قبل سنوات، كنت في منطقة القشلة الدمشقية! فجأة، اندلع شجار بين رجل يهودي وبعض من غير اليهود. كان اليهودي يصيح: ” اتركونا نذهب إلى بلادنا!! ” وكان يقصد بذلك إسرائيل أو فلسطين، التي يعتبرها وطنه الأم الذي لا بديل عنه. وتركوا اليهود يذهبون إلى بلادهم، وكانت المصادفة الأسوأ حظاً بحق سوريا والسوريين هي أنه وقت هجرة اليهود إلى إسرائيل، ظهرت في سوريا كارثة غريبة على الثقافة السورية الحقيقية، اسمها حماس خالد مشعل. وفي حين كان يهود سوريا ينشرون الجمال والرفاه الاقتصادي والحب حيثما حلوا، جاءتنا حماس بثقافة النقاب والحجاب ومن ثم مدرسة الهاون والنفق
حين جاء يوسف القرضاوي، أشهر مفتيي الإجرام في العصر الحديث، إلى سوريا وفرشوا له البساط الأحمر؛ كتبت مقالة بعنوان ” يوسي أم يوسف “؛ قارنت فيها بين الإسرائيلي الديمقراطي الإنساني، يوسي بيلين، وبين الأخواني القاتل، يوسف القرضاوي: فانزعجوا! وعندما أجريت عام 2007 مقابلة مع صحيفة ” الراية ” القطرية طالبت فيها بطرد حماس من سوريا لأنها جزء من مشروع دكتاتوري إرهابي اسمه ” حركة الإخوان المسلمين “، قامت دنيا الأمن علي ولم تقعد! الآن عرف الجميع معنى أن تكون إخوانياً أو حماسياً! الآن عرف الجميع أن مشاريع الأخوان ضد الإنسانية وضد الأخلاق وضد الديمقراطية
اليهودي يمتلك جذوراً وانتماء!! نعم!! هو يعتقد أن جذوره ليست في سوريا بل في فلسطين، لكنه يمتلك هذا الحس بأنه ابن لثقافة محددة زماناً ومكاناً؛ وهو يسعى للهجرة إليها، أعجبنا ذلك أم لم يعجبنا. اليهودي في سوريا كان مشروعاً اقتصادياً ناجحاً جداً؛ لذلك فهو لم يهاجر بحثاً عن فرصة عيش، بل من أجل أن يعود إلى ما يعتقد أنه جذوره
سألت شاباً من منطقة الجزيرة السورية عن السريان والآشوريين [ الآسوريين ] في الحسكة والقامشلي بعد الأحداث! أجاب: كل من استطاع الهجرة، هاجر! لقد فرغت الجزيرة من السريان والآسوريين الذين أعطوا سوريا اسمها! صاروا في السويد. وصعب جداً أن يصبح اسم السويد سوريانا! وكما قلت مرة للبطريرك زكا، فالسريان والاسوريين في السويد لا يعودون سرياناً ولا مسيحيين: ثقافة السويد التقدمية الإنسانية العظيمة قادرة على استيعاب أقدم الحضارات وأعتاها
بالمقابل، فالكرد الذين قدم معظمهم إلى الجزيرة السورية من تركيا، يدافعون باستماتة عن وطنهم السوري. الكرد، الغرباء افتراضاً عن وطن السريان، يقاتلون بصمود عز نظيره دفاعاً عن وطن السريان وحضارة السريان في وجه الجراد الأعرابي الوهابي
كان باستطاعة الكرد أن يهاجروا جماعياً عبر فيش خابور إلى إربيل والسليمانية؛ وأن يتركوا الشقا لمن بقى؛ كان باستطاعة الكرد أن يسلّموا مفاتيح بيوتهم في الحسكة والقامشلي لجبهة النصرة، كما فعل كثير من السريان والآسوريين، وأن يحوّلوا اسم المنطقة إلى نصرةستان! وهم الذين لا يبعدون عن دهوك أكثر من عرض دجلة! لكنهم اختاروا الصمود وقتال أسراب الجراد الصحراوي بصمود ترفع له القبعة. وأن يفشلوا المشروع السعودي في الصميم
للأسف الشديد، ومن تجارب خاصة مررت بها في السنوات الأخيرة، المسيحي السوري عموماً يشعر أنه غير معني بالوطن؛ أنه ضيف على سوريا؛ وأنه ينتمي أصلاً لحضارة أخرى في الغرب يعتقد واهماً أنها مسيحية!! وحين يهاجر إليها يكتشف أنه يعامل كالمسلم القادم من بلاد الظلام والقهر؛ فحضارة الغرب علمانية قطعت علاقتها بماض مسيحي مريع، حارب فيه الإنسان الإنسان تحت رايات محاكم التفتيش وسلطة الكثلكة
إذا كان اليهودي السوري لا يمتلك جذوراً في سوريا، فهو يشعر أنه سنديانة عتيقة على أبواب القدس؛ لكن المسيحي السوري عموماً لا يشبه غير زهور البنفسج: جميلة لكنها بلا جذور! المسيحي السوري عموماً لا يزرع الزيتون