للمشكلة السورية العديد من الوجوه , وأحد هذه الوجوه هو سوء أو عدم صحة تقديرات من بيدهم المقدرات , وهذا ماحدث في شهر آذار من عام ٢٠١١ , فقد تصلب الأسد وزمجر وأعلنها حربا باالبندقية والمدفع , داعيا من يريد الحرب الى المنازلة , بعد آذار وخاصة بعد حزيران أو تموز من نفس العام بدأت الحرب بعد أن تمكن الأسد قبل ذلك من ترهيب المعارضة السلمية بطرقه المعروفة التي منها السجن والاعتقال والتعذيب واطلاق النار على المتظاهرين ’, وبذلك تمكن الأسد من شيئين , الأول هو افراغ المعارضة المسالمة المدنية من الفاعلية , والثاني هو زيادة رقعة المعارضة شعبيا لأن الشعب لم يستحب تلك المعاملة البربرية التي مارسها الأسد .
لم يشعر الأسد بالامتعاض الشعبي ولم يستوعبه ولم يدركه منطلقا من الطيشنة الحربية ومن انتصارات عسكره على المتاظاهرين العزل , لقد ظن على أن الموضوع انتهى , وهذا الظن كان عبارة عن أحد أسوء تقديراته وأكثرها اضرارا بالبلاد , ولأذكر بعبارة بثينة شعبان المشهورة “خلصت” , وفي الواقع “بدأت ” , لقد بدأت الحرب الأهلية الساخنة بأول رصاصة أطلقها النظام على متظاهر , وهذه الحرب الساخنة تعتبر امتدادا لحرب أهلية باردة ومستمرة منذ عام ١٩٦٣ أو ١٩٧٠ , وهذه الحرب الأهلية الباردة هي التي وضعت الأساس للحرب الساخنة , وظن الأسد أبا وولد على أنها ستدوم لغير الخالق كان ظنا قاتلا , وبدلا من أن يطور الابن توحش أسدية والده باتجاه يخفف من الحنق والاحتقان الشعبي , حول الشاب نفسه الى صورة سيئة من والده , ثم حول الابن نفسه الى مشكلة البلاد بينما كان مطلوبا منه أن يكون حلا لمشاكل البلاد ,
بعد أن طفشت المعارضة المسالمة الى الكثير من ارجاء المعمورة هرب المثقفون والفنانون واساتذة الجامعات وكل من لايقبل حمل البندقية واطلاق الرصاص , ومن الجيش انشق كل ماهو غير علوي , وبالتالي أصبح الجيش جيش “طائفة” , أطلت علينا الذقون والعمامات وتشكلت جبهة النصرة وداعش وغيرهم من مجاهدي الطائفة الأخرى , وتحولت الاشكالية الى اشكالية بين العلوي والسني , بعد ذلك وبعد ان اتضحت معالم التطور المعيب لم يزداد في الأسد الا غبائه ,الذي تمثل في سوء تقديره لقوة الجهاديين الذين امتصوا الزيادة في الرقعة الشعبية المعارضة , تلك الزيادة التي تقبل حمل السلاح وتقبل منازلة الأسدية حربيا , طبعا بمساعدة خارجية , والمساعدة الخارجية هي أمر أكثر من منطقي واقعي , اذ لايوجد حراك في العالم دون تدخل من الخارج , نال الجهاديون الكثير من المساعدة , وفي المقابل نالت الأسدية الكثير من المساعدة الغريبة ..ايران ..حزب الله ..روسيا ..الخ , الى أن وصلت البلاد المعروفة ” بالفسيفساء ” شعبيا الى الخراب الكامل حجرا وبشرا , وبالرغم من ذلك لم يتعظ الأسد ولم يفهم دروس التاريخ ولم ينظر الى العراق نظرة محايدة تأملية , ومن ينظر الى العراق يصل الى النتيجة الصدمة ألا وهي تمكن الجهاديون من هزيمة ١٥٠٠٠٠ جندي أمريكي اضافة الى القوى العراقية واضافة الى مساعدة أمريكا من قبل العديد من الدول الأخرى كفرنسا واستراليا وغيرهم , الجهاديون هزموا الجميع , والأسد يريد الانتصار على الجهاديين بجيش أبو شحاطة .
لقد خلق الأسد في سوريا “قطبا” جهاديا لم يكن له أن يولد في البلاد , لقد خلق الأسد بسوء تقديراته وسوء ادارته عاملا لايستحق أن يصبح عاملا مقررا لمستقبل بلاد الفسيفساء , أي أنه عمليا يجب التعامل آنيا ومستقبلا , ان بقي الأسد أم رحل , مع النصرة وهدفها في انشاء دولة اسلامية , وحتى ان توصلت النصرة الى ربع ماتريده لايعني لمكونات الفسيفساء الأخرى الا الهجرة , وقد هاجر الكثير والحبل على الجرار , ولو تثنى لحوالي ٩ ملاين نازح ولاجئ أن يهاجروا لهاجروا وتركو سوريا للأسد وعائلته , ولو تثنى للملاين الأخرى الجائعة والمسجونة والمعذبة أن تهاجر لهاجرت فورا , لقد فقد الانسان السوري خاصة “المواطنة” اذ لم تعد سوريا الأسد وطنا لأحد غير الأسد .
تنخرت البلاد وبدأت بالاندثار قبل نصف قرن , وتزايد مع السنين التنخر والانثار وتهدمت البيوت ومات الأطفال قصفا وجوعا واختناقا تحت الأنقاض وبالغاز , ولم تدرك الأسدية أي ضلال في مسلكيتها , تحولت البلاد الى ساحة حرب بين داعش وحالش , ولم تدرك الأسدية أي خلل في سياستها , , وأعظم أشكال الهذيان الفكريكمن في تقييم تطورات الحرب الحالية , حيث يظن الاسد على أنه سينتصر , وكيف سينتصر وبماذا , واذا افترضنا على أنه انتصر بعونه تعالى وعون المهدي , فهل يعني ذلك الاستقرار ؟ .
لا استقرار بالانتصار , وأصلا لا امكانية للانتصار , وهل انتصر المالكي على شيئ في العراق الا على المدنيين العزل ومنهم يموت في العراق يوميا العشرات أو المئات قتلا بالمتفجرات , الانتصار الأسدي لايعني الا تحويل البلاد من حرب جبهات الى حروب بالمتفجرات في كل الجهات , في كل جهةأو ناحية أو قرية أو حي سيكون هناك من يفجر وينفجر .. سوريا تسير في الطريق من العراق الى صوماليا , انتهت البلاد الى الأبد من أجل الأسد أو لا احد !