الأصل في معنى ” أمر” شاور و المؤامرة هي المشاورة . ولهذا سمي الإجتماع للتشاور أو للحوار مؤتمر , ثم صار للمؤامرة معنى العمل الخفي لإيقاع الإيذاء بإنسان أو جماعة . وأن يكون في العلاقات البشرية وضع تكون فيه المؤامرة وسيلة للإيذاء وتحقيق المصالح فهذا مما لاشك فيه إطلاقاً . أما أن يتحول مفهوم المؤامرة إلى أداة تبرير أيديلوجية لإخفاء الحق والحقيقة و التنصل من مسوؤلية السلوك فهذا أمر في غاية الخطورة . المؤامرة – الوهم – إعتقاد , و المؤامرة التبرير كذب . ما هي المؤامرة الوهم : المؤامرة الوهم تصور لا أساس واقعياً له يقوم على إختراع بعض الناس أعداء يسعون لتدميرهم أو تحطيمهم أو تخريب عالمهم . فهناك من يعتقد – مثلاً – أن المسلمين يواجهون مؤامرة كونية من الغرب و أمريكا للنيل من الإسلام وإشاعة الفرقة الطائفية بينهم ليسهل عليهم – أي الغرب وأمريكا – التحكم بهم وبثرواتهم . هل يحتاج المرء لكبير عناء كي يعرف أن الهيمنة على العالم سياسية واضحة لدى الغرب وأمريكا وروسيا ؟ أين وجه المؤامرة هنا ؟ لا شيئ خفي إطلاقاً ! لكن السؤال الأهم كيف يستطيع الغرب وأمريكا وروسيا أن يحققوا الهيمنة ؟ إنها القوة الإقتصادية و العسكرية و الثقافية من جهة , و بنية العالم الآخر من جهة ثانية المتخلفة . فاليابان هذا العملاق الإقتصادي مهيمن عليه لأنه قزم سياسي – عسكري . والصين ساعية لأن تكون أحد الأقطاب الكبرى في العالم . وإذا ما جرى الحديث عن الوطن العربي فإن الهيمنة الأوروبية التي بدأت منذ القرن التاسع عشر مازالت مستمرة حتى هذه اللحظة و السبب أن الوطن العربي ومنذ الحرب العالمية الأولى لم يستطع أن يكون دولة قومية ذات سيادة . ولم ينجز نهضة إقتصادية تسمح له بفرض إرادته على الآخر , فضلاً عن النظام السياسي المترهل و المستبد . غير أن ما يدعو الغرابة و العجب و الدهشة أن يطل علينا الطغاة في الوطن العربي والذين إرتبط وجودهم بحماية الغرب و أمريكا ويعلنون أن الثورات العربية هي مؤامرة خارجية ! لقد كان هؤلاء الحكام ومازالو النماذج الأصلح لإستمرار الهيمنة الأمريكية – الغربية . وماذا يحتاج الغرب وأمريكا أكثر من حكام قامعين فاسدين مدمرين للحياة و الإقتصاد و الثقافة وعاجزين وسالبين للإرادة الشعبية و وجودهم وإستمرار وجودهم مرتبط بالعلاقة مع مراكز الهيمنة . بل ولكي تستمر هيمنة الخارج حطموا الكرامة الإنسانية . ماذا يريد الغرب وأمريكا أكثر من حكام حولوا الأوطان إلى مستنقعات آسنة !.؟ وحين إنتفضت الشعوب لنيل حريتها وكرامتها أعلن الحكام المسخرة أنهم يتعرضون لمؤامرة خارجية يقودها الغرب وأمريكا . إن أنظمة سياسية تتآمر على شعبها سنوات طوال , عقوداً من الزمن تزرع الخوف في نفوس أبناء الوطن , تفقر الملايين عبر نهبهم , وتمزق المجتمع مناطقياً وعشائرياً وطائفياً وتعيد هذه البنى إلى الحياة بعد أن أذن التاريخ بزوالها , أنظمة سياسية عاجزة عن التفكير الأخلاقي , حارسة للعدو تتحدث عن مؤامرة خارجية !!!! إن لسان حال الأنظمة هذه يقول للغرب وأمريكا مايلي : لقد مرت سنوات طوال ونحن نقوم بخدمة الهيمنة الأمريكية و الغربية , لم تطلب منا وظيفة إلا وقمنا بها . تصدينا للإرهاب كما تريدون , حطمنا الإرادة الشعبية كما تريدون , نصبنا سفراءكم مندوبيين ساميين كما تريدون ثم تتخلون عنا عندما تثور علينا الشعوب !!! إن الأنظمة هذه لم تتعظ من التجربة الإيرانية حيث تنكرت أمريكا بسهولة إلى حارسها في الخليج العربي الشاه . لا تعرف هذه الأنظمة أن العبيد للغرب وأمريكا لا يمكن أن يكونوا أسياداً أبداً . إنها ليست مؤامرة يا سادة , إنها وسيلة الغرب في التعامل مع الأدوات . و وسيلة الغرب في التلاؤم مع الجديد , لكن المفارقة الغريبة : أن الشعوب المنتفضة – وبسبب عنف السلطة وغبائها – راحت تتوسل المساعدة من الغرب و أمريكا للخلاص من هذا الوحش السلطوي الحاكم ! لماذا … لماذا … إن ولادة معقولية التاريخ ولادة صعبة ولاشك وتحتاج إلى زمن ولن تنفع معها أبداً وضع العراقيل في طريقها . أما آن للعقل أن ينتصر !.؟