الدساتير الأسدية ومكانها من الانحطاط

بقلم :عبدو قطريب

هدفي ليس التشهير  بالأسدية  التي  تحكم البلاد منذ عام ١٩٦٣ , وانما استعراض الواقع , وهذا الاستعراض سيبرهن , على أن الثورة السورية الدامية   لم تأت من الفراغ  أولا , ثم انه لانتكاصاتها التوحشية  أسباب , فهي لم تندلع ولعا بممارسة التوحش , وممارسة التوحش ليس الهدف من  اندلاع الثورة , هناك واقع  مؤلم  ومستمر منذ عام ١٩٦٣. وبشكل موجز , عندما تقر السلطة بوجود حاجة للاصلاح السياسي, فهذا يعني  عمليا  وجود فساد سياسي , والأمر ذاته ينطبق على  القضاء والاقتصاد  ..الخ . 

لايمكن التعامل مع الفساد كمرض طارئ  تتم معالجته ببعض الجرعات , فالجرعات لاتفيد  لطالما هناك  انتاج وفير من مادة الفساد , الجرعات تفيد فقط  الطبيب الذي  وصفها للمريض , وسياسة التخدير   وبرطلة الشعب  معروفة عند كل الديكتاتوريات  , التي تريد شيئا واحدا  وهو  الاستمرار  في السيطرة على البلاد , والديكتاتورية لايمكن أن تتنازل عن شيئ جوهري , ولا تتنازل عن أي شيئ  تظن على أنه ضروري لبقائها .

عندما يطالب الشعب بالغاء حالة الطوارئ  , وتقول السلطة على أنها استجابت  لمطالب الشعب , يجوز أن نسأل عن معنى  ايقاف العمل  بحالة الطوارئ  دون أي تغيير في الدساتير التي  استخدمتها حالة الطوارئ في قمع الانسان ,  الاستجابة الهزيلة المزيفة  لمطالب الشعب لاتستقيم مع  بقاء  الدساتير  , ولا تستقيم مع  استصدار دساتير أخرى كدساتير مكافحة الارهاب  , التي ليس لها من مهمة الا ممارسة الارهاب .

التطور التراجعي لحضارية القوانين السورية  تحت السلطة الأسدية , دفعت المواطن  للشعور بالحنين  تجاه قوانين ودساتير  تنتمي الى مرحلة بعد الاستقلال , فدساتير مابعد الاستقلال  انطلقت  من  اتجاه ليبرالي  اعتبر الدولة جهاز هدفه حماية الأفراد وضمان حرياتهم  التي تنتهي عند بدء حرية الآخر (روزا لوكسمبورج), وفي هذا الاطار كان للدولة شخصيتها   ولكل من رجال الدولة شخصيته  , وعمله كان  تطوير  شخصية الدولة   , وليس استلاب الدولة  وشخصنتها  وتحويلها الى تابع له .

بعد عام ١٩٦٣ تغير الوضع بشكل أساسي , الدولة تحولت  الى  خادم للشخص  , بينما العكس هو الصحيح  , وقد كان على دساتير الدولة أن تفصل وتقاس على قامة  الديكتاتور , هناك دستور لحافظ الأسد , ودستور لبشار الأسد , وقد لوى حافظ الأسد رقبة الدولة باستصدار أو الاعلان عن دساتير  تناسب شخصه أولا , فبعد محاولة اغتياله  من قبل الاخوان المسلمين صدر   القانون رقم ٤٩  من عام ١٩٨٠  , الذي ينص على انزال عقوبة الاعدام  لمجرد الانتماء الفكري لجماعة الاخوان المسلمين , ولتنفيذ الاعدام تكفي شهادة شاهدين   للبرهنة عن هذا النتماء , والعدام لايشترط أن يقوم الاخونجي بأي عمل  مخل بالقانون , يكفي الانتماء  “الفكري”  وتطبيق هذا ابقانون اليوم  يصل  أكثر من ثلث الشعب السوري الى المشنقة ..كل ذلك لأن  اخونجي هدد حياة حافظ الأسد .  الكارثة الأعظم كانت باستصدار المرسوم رقم ٦ من عام ١٩٦٤ , وهذا المرسوم الرئاسي  يجرم من يناهض  أهداف  ثورة الثامن من آذار, فمن يناهض أهداف ثورة الثامن من آذار يعاقب بعقوبة تصل الى الاعدام .لتعطيل القضاء  والطاحة باستقلاليته  أصدرت الأسدية المراسيم , فالمرسوم ٢٤ من عام ١٩٦٦نص على  تكوين مجلس قضاء أعلى  ورئيس هذا المجلس هو رئيس الجمهورية  ونائبه هو وزير العدل  وعضوية هذا الملجس  تألفت من ستة أشخاص , منهم ثلاثة من وزارة العدل , وهذا ما أمن أغلبية للسلطة  وسمح لها بالتحكم  بشؤون القضاء  وبالتالي  قتل استقلالية القضاء , ونتائج ذلك نراها اليوم , لاقضاء  ولا قضاة في سوريا , التي أصبحت دولة اللاقانون  , أي دولة العصابات .

لم تكن المحاكم الاستثنائية يوما ما  شرعية , لأن وجود هذه المحاكم يتناقض مع الاعلان العالمي لحقوق الانسان  ومع أبسط مبادئ المواطنية , وبالرغم من ذلك صدر المرسوم رقم  ١٠٩ من عام  ١٩٦٨  الذي ينص على انشاء هذه  المحاكم ذات الأحكام القطعية  , حيث لايمكن استئناف الحكم , ولا يسمح بوجود محامين للدفاع عن المتهم ,  صدرت  عشرات الألوف من الأحكام  العرفية  الاجرامية من قبل هذه المحاكم الميدانية  , مما ساهم ليس فقط في شل القضاء , وانما فيي تحويل القضاء الى مؤسسة تمارس الاجرام , وهل هناك  والحالة كذلك أمام المواطن الا الثورة ؟؟.

للاجهاز التام عى القضاء  صدرت المراسيم المناسبة , منها  المرسوم رقم  ١٤  من عام ١٩٦٩ ,وذلك لاحداث  المخابرات العامة , التي تصرفت  حسب نزوات القييمين عليها , يعتقلون   حسب نزواتهم  ويعذبون حسب نزواتهم   ويسرقون  أموال الغير حسب نزواتهم  ,ولديهم الحصانة الكاملة ضد الملاحقة القانونية , حثالة المجتمع  تجلس فوق القانون , ومستقبل دولة يبنى بهذا الشكل هو الانقراض , وهاهي سوريا تنقرض .

كل فعل يقصد منه  عرقلة حزب البعث  في قيامه بواجباته التي ينص عليها الدستور (الحزب قائد للدولة والمجتمع),  يعاقب  مرتكبه حسب القانون ٥٢ من عام ١٩٧٩ بالاعدام , وعلى مايبدوا  فان اعدام انسان سوري  ليس بتلك الأهمية  , فأبسط الأخطاء تقود الى المشنقة , وقد يقول البعض  , على أنه لاتوجد في سوريا اعدامات بالشكل الذي توحي به الدساتير والقوانين والمراسيم ,  رسميا  لايوجد العددالمتوقع منالاعدامات , واقعيا توجد   اعدامات أكثر من المتوقع , انها السجون  التي  تنتج يوميا عشرات  القتلى تحت التعذيب  , القتل  تحت التعذيب هو حكم بالاعدام  دون محاكمة  , هذه هي سوريا  الأسد  آخر معاقل العلمانية في الشرق .

الحديث عن  دساتير ومراسيم وقوانين الانحطاط   أطول بكثير مما ذكر باختصار شديد , الهدف كان تقديم عينة  من المواد الدستورية   , التي قادت الى الوضع الذي نحن به الآن ,  مشكلة الوضع القانوني التشريعي الأعظم تكمن في عدم   امتلاك هذا القانون لأي  آلية  للاصلاح الذاتي , الكل متعلق بالرئيس  , الذي لاينافسه على  حجم صلاحياته حتى  القيصر بوكاسا ,  وحتى صلاحيات الرئيس الكوري الشمالي  أقل من صلاحيات الأسد , الأسد يستطيع الاعتراض على القوانين اللتي يصدرها مجلس الشعب , الأسد  يملك حق اعداد مشاريع القوانين  , وله الحق في حل مجلس الشعب  , والحق في تعيين رئيس الوزراء  والوزراء   ونوابهم , والأسد هو رئيس السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية , حتى أنه رئيس السلطة الرابعة , ولطالما الأمر متعلق بشخص واحد  وبنزواته ومصالحة فسوف لن تقوم  للبلاد قائمة , 

سوريا يجب أن تتجدد كليا أو انها ستنقرض !

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *