من بول الى بشار !

بقلم :بسام حيدر

التاريخ  لم  يسجل كل سفاح في سجل  السفاحين   , فهناك العديد  منهم خارج سجلات الطواغيط , وسبب  ذلك ليس تقاعس التاريخ  ,وانما   بطئ التاريخ في العديد  من الحالات  في تقييم شخص   أو عمل ما ,  ومن المؤكد تاريخيا  على سبيل المثال  وليس الحصر على أن  هولاكو وهتلر وتيمور لنك  ونيرون  وغيرهم  هم  من   السفاحين , الا أن موضوع صدام حسين لم يكن  بذلك الوضوح حتى  قبل أعوام , دافعنا عنه  وتظاهرنا من أجله  في العواصم الأوروبية  , ولا يزال البعض يرى به قائد وطنيا عملاقا .و أمر  القذافي  شبيه بأمر صدام  بعض الشيئ , الا  انه لايوجد من يدافع عنه الآن  ,  وذلك بعكس بشار الأسد  الذي يتطابق وضعه مع وضع صدام , أما عمر البشير  فلا يختلف  بشيئ عن الاثنين ,

هذا في المجال العربي ,  وكلما بعدنا عن  هذا المجال  تناقص عد السفاحين ,وبوصولنا الى كمبوديا    يرينا التاريخ سفاحا  ذو قواسم  كثيرة مشتركة مع السفاحين العرب , وأظن على أن قواسم بول بوت مع بشار الأسد  مذهلة في تطابقها ,   ومن يفكر ببشار  يقف أمام ظاهرة  غير اعتيادية  عند  الكثير من السفاحين ،كل يوم ومنذ سنوات هناك  مشهد  من القتل الشامل، بقرارٍ منه، وبشتى انواع الاسلحة، وأكثرها تخريباً وتعذيباً، وإيلاماً، , دمار يزحف من قرية الى قرية أخرى  ومن حي الى حي آخر ولا يترك شيئا.إلا ويمعن فيه محواً، وتشويهاً، وإزالةً من الوجود، فضلاً عن كل ذلك  مايلم بباقي  الباقين على قيد الحياة، في  بيوتهم المدمرة   وفي سجونهم ينتظرون  الراحة الأبدية من خلال الموت ،  أو في خيمهم  في دول الجوار  ينتظرون   لقمة العيش من المحسنين , أو في الداخل عند الأقرباء والأصحاب  بدون   أي ايجابية أو أمل في الأفق  , وحتى من بقي في بيته  لم يسلم من الكارثة  , انه أيضا جائع   ينتظر  لقمة العيش من الأمم المتحدة , وحتى  هذه اللقمة لم تسلم  للأسف  من نهب الأسود.

ليس من  الغريب  أن يتهم  أحد الزبانية  المعارضة المسلحة وغير المسلحة   بالتسبب  في  الكارثة التي ألمت بالبشر والحجر السوري  ,  ولايمكن اطلاقا  القول على أن  اسلحة وقذائف هذه المعارضة لم تساهم  بتخريب البلاد وقتل العباد  , الا  أنه  من  المنطقي والضروري   السؤال   عن اسباب استخدام  الحرب للوصول الى  الأهداف  ,  وهنا يأتي سؤال آخر  حول أهداف كل من النظام  والمعارضة المسلحة  , فالنظام  يريد  الاستمرار  بنهجه المعروف  والمعارضة تريد  عكس ذلك  , النظام  يريد  استمرار الفساد والديكتاتورية  والطائفية واستمرار العبث بالعدالة الاجتماعية  ثم الاستمرار في القمع  واستعباد الناس  والتعذيب في السجون ..الخ , وليس من المهم مايدعيه النظام  حول الاصلاح والديموقراطية الغير مسبوقة   ثم  التعمير وغير ذلك  , المهم هي الأفعال  , والأفعال لهذه اللحظة  لاتوحي الا   بالاصرار على الاستمرار .

استعمال السلاح   والحرب  والقسر  من قبل النظام  للوصول الى ماذكر من أهداف  , هو  استعمال لا أخلاقي  , لأنه لاشرعية  لاستعمال السلاح من أجل استمرار الفساد والعبودية   , لذلك فان مادمرته السلطة وما قتلته من بشر  يجب تصنيفه في خانة الاجرام ,  والعكس  يجب  أن نراه في المعارضة  , التي تستعمل السلاح والحرب من أجل  الوصول الى أهداف سامية  ,  المعارضة تحارب من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية والديموقراطية  والشفافية  , لذا فان  حربها  شرعية  وسامية  وأخلاقية  , وتقييم  الأضرار الجانبية  بسبب حروب المعارضة  يجب  أن يكون له تقييم  يختلف عن تقييم  الأضرار  التي سببتها  حروب السلطة  ,هناك ظالم وهناك مظلوم  , والتمييز  بين الظالم والظلوم أمر ضروري وأخلاقي .

عودة الى طاغوط كامبوديا   ومقارنته بطاغوت سوريا , فمن الواضح على أن عدد قتلى طاغية كامبوديا يفوق  عدد قتلى طاغية سوريا  , يقال على أن  بول بوت   مسؤول عن مقتل  أكثر من ٢,٥ مليون انسان , أي مايعادل  ٢٠٪ من سكان كامبوديا , الطاغية السوري  لم  ينجح لحد الآن بالوصول الى مستور  الطاغية الكامبودي , الا أنه في طريقه الى الوصول , والحرب لم تنته  لحد الآن , الشبه الأعظم هو في السجون  وتشابه الوسائل  المعتمدة في هذه السجون من قبل السجان ، ففي سجن س-21 في العاصمة الكمبودية  تواجد أكثر  من عشرين ألف معتقل، خلال السنوات الأربع من حكم الخمير الحمر (١٩٧٥-١٩٧٩)، بينهم الكثير من الاولاد والاطفال. وبحسب المعلومات، لم يبْقَ على قيد الحياة من كل هؤلاء إلا سبعة أشخاص، حيث أن المعتقلين كانوا يُرسلون تباعاً، إلى حيث تنتظرهم، من دون  أي محاكمة، مفارز الإعدام!,  وفي سجون المخابرات الجوية السورية   لاقى  حوالي ١١٠٠٠  مقتل سوري حتفه  بوسائل   تفوق وسائل النازية ضراوة  , والصور التي تم نشرها مؤخرا  تبرهن ذلك .

هناك فرق بين الديكتاتور الكمبودي والديكتاتوري السوري , فما فعله الكمبودي  كان  نتيجة للوثة نظرية بحته  كانت  شكلا من أشكال الاستيعاب المعكوس  والاجرامي  لنظرة شيوعية ستالينية ,هذا في حين ان السفاح السوري يمارس أعمال الإبادة الجماعية المرعبة،من أجل  سلطة عصابة من اللصوص والقَتَلَة مشروعها الوحيد هو المزيد من نهب قوت الشعب، والسطو على الثروة القومية، وإذلال ملايين المواطنات والمواطنين!, وكل ذلك  يجب أن  يستمر الى الأبد  , بينما لم يستمر  الطاغية الكامبودي الا اربعة سنوات,  وكان له أن يستمر لمدة أطول  لو ترك الشعب الكامبودي وحيدا في مواجهة بول بوت  , اذ أن الشعب الأعزل  لم يقتدر على  اسقاط مجرم مدجج بالسلاح  ,  ومن أسقطه  في النهاية كان التدخل الخارجي من قبل   الجيش الفيتنامي ,  وفي سوريا سيكون من الصعب اسقاط الطاغية دون تدخل خارجي  كاسح , وهذا التدخل  حتمي  , وسوف  لن  يسقط الأسد بدونه .

يروج البعض لحد الآن للتدخل الخارجي مثلا حسب المادة السابعة من ميثاق الأمم المتحدة , وتبريرهم لذلك  هو  ان التدخل الخارجي  سيترافق مع  أقل قدر من الدمار  وأقل عدد من القتلى ,  ومن  عارض التدخل الخارجي   في سنة الثورة الأولى   برر ذلك   بالخسائر البشرية  والمادية الضخمة  المتوقعة من ذلك  , قالوا  انظروا الى ليبيا  حيث سقط  ٥٠٠٠٠ قتيل  وانظروا الى الخراب  المادي , أما اليوم  فالأمر  تغير ولم  يعد هؤلاء يتحدثون عن ليبيا  , ذلك لأن الخسائر البشرية دون تدخل دولي كاسح  بلغت على الأقل خمسة أضعاف  الخسائر الليبية  , والخسائر المادية  بلغت أكثر من حوالي ٢٠ ضعفا من الخسائر الليبية , ولا توجد أي بوادر  القرب من النهاية ,  وفي النهاية سيحدث هذا التدخل  لأنه حقيقة لابديل له على الاطلاق  , ومن سيرغم المجتمع الدولي على التدخل   سيكون حجم الفاجعة  , مثلا عندما يبلغ عدد القتلى  حوالي  ٢٠٪ من عدد السكان  كما كان الحال في كمبوديا  أيام بول بوت , وحتى  تلك  النقطة  سيستمر بشار في الحكم  حتى اشعار آخر ، ولو على انقاض كامل سوريا ، وسيستمر  في القتل والإبادة والتدمير المنظَّم لكل اشكال الحضارة والحياة في بلد عمره آلاف السنين,وذلك بدعم  كثيف من  إيران الخامنئية، وروسيا بوتين، وحزب الله اللبناني، والنظام العراقي الطائفي.

هناك أسباب  وجيهة  للخشية  من أن  ينجح بشار الأسد  في رفع  عدد القتلى الى المستوى  الكمبودي , وذلك عندما  يفشل الشعب السوري  في اعادة  انتاج  شروط انتصار  ثورته  في مدى معقول  , وعندما يبلغ   عدد القتلى ذلك المستوى  سيصاب  الجميع بنوع من  اليأس  , الذي يفرض عليهم طوي صفحة الثورة   وتقبل الأسد على مضض  ثم  التحضير لجولة أخرى  آتية  لامحالة .

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *