بقلم :جورج بنا
لا أستطيع التنكر لافتتاني بما يفصح عنه السيد بشار الأسد , ليس لصحته أو خطئه وانما لغرابته وبعده عن الواقع ولندرة هذا النوع من التفكير , لذا قمت باستحضار احتفال الأسد بالذكرى الخمسين لصدور جريدة الثورة السورية , واقعيالا أظن على أن بشار الأسد ارادالاحتفال بعيد الميلاد الخمسيني للجريدة , الأسد اراد استغلال الحدث التافه ليعيد بتفاهة مماثلة ماقاله حول الحالة السورية وتطوراتها في الثلاثين شهرا الأخيرة عدة مرات , الجريد طرحت أسئلة والأسد أجاب عليها .
أول الأسئلة كان حول عدم امكانية سوريا استيعاب ابنائها وما الذي حصل حتى وصلنا الى هذه النتيجة? , وجواب الأسد لم يكن على السؤال المطروح , بدأ باستعراض التاريخ ووصل الى نتيجة مفادها ان الأمر “مؤامرة” , نتيجة ببغائية يريد الأسد ترسيخها في الأذهان عن طريق الاعادة والتكرار الغبي ..كونية هي حروبه يناضل ضد مئات من الدول العظمى والأقل عظمة , ويسجل الانتصار تلو الآخر, ثم ان الأسد لم يلاحظ وهو يلغط غرابة انعكاس انتصاراته على وضع الشعب السوري , وان الانتصار لايمكن أن يعني تهجير الملايين وقتل مئات الأوف وتهديم البلاد, التي تبدومهزومة , وعندما ينفذ الأسد ماتريده هذه المؤامرة الافتراضية , فهل يعقل على أنه انتصر عليها؟.
الجواب انفصامي واستعراضي ولا علاقة له بموضوع الاستيعاب والحالة التي وصلت اليها البلاد , انتصارات الأسد تتناسب طرديا مع ا نهزامات الشعب السوري , قوة الأسد الزائفة وانتفاخه تتناسب طرديا مع ضعف وفقر الشعب السوري, الأسد لايريد القول على أن وجوده هو سبب الحالة التي وصلت اليها البلاد ,ولا يعرف أصلا ماذا حدث وهول ماحدث , انه لايدرك كل هذه الأمور المعقدة نسبيا ,ولا يستوعب عقليا حجم الكارثة التي سببها للبلاد .
لماذا وصف الأسد مايجري في سوريا على أنه ليس ثورة , كان السؤال الثاني ,والجواب على السؤال الثاني تميز بغرابة أعظم , متحدثا عن علم الثورات ومصنفا الثورة الروسية والفرنسية والايرانية بمصنف الثورات الحقيقية , لأن هذه الثورات”داخلية” ولا علاقة لها بالخارج من قريب ولا من بعيد .
لقد أفلح مربي الأسد اللواء الدكتور بهجت سليمان بتدريب تلميذه بشار على عدم الاكتراث عند رؤيته للدماء ( اعتراف بهجت سليمان ) , الا أنه لم يزوده بمعارف من التاريخ , ولم يقل له على أن تصنيفه للثورات على أنها داخلية حقيقية وخارجية كاذبة هو تصنيف لاعلمي وجاهل اضافة الى ذلك , اذ لاتوجد ثورة داخلية دون ان ان يكون لها علاقة مع الخارج, وأصلا لاوجود لتعبير “ثورة خارجية ” , واذا استسلمنا لقصور الأسد اللغوي بما يخص الثورة “الخارجية ” , فالتاريخ لايعرف “ثورة ” خارجية مستقلة عن الداخل , انها “غزوة” وليست ثورة , والثورة أصلا لاتعرف الا من خلال أسبابها , ماحدث في فرنسا كان “ثورة” لوجود اسباب لها , وليس لأن من رجالها اشخاص كدانتون أو مارا أو روبيسبيير , انهم قتلة ولا يمكن تقييم الثورة وضرورتها وأحقيتها من خلالهم , ولا معنى لثورة هؤلاء القتلة بدون فساد الملك وزوجته والكنيسة والاقطاع , وما حدث في روسيا ثورة لأنه لها اسباب تتعلق بالفساد والظلم الاجتماعي ,وليس لأن تورتسكي أوستالين من رجالاتها ,وما حدث في سوريا هو ثورة , لأن الظلم والفساد والنهب وسوء الادارة والطائفية والعنصرية وانعدام الحرية والديموقراطية ..الخ, بلغ مستويات تاريخية وأحداث سوريا تبعا لذلك هي ثورية أكثر من ثورية الثورة الفرنسية والثورة الروسية, ولا يضيم الثورة السورية كون أبو البنات الشياشاي يحارب عدو الثورة بشار الأسد , فللشيشاني اسباب لحربه , وللثورة أسباب أخرى , ولا يجوز المزج بين الشيشاني وبرهان غليون أو صبرا أو غيرهم, كما أنه لايجوز المزج بين روسو ودانتون ,فكلاهما ضد الملك ولكل منهم أسبابه.
في هذا السياق اعلن الأسد على أنه لاثورة في سوريا الا ثورة الثامن من آذار , وفي هذه المقاربة بلغ الأسد في غبائه وغيابه عن الواقع درجة عظمى , أصلا لايستحق هذا الهراء أي تعليق ؟, وهل البرهنة على أن الثامن من آذار هو عبارةعن انقلاب بربري لعسكر أكثر بربرية ضرورية ,وأي قاموس أو ناموس يصنف انقلابات العسكر بمصنف الثورات , وأين هي التظاهرات والاحتجاجات التي سبقت الانقلاب؟؟؟ وهل طالب الشعب الذي لم يسمع بالثامن من آذار الا يوم التاسع من آذار عن طريق المذياع والبلاغ رقم واحد بما انجزه هذا الثامن من آذار ؟ وما هي انجازات الثامن من آذار ؟
بعض التفاصيل عن “الثورة” المجيدة في الثامن من آذار مفيدة , لقد اراد الانقلابيون أن يكون الثامن من آذار ثورة دائمة والأسد الابن يريد ذلك , وذلك بالرغم من رفض المنطق لكل هذه التهريجات , فالثامن من آذار قضى على الانجازات السورية الوليدة بعد الاستقلال من انتخابات الى حياة ديموقراطية الى تعددية والتي تستحق كل تقدير واحترام وتقييم ايجابي , وأول انجازات الثامن من آذار كانت تصفية الجناح الناصري من العسكر , ثم تنصيب البعث قائدا للدولة والمجتمع دستوريا من خلال المادة الثامنة ,, ومن انجازات الثامن من آذار الأخرى كانت حالة الطوارئ التي تحولت الى “قانون” الطوارئ(في الدستور) , الذي بلغ من العمر أكثر من أربعين عاما , والبشرية لاتعرف قانونا للطوارئ بمثل هذا العمر وبمثل هذه الديمومة , وما ايقاف العمل بقانون الطوارئ مؤخرا الى تهريجية سقيمة , حيث تم شكليا استبدال قانون الطوارئ بقوانين الارهاب , عمليا لايزال قون الطوارئ ساري المفعول , واضافة اليه اتت قوانين الارهاب , وكل ذلك لايمثل الا السلبيات .
لقد أسست التصفيات التي حدثت بعد الثامن من آذار لنشوة الطائفية التي تدمر البلاد حاليا , حيث كانت الطائفية الأساس لهذه التصفيات , التي مرت بمراحل متعددة , الأمروصل الى هيمنة كاملة للطائفة العلوية , والى هيمنة عائلة الأسد الكاملة على هذه الطائفة ,والطائفية التي مررها الحزب تلبية لرغبة الأسد لم تدمر البلاد فقط , وانما دمرت الحزب نفسه , وهل يوجد الآن حزب للبعث ؟؟ والانفجار الثوري السوري عام ٢٠١١ له علاقة مباشرة بالتطورات التي حدثت بعد عام ١٩٦٣ , لذا يمكن القول على أن الثامن من آذا هو الذي خرب سوريا وقتل شعبها , والثامن من آذار هو الذي أسس للعنف والغى الحريات ولو ينجز ديموقلراطيا أي شيئ وجعل من الفساد دستورا للبلاد.
البعث يقول في تمجديد للثامن من آذار على أن هذا الثامن من آذار حقق أهداف الشعب في الوحدة والحرية والاشتراكية , وهل أصبت بالعمى ؟ لأني لا أر وحدة , ولا أر حرية , ولا اشتراكية في البلاد التي تحاكم المواطن وتحكم عليه بالسجن والأشغال الشاقة والتجريد من الحقوق المدنية , اذا شعرت السلطة بأن هذا المواطن لايتبنى أهداف الثامن من آذار , والسلطة تشعر بذلك بعد أي نشاط معاكس , يكفي القول على أن ثورة الثامن من آذار لم توصل البلاد الى الأهداف التي اعلنتها , من يقول ذلك يسجن عشر سنوات مع الأشغال الشاقة ويتم تجريده من الحقوق المدنية , ومن لايصدق ذلك عليه بسؤال بسام القاضي .
لقد اعتقل الأسد الثورة السلمية الشعبية طوال الأشهر الستة الأولى وقتل مايقارب عن ٩٠٠٠ مواطن سوري برصاص شبيحته , ثم ارغم االثورة على التحول الى الشكل المسلح , وابتدع قصص المندسين وقصص المؤامرة , وقصص الحرب الكونية , وبعسكرته لطيف من أطياف الثورة أتى الأسد بالقاععدة وفروعها التي منها داعش والنصرة , فلولا توحش الأسد لما أتت قوافل الوحوش الى سوريا ,ولو لم يركب الأسد الدبابة لما حمل سوري البندقية , الثورة بدأت سلمية وظلت بمعظم أطيافها* سلمية الى هذا اليوم , السلطة استمرت بعنفها واجرامها الذي بدأته قبل نصف قرن , واستمرت به الى هذا اليوم ..
هل يشك أحد بأن داعش والنصرة أضعفوا الثورة السورية أخلاقيا , وهل يشك أحد بأن الثورة لم تندلع أصلا لأن الأسد من الكفار , وهل توجد حالة تستحق ثورة أكثر من استحقاق الحالة السورية للثورة ؟, الحالة السورية تستوجب ثورة عارمة وموضوع “الكفر” باطل , لأن الأسدية لم تقصر في نشر الفكر الديني , ولم يقصر الأسد في بناء المساجد ومدارس تحفيظ القرآن , والأسد لملم كل أصحاب العمامات من كل حد وصوب , ثم أنه كان الراعي لعناصر القاعدة عندما كان تصديرهم الى العراق نافع له ,
هدف الأسد الأول والأخير هو البقاء , ووجود النصرة وداعش المضعف للثورة يخدم مصالح الأسد , لذا يمكن القول على أن الأسد حليف استراتيجي لداعش والنصرة , وسياسة الأسد منذ البدء في آذار ٢٠١١ قادت بالفعل الى تزايد غير مسبوق في قوة الفئات الدينية التي تصدرتها داعش والنصرة , والأسد حاول منذ البداية الباس الثورة جلابية الدين ونجح جزئيا في اختذال البدائل الى بديلين , اما الأسد أو الشيشاني والجولاني, متنكرا لوجود قوى مدنية وديموقراطية أخرى لاتمت بصلة للأسدية والا تمت بأي صلة للوهابية , لقد حذف الأسد كل ماتبقى , لأن ماتبقى هو عميل ومتآمر ولا ينتمي الى المعارضة الشريفة , حيث ان المعيار الوحيد للشرف , حسب معجم الأسد, هو الولاء له , فمن يرفضه يرفض الوطن , وبالتالي هو خائن .
لايتفق منطق الأسد مع ممارسة الحوار أو المحادثات مع الآخر , ذلك لأن دوغماتيكية الأسد التي أسست للديكتاتورية تمنعه من الاعتراف بالآخر,وامتناع بعض أطياف المعارضة عن الحوار مع الأسد ليس مبدئي , وانما عملي , فمن لايريد مضيعة الوقت عليه بتجنب الأسد وحواره , النظام الذي اتى عن طريق القوة لايرحل الا باقوة .