حجر في بركة الماء الراكد

بقلم :وليد البني

لقد قام بعض الشباب بفتح صفحة تدعو لترشيح الشيخ معاذ الخطيب  لرئاسة الجمهورية، بديلا لبشار الأسد، وبغض النظر عن واقعية الطرح، وامكانية تحققه فعلا، في دستور وضع خصيصا ليناسب ترشيح الطاغية، وعدد من الذين سيختارهم مجلس الدمى السوري اذ يتطلب الترشيح موافقة ثلاثين عضو في المجلس المذكور. وبالرغم من توضيحات القائمين على الدعوى ثم توضيحات  الأخ معاذ نفسه بأن الترشيح ليس في مواجهة انتخابية مع الطاغية، ولا تحت رعاية نظامه.

وبالرغم من أن الدعوة إفتراضية غير قابلة للتطبيق أصلا، إلا أن عشرات الآلاف  ابدوا دعمهم للحملة، ومئات المعارضين شنوا هجوما كاسحا على معاذ وعلى الداعين لترشيحه. انا شخصيا لم أشعر بالغيظ مما جرى ولا أراه ضارا، بل هو فرصة لقراءة النتائج بهدوء واستقراء ما قد يكون رغبة السوريين فعلا، الذين لم يفوضوا أحدا ولا حتى أولئك الذين يصفون انفسهم ليل نهار كممثلين وحيدين للشعب السوري والذين فاوضوا بإسمه ويتحدثون بإسمه منذ ثلاث سنوات.
اكثر من ثمانين الف سوري تفاعلوا مع الدعوة وأيدوها، لماذا ياترى، ولماذا لم تجد صفحات أخرى دعت لأشخاص آخرين نفس الحماس. لنحاول قراءة الواقع بعيدا عن الرغبات الخاصة أو الإملاءات الإقليمية والدولية، ولنضع بعض الأسئلة ولنحاول الإجابة عليها.
١-السؤال الأول لماذا حظي معاذ الخطيب بشعبية كبيرة لدى السوريين بالرغم من إعترافه انه ليس سياسيا، وانه لا يجيد ولا يريد ان يجيد العاب السياسيين.
٢- السؤال الثاني ما معنى ان يتجاوب عشرات الآلاف  وفي مدة قصيرة مع الدعوة بالرغم من بدائيتها وعدم وضوحها( وهنا انا أصدق الأخ معاذ انه لم يطلقها هو ولم يخطط لها وإنما تفاجأ بها)
٣- ما سر هذا الهجوم القاسي على الدعوة وعلى معاذ معا من قبل معظم معارضي الصف الأول أو المتحدثين بإسمهم، وبالمناسبة هذا يشمل الإتجاهات الدينية المتطرفة إضافة للكثير من القوى المعتدلة والعلمانية.  
٤- هل كان هذا الحجر الذي أُلقي في بركة الحياة السياسية الراكدة منذ فشل جنيف٢ وانخفاض صخب المراهنين عليه ، مفيدا في التحفيز على البحث عن حلول أخرى توقف دمار سورية وتنهي نظام الفساد والقتل،
سأحاول ايجاد أجوبة لهذه الأسئلة بالرغم من صعوبتها، بحسب قرائتي لمجريات الثورة السورية، التي يكثر في أجوائها الضباب لدرجة تجعل من الصعوبة رؤية المشهد بالوضوح الكافي لإطلاق أحكام مكتفيا بإعتبارها اراء قابلة للخطأ بنفس قدر قابليتها للصواب.
أنا آعتقد أن أحد أسباب شعبية الشيخ معاذ هو تصريحه الواضح انه ليس سياسيا، فبعد أن مل السوريون حرتقات السياسيين وسعيهم نحو وجاهة زائفة بأي ثمن مما جعل إمكانية مصادرة قرارهم من قبل الممول والداعم واضحة للجميع، بينما اظهرت تصريحات معاذ العفوية والصريحة جدا أحيانا انه بعيد جدا عن هذا السلوك. وأنه تصرف بعاطفة صادقة هي أكثر ما يحتاجه شعب مكلوم كالشعب السوري.
أما ان يتجاوب عشرات آلاف السوريين  وخلال مدة قصيرة مع هذه الدعوة  فهو دليل على فراغ الساحة السياسية السورية من شخصيات كارزمية توحي  بالثقة لمعظم السوريين، بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية او الدينية أو السياسية، حيث وجدوا في الخطيب شخصا عفويا يستطيع ان يخاطب قلوبهم الدامية، شخصا يفضل حقن دمائهم جميعا ويعبر عن ذلك بعيدا عن الحسابات السياسية أو الشخصية، وهم يعون تماما انه لو اأراد البقاء على رأس الإئتلاف بأي ثمن لما عجز عن ذلك.
أما الشيء الأصعب على الفهم فهو الهجوم القاسي من قبل من بعض المعارضين أو المتحدثين بإسمهم والذي تجاوز عملية النقد المشروع الى التخوين والإتهام بالتنسيق مع نظام الأسد أو مع نظام الملالي في ايران، وهذا دليل على ما تعانيه الطبقة السياسية السورية من  عدم نضج يجعل بعض ردود الأفعال على مثل هكذا دعوات توحي وكأن هناك من يريد ان يسلب أصحابها شيئا لا يستحقه غيرهم، وللإنصاف كان هناك الكثير من النقد الواقعي والمحق أحيانا ولكنه أقل بكثير من ردود الفعل المخونة والمشككة. وكنت اتمنى على البعض ان يطرح نفسه بطريقة مماثلة لنرى مدى تنوع الرأي العام بنظرته الى الشخصيات العامة السورية.
انا أرى ان من قام بهذه الدعوة قد حرك فعلا العقل السياسي السوري للبحث عن بدائل أخرى بعد فشل جنيف٢ ، وتخاذل المجتمع الدولي تجاه جرائم النظام، وهل من المفيد البدء بالقيام بدراسات ومبادرات سورية سورية قادرة على تجاوز العجز الدولي، وجمع شمل السوريين حول مبدئين أساسيين،  الأول ليس لأي سوري مصلحة بإستمرار نظام مارس كل هذه الدموية والإجرام ضد السوريين، بغض النظر إن كانوا من ضحاياه المباشرين أم لا. والثاني ليس لأي سوري مصلحة بإستمرار القتل والتدمير أو تفتت سوريا وتحولها الى أمارات تحارب بعضها الى ما لانهاية ( مقسمة بين حالش وداعش) ، أو وقوعها بيد التطرف الداعشي وأشباهه والذي سيخرج سوريا خارج الحضارة والتاريخ.
هل سيستطيع السوريون ان يجدوا حلا لهذه المعادلة؟؟ .

رغم كل ما جرى أنا مؤمن أن العقل السوري الخلاق لن يعجز عن ذلك

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *