في يوم ٢٨-٨-١٩٦٣ تظاهر مارتن لوتر كينج في واشنطن مع ٢٥٠٠٠٠ امريكي وغير أمريكي , منهم ٦٠٠٠٠ ابيض والباقي ملون ..أسود بني..أسمر ..الخ , يريدون المساواة , منهم اشخاص معروفين مثل مارلون براند ووحوالي ١٥٠عضو من الكونغرس ومهاليا جاكسون وبوب ديلون والرابي يوأخيم برنس وجان بيز والعديد من شخصيات المجتمع ورجال الكنيسة , وقد القى مارتن لوتر كينج كلمة قال فيها , عندي حلم , حلم في حالة اليقظة , ثم توالت الأحداث وأصبح الملون الأمريكي مساو للأبيض أمام القانون , وبذلك تحقق ماقاله الرئيس لنكولن قبل هذا الحدث بمئة عام .
المتظاهرون أتوا من مختلف انحاء أمريكا , الألوف ركبوا القطار الذي اطلق عليه قطار الحرية , وألوف غيرهم أتوا على متن ٢٠٠٠ باص , كلهم طالبوا بحقوقهم ونالوها .
الموضوع لايخص سلمية مارتن لوثر كينج بشكل رئيسي , وانما يخص السوريين وطرق مطالبتهم بحقوقهم المسلوبة , فلعدة أشهر تظاهر السوريون سلميا , وعند بداية العسكرة والانتقال الى مرحلة الحرب والعنف بلغ عدد من قتل برصاص الأسد ٩٠٠٠ سوري , وحتى الشهر الثامن من عام ٢٠١١ كان السيد الأسد مسيطرا على كافة انحاء سوريا , واليوم نحن بخصوص أكثر من ٣٠٠٠٠٠ قتيل , الا أن الأسد لايسيطر الا على أقل من نصف سوريا وفي سياق حرق البلد لكي يبقى الأسد كان على مليون طفل دون ال ١١ عام من العمر أن يلجا الى بلد مجاور ..الأردن ..لبنان ..تركيا . العراق ..الخ , هذا بالاضافة الى حوالي ٦ الى ١٠ مليون بين لاجئ ونازح داخليا , اضافة الى الجوع الذي يعاني منه ح مابقي من السوريين في سوريا , بالاضافة الى ٩مليون سوري تحت خط الفقر , اي أن احراق البلد بشريا متطور جدا , ناهيكم عن الاحراق المادي , حيث ستكلف اعادة الاعمار حوالي ٨٠٠مليار دولار ..كل ذلك من أجل بقاء الأسد , وبفاء الأسد كلف الطائفة العلوية أكثر من ١٠٠٠٠٠ قتيل , اضافة الى كل ذلك انتشار الوعي الطائفي والكره والرفض والتطرف ,ثم استشراء الفساد والمحسوبية والتزوير وانهيار العملة السورية , ثم فقدان النفط والسياحة وتوقف الانتاج الصناعي والزراعي , …الغلاء الفاحش والاختطاف وغياب الدولة وانتشار الاجرام والسرقة ,كل ذلك من أجل بقاء الأسد الى الأبد .
لامستقبل لسوريا مع الأسد أو الأسود , وليس من المنطقي أن يعطي الشعب السوري الأسود فرصة أخرى لاثبات قدرتهم على حكم البلاد , أكثرية الشعب السوري لاتريدهم وتريد رحيلهم ومحاكمتهم , والتيرير بسيط جدا , هناك ٢٣ مليون سوري , وهناك بدون أي شك عشرات الألوف من المواطنين القادرين على القيام بكافة مهمات الدولة من رئاسة الجمهورية الى آذن المدرسة , ولا يوجد سبب وجيه للاصرار على رئيس فاشل وفاسد ومجرم .
بالرغم من كل ماذكر من كوارث وتخريب وافناء للبشر والحجر , تبقى الثورة ضرورة لابديل لها , والأمر متعلق ليس فقط بالماديات وانما بالمعنويات أيضا , هناك كره ورفض مطلق لهذا الرئيس , انها مشاعر البشر التي لايمكن لها أن تكون دائما موضوعية , وفخامة الرئيس اضافة الى ذلك لم يسمح لأحد أن يحترمه , اعماله وفشله وانحطاطه وكذبه واجرامه ليسوا الا اسبابا لعدم احترامه , هناك أقلية سورية تحترم الرئيس خاصة من الأقلية العلوية ومن القبيضة أصحاب الامتيازات ومن طبقة الفساد , التي ستجوع دون فخامته, وهؤلاء يحترمونه ويدافعون عنه , والبعض منهم حتى الموت .
ثورة لابديل لها وعنها , والثورة اما أم تكون سلمية أو حربية أو مزيج من الشكلين , ومارتن لوتر اختار الشكل الأفضل وهو الشكل السلمي , وأفضليةالشكل السلمي تعود الى فاعلية هذا الشكل , وقد جرب الشعب السوري هذا الشكل فكانت النتيجة مقتل ٩٠٠٠ مواطن سوري , ولو استمر التظاهر السلمي لوصل عدد القتلى الى المليون قتيل , والأحداث برهنت عن صحة ماقاله البعض من أن السلمية تعني الانتحار ..انه انتحار سلمي , يمكن للشعب السوري أن يتظاهر , ويتظاهر عشرات السنين , فلأسد سيستمر بالتقتيل عشرات السنين , وسيخترع للموتى أوصافا تتناسب مع أهدافه ,مندسون ,عملاء .مشاغبون .. وهابيون ..الخ
اين هو الفرق بين ثورة مارتن لوتر كينج السلمية الناجحة وبين الثورة السلمية السورية , التي تطورت بعد فترة مقبولة الى الشكل المناسب أي العسكري ؟
من ناحية ضرورة التصحيح لأخطاء فادحة لافرق , ومن ناحية ضرورة الثورة لافرق , اما من ناحية الوسيلة , فالفرق كبير , فقد كانت أمريكا حتى عام ١٩٦٣ عنصرية من جهة, ومن جهة أخرى كانت هناك آليات وادوات ديموقراطية لاتسمح بأن يقتل هناك ٩٠٠٠٠ مواطن متظاهر ( عدد سكان أمريكا حوالي عشرة أضعاف عدد سكان سوريا , لذا فانه من المنطقي أن نقول ٩٠٠٠٠ بدلا من ٩٠٠٠),وفي أمريكا يوجد حق التظاهر والتعبير عن الرأي , ولا يوجد في أمريكا سجناء رأي , وتصوروا تظاهرة غير مؤيدة من قبل ٢٥٠٠٠ مواطن في ساحة المرجة , فماذا سيحدث ؟
ستباشر أجهزة الأمن بالتقتيل , وسوف لن تتوقف لطالما هناك فرد واحد في الساحة , وعن امكانية قدوم المتظاهرون بالباصات من أماكن أخرى , فهذا أمر غير قابل للتصور , اما سيتم القاء القيض عليهم أو سيقتلون , ولم يحدث لحد الآن في نصف القرن الماضي ان أعطي ترخيص لتظاهرة معارضة واحدة , ومن المنطقي أن لاينتقل الشعب من مرحلة الصمت والخنوع الى مرحلة الحرب الأهلية دون المرور بمرحلة احتجاجية أو تمردية أو اضرابية أو تظاهرية , الا أن الأسدية بترت المرحلة الوسطى , وبالتالي ارغمت الشعب على الدخول في المرحلة الثالثة أي الحرب الأهلية .
الفرق بين أمريكا عام ١٩٦٣ وسوريا الآن هو عدم وجود وسائل التداول السلمي في سوريا , ذلك لأن الأسدية لاتعترف عمليا بشيئ اسمه معارضة , وحتى بعد السماح بالتلفظ بمفردة “معارضة” يقتصر اعتراف الأسديةعلى ماتسميه “المعارضة الشريفة” , ومن هو خارج المعارضة الشريفة فهو خائن أوعميل , وعلى سبيل المثال السلطة تعتبر خالد العبود شريف , وهو يعتبر نفسه معارض , أي أن خالد العبود معارض شريف , والأمر ينطبق على نضال نعيسة وعلى طالب ابراهيم وعلى شريف شحادة وغيرهم من الحثالة.
اما أن تصمت أو تؤيد , لذلك لايمكن أن يوجد في سوريا شبيه لمارتن لوتر كينج , الذي لايستطيع أن يصمت ولا يستطيع أن يؤيد , واذا تظاهر اما تقتله رصاصة الشبيحة أو يقبع في السجن دون محاكمة عقودا من الزمن , أي تتم تصفيته والقضاء عليه عمليا , واختيار السوري للمعارضة السلمية يمكن أن نعتبره نوعا من الانتحار , انه انتحار سلمي , لذا فان من يطالب بالمعارضة السلمية في سوريا الأسد , انما يطالب بالانتحار السلمي, والسلطة الأسدية وزبانيتها لايتوقفون لحظة عن الترغيب بالسلمية , ويقولون على أن نجاح الثورة كان أكيدا لو بقيت سلمية , وهل يعتقد من في رأسه ربع عقل على أن نصائح الأسد وزبانيته صادقة , ويريد حقا للثورة النجاح؟ ,
الأسد لايريد للثورة النجاح ,وهدف الترغيب بالسلمية واضح ,وأسهل الأمور على الأسد هو القضاء على ثورة سلمية بالرصاص أو السجن , ونصيحته نصيحة غدر ونفاق , لابديل عن الثورة , لابديل للثورة عن العسكرة , ومهما بلغت الخسائر فداحة , فلسوريا مستقبلا بنجاح الثورة , اما مع الأسد فلا مستقبل لسوريا …