بقلم:فايز سارة
اشتكى العالم طوال أكثر من عام مضى من الأنشطة الإرهابية، التي تقوم بها جماعات متطرفة متشددة، كان تنظيم القاعدة أبرز تعبيراتها، لكن أسماء أخرى ظهرت في قائمة تلك الجماعات بعضها اعتبر فرعاً من القاعدة مثل تنظيم الدولة الاسلامية في العراق، وآخر ظل بعيداً عنها، لكنه في الفكر والتنظيم والممارسة، كان مقارباً بل مماثلاً للقاعدة مثل حزب الله اللبناني، ومعظم تلك الجماعات، جرى تصنيفها في إطار المنظمات الإرهابية.
ولم تقتصر سياسة العالم في التعامل مع الارهاب على تحديد الجماعات المتطرفة والمتشددة، وإنما امتدت إلى الموقف من الدول. وفي هذا السياق تم في غضون العقد الماضي تصنيف خمس من دول العالم في قائمة الدول التي ترعى الإرهاب، وكانت القائمة تضم سوريا وايران وكوريا الشمالية إضافة الى السودان وكوبا، وكلها ذات سياسات وممارسات اقترنت بعلاقة قوية ونشطة مع منظمات إرهابية، ولعل الأبرز في علاقة السلطات السورية مع الجماعات الإرهابية في العراق ومنها تنظيم القاعدة، أما الأبرز بالنسبة لإيران فقد تجاوز علاقاتها مع نظام الأسد في دمشق الى علاقاتها البنيوية مع حزب الله اللبناني، وهو نقطة يتشارك النظامان السوري والايراني من خلالها في دعم الارهاب.
ورغم ما سعى إليه العالم في إطار الحرب على الإرهاب في نحو عقد ونصف من السنوات، فإن الانشطة الإرهابية تعاظمت وخاصة في السنوات الثلاث الماضية، التي شهدت ثورات شعبية في العديد من البلدان العربية، الامر الذي دفع أنظمة للانخراط في أعمال إرهابية مباشرة أو غير مباشر بدعم أعمال جماعات إرهابية والتشارك معها، او من خلال تنامي وانتشار الجماعات المتطرفة وتناسلها.
ان التطور الابرز في موضوع الارهاب ودعم الارهاب، اقترن في السنوات الاخيرة بنشاط شمل على نحو خاص الخط الواصل من ايران الى لبنان مروراً بكل من العراق وسوريا، حيث كان الميدان الاهم في ممارسة الارهاب، والبؤرة التي ينتشر منها الارهاب نحو المحيط والابعد منه، وقد تأسست هذه البؤرة على خلفية انطلاق الثورة في مواجهة نظام الاسد في ربيع العام 2011. اذ رد النظام على مطالب الحرية والعدالة والمساواة بالرصاص قتلاً وجرحاً وتشريداً، قبل ان يستدعي شركاءه الاقليميين للمساهمة في قتل السوريين وتشريدهم، وفتح حدود سوريا لتسلل عناصر القاعدة من مختلف البلدان، وتوليد جماعات ارهابية محلية بواسطة عناصر متطرفة كانت محتجزة في سجونه ومعتقلاته، وهو ما فعلته السلطات العراقية في سجن أبو غريب وغيره لاحقاً، وكان من نتيجته دفع مئات من عناصر وقيادات القاعدة واخواتها للتوجه الى سوريا بهدف جعلها القاعدة المركزية للارهاب العالمي.
لقد ادت محصلة تفاعلات الوضع السوري الى تبلور نسقين من النشاط الارهابي، نسق اول يمثله ارهاب الدولة يقوده نظام الاسد مدعوم بميليشيات حزب الله اللبناني وتنظيمات شيعية عراقية بينها كتائب ابو الفضل العباس، ويحظى هذا النسق بتأييد ودعم لوجستي من النظامين الايراني والعراقي ومساندة سياسية من روسيا ودول اخرى. فيما تبلور النسق الثاني من منظمات وجماعات متطرفة، تنتمي الى تنظيم القاعدة واخواتها، وبعض تلك التنظيمات تسللت، واعلنت من الناحية الصورية انخراطها في صف السوريين وكفاحهم ضد نظام الاسد، وان كانت ممارساتها تصب موضوعياً في خدمة استراتيجية نظام الاسد.
ان انخراط التيار الرئيس في المعارضة السورية وخاصة من الجيش الحر في مواجهة ارهاب النظام وحلفائه من المليشيات الطائفية، ترافق مع استقلاليته من الناحيتين السياسية والتنظيمية، وفي ممارساته عن جماعات التطرف ولا سيما تنظيم دولة العراق والشام «داعش» في فكرها وممارساتها، قبل ان ينخرط في صراع سياسي ومسلح مع تلك الجماعات وخاصة في شمال وشرق سوريا، كان التعبير الابرز عنه المعارك الاخيرة بين كتائب الجيش الحر وتحالفاته ضد «داعش»، وقد ادت الى دحر الاخيرة وحصارها في اماكن محددة.
واذا كانت تطورات الوضع السوري في بعض محتوياته ولا سيما الصراع بين الجيش الحر و«داعش»، لم تحسم الصراع لصالح الطرف الاول نتيجة عوامل متعددة بينها نقص السلاح والذخيرة، ومؤازرة النظام للجماعات المتطرفة في المعارك بين الطرفين، فان الوضع بات يتطلب ترتيباً جديداً في نسق الصراع، اولهما اطلاق موقف دولي يواجه ارهاب الدولة الذي يتابعه نظام الاسد، وتوفير سبل دعم عسكري للجيش الحر يعمل على الحد من قوة نظام الاسد والمليشيات الارهابية اللبنانية والعراقية، التي تقاتل معه، والثاني توفير ارادة دولية ودعم عسكري ومادي فعال للجيش الحر لمواجهة قوى وجماعات التطرف والتشدد.
ان خريطة الارهاب في سوريا، تشمل قوات ومرتزقة النظام وحلفائه من الميليشيات اللبنانية والعراقية، كما تشمل جماعات تطرف وتشدد وعصابات يقودها امراء حرب، وهي قوى تقف بسويات متفاوتة في وجه ثورة السوريين واهداف السوريين في الحرية والعدالة والمساواة، كما تحارب بصورة عملية قوات الجيش السوري الحر وتحالفاته من الناحيتين السياسية والعسكرية، الامر الذي يثقل على الاخيرين عبء الصراع، ويجعلهم اقل قدرة على حسم الصراع، ويجعلهم بحاجة الى دعم ومساندة قويتين في المستويين الاقليمي والدولي، لان الارهاب القائم في سوريا، يتجاوز في وظيفته حدود البلد الى المحيط الاقليمي والدولي، وبالتالي فان مواجهته تحتاج الى ما هو اكثر من الطاقة السورية، خاصة وان المعركة ليست معركة السوريين وحدهم، بل هي معركة عالمية، يمثل السوريون قوتها الرئيسية والمباشرة.