على أموال  رجال الفيسبوك وبيعها بالمزاد العلني  لصالح  فئات أخرى  استباحة للمال , وقد يكون البغدادي  هنا  أرحم  ..فمن يدفع الجزية  شهريا  كما  هو حال الموصل الآن  يستطيع الاحتفاظ بماله ,  أين هو الفرق  بين  سطوة البغدادي  على  المال  وبين سطوة  الأسد  ؟؟

يجب أن لانتهرب  من مواجهة  أنفسنا بالحقيقة ,   ويجب أن نمتنع عن اللف والدوران  والتلفيق  وعن جعل الآخر مسؤول عن مصائبنا  , مايحدث هنا والآن هو  من افرازات ثقافتنا ,  انه فكرنا  واعتقادنا   وممارساتنا  وعقلنا  وليس دخيلا علينا , وكم  نكون سعداء    لو دخل علينا  فكر الحداثة  وفكر  الحرية والديموقراطية   وفكر الاعتماد على النفس  وممارسة الصراحة  والنقد  واحترام  الرأي الآخر , ولو  اعتمدنا فكر  الحداثة والديموقراطية  والنقد  واحترام الرأي والاعتماد على النفس والصراحة  لما  كان عندنا صدام أو حافظ أو البغدادي أو الجولاني , لكن للأسف !!

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *