مما لا يمكن إنكاره أنَّ الدولة السورية ومنذ عام1963م, تعرضت لعلونة سياسية واجتماعية واقتصادية, وهذه العلونة أخذت شكلاً أكثر وضوحاًعام1966 م, فهو تاريخ الحكم الفعلي للعلويين في سوريا, وفي النصف الثاني من سبعينات القرن المنصرم ابتلعت الدولة العميقة بقيادة حافظ الأسد مؤسسات الدولة كلها, وأخذت شكلاً تجديدياً وفائض قوة من الحكم السابق مع تسلم الأسد الابن الحكم. وأضحت هذه الدولة العميقة ذات الترسمل المعتاش على استغلال كل خيرات ومقدرات البلاد قائمة على مؤسسات حزبية علوية تقود الدولة الظاهرة, وأخرى أمنية وعسكرية ومنها جهاز المخابرات الجوية بقيادة الضابط محمد الخولي وسرايا الدفاع بقيادة رفعت الأسد. المرحلة الأولى1963م: وجدت النخب الأقلوية في شعارات القومية العربية ومنظرها جمال عبد الناصر, فسحة للوصول للحكم والتمرد على النخبة البرجوازية السنية المحافظة في دمشق وحلب, وذات النفوذ الواسع في الحكم, مستغلة في المرتبة الأولى شعارات”عقدة المظلومية التاريخية”, التي تعرضت لها على أيدي السنة, ونفور أبناء السنة وازدرائهم للمؤسسة العسكرية التي يعتبرونها مؤسسة لا تتماشى مع العقلية المدنية المبنية العقلية التجارية والصناعية المتأصلة تاريخياً. هذا التحالف الأقلوي”تحالف عدس”,استطاع أن يحوز موطئ قدم لدى الضباط الناصريين الذين قاموا بانقلاب عام1963, وهذا الانقلاب حمل الكثير من أبناء التحالف الأقلوي من مراكز هامشية في قيادة المؤسسة العسكرية إلى مراكز جوهرية وحساسة, وخاصةً في الفرق والألوية العسكرية المحيطة بالعاصمة السورية دمشق, وقوى السلاح الجوي, والفرق المختصة بالصواريخ. المرحلة الثانية1966م: خلال هذه المرحلة استطاعت النخب الأقلوية عقد تحالف مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر, وأعيد ترتيب المؤسسة العسكرية حسب رؤية الضباط العلوية ذوي الحظوة لدى ناصر, وكان حصة المكون العلوي من اللجنة العسكرية التي تولت هذه المهمة ثلاث شخصيات هي: صلاح جديد ومحمد عمران وحافظ الأسد, الأسد الأكبر لوحده نسب ما يقارب ال1000ضابط وصف ضابط, اتضح فيما بعدأن900منهم من الطائفة العلوية والبقية من الأقليات. أثمرت هذه التنقلات والتحركات في بنية المؤسسة العسكرية عن انقلاب ال1966م ضد الرئيس أمين الحافظ, والذي جير فيما بعد لمصلحة الضباط البعثيين والذين بغالبيتهم من النخبة الأقلوية, هذا التحالف الأقلوي لم يصمد كثيراً, حيث أعقب هذا الانقلاب, انقلاب بارد قام به صلاح جديد ومحمد عمران وحافظ الأسد ضد ضباط الأقلويات المتحلقة حول المكون العلوي, وبدأت عام1967مع ضباط الطائفة الدرزية بقيادة سليم حاطوم الضابط الأبرز في رسم المشهدية التاريخية سالفة الذكر, والذي شعر أنه لم ينل نصيباً يليق بما قدمه هو ومجموعته ونفوره من علونة المؤسسة العسكرية, مما حدا بوزير الدفاع آنذاك حافظ الأسد على محاصرة السويداء براجمات الصواريخ, على إثر اعتقالهم لنور الدين الأتاسي الرئيس آنذاك ورئيس أركانه صلاح جديد الذاهبين للتفاوض مع حاطوم الذي قام بعديد الحركات التمردية داخل محافظة السويداء, كرهائن, تبعها محاكمة وإعدام خمسة ضباط من بينهم حاطوم على الرغم من التوسط لهم من قبل الزعيم سلطان باشا الأطرش, والقيام بحملة تنقلات أفقدت مجموعة سليم حاطوم مفاعليها ومقدراتها. عقب حادثة حاطوم والنخبة الدرزية, خاضت النخبة العلوية صراع للتخلص من النخبة الاسماعيلية وتحديداً عام1977م, وحادثة اغتيال الجنرال عبد الكريم الجندي في سلمية, وما تبعها من تحركات للضباط الاسماعيلية أنهت مقدرة هذه النخبة وأقصتها نهائياً. عام1969م وقبيل مواجهة جديد/الأسد, تم العمل على إبعاد ضباط النخبة السنية سواء المتحالفين مع جديد وأشهرهم سويداني والذي شغل منصب رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية, أو أولئك المتحالفين مع الأسد وغالبيتهم من الحورانة. المرحلة الثالثة1970: عقب تصفية النخبة العلوية في المؤسسة العسكرية حساباتها مع تحالفاتها التاريخية التي قادتها إلى الحكم, بدأ الصراع بين مجموعة صلاح جديد ومجموعة حافظ الأسد, الأسد الذي كان يقود الجناح العسكري في علونة الدولة استطاع, أن يحسم الصراع ضد جديد الذي كان يقود الجناح المدني والمتجسد عبر مؤسسات حزب البعث, ولو قيض النجاح لجديد آنذاك لكان حافظ أسد آخر, وسبقها اقصاء محمد عمران من وزارة الدفاع ثم اغتياله من قبل جهاز المخابرات الجوية في مدينة طرابلس اللبنانية. عقب ما أسميت الحركة التصحيحية التي أعقبت المؤتمر القطري المنعقد آنذاك, والذي لم يتماشى مع رغبات الأسد, كان الأسد قد أعد العدة العسكرية لتحقيق مقاصده. وقد ابتلع النظام الناشئ مؤسسات الدولة عبر رفد حزب البعث لها بجيوش من كوادر الحزب الذين استقطبوا بغالبيتهم من الأرياف وخاصةً ريف الشريط الساحلي, وشهد نسيج دمشق الاجتماعي آنذاك تغيير جذري, وأصبح عدد سكان دمشق يفوق الثلاث ملايين ونصف بعد أن كان بحدود المليون ونصف المليون نسمة. وبالنسبة للدولة العميقة قامت بالدرجة الأولى على تأسيس جهاز المخابرات الجوية بقيادة الجنرال محمد الخولي, الذي نفذ ما يقارب70 العملية اغتيال لشخصيات معارضة سياسياً أو سلطوياً يقف حجر عثرة في طريق ديكتاتورية الأسد, وأصبحت قيادة الفرق والألوية والدفاعات الجوية, وخاصةً المحيطة بدمشق، تحت قيادة الضباط العلويين, يضاف لها تأسيس سرايا الدفاع نخبة الجيش عدداً وعدةً والتي يقدر عدد منتسبيها من أبناء الطائفة العلوية بما يقارب 90%, والفرق والأولوية التي تركت قيادتها لضباط منحدرين من بقية المكونات كانت قيادة شكلية حيث يلحق بها ضباط وصف من منتسبي الطائفة العلوية تجعل منهم متخذي القرار الفعلي حينما لا يتماشى مع توجهاتهم, حيث الرتبة الأعلى لم تكن الفيصل بقدر ما كانت هذه العقلية التي تقوم على عقلية طائفية أولاً وعشائرية ثانياً. المرحلة الرابعة-الأسد الابن2000م: شهدت الفترة السابقة على تسلم بشار الأسد مقاليد السلطة, ظهور الجيل الجديد من أبناء أمراء الدولة العميقة من الطائفة العلوية, هؤلاء تسلموا قيادة المناصب الحساسة والمؤثرة في بنية الدولة العميقة الأمنية والعسكرية لكي تبقى السلطة بأيدهم, وما التوافق على شخص الأسد الابن سوى حالة استمرار توافقية اختارتها نخبة الطائفة منذ الوقوف في وجه الأسد الصغير رفعت, الذي حاول تسلم مقاليد الحكم بعد إصابة الأسد الأكبر بمرض سرطان الدم, فما كان من الجنرالات الكبار في الطائفة ومنهم علي حيدر وعلي دوبا سوى الوقوف في وجه رفعت, وإجباره على ترك سرايا الدفاع وتفكيكها وتسلم منصب شكلي كنائب للرئيس ثم مغادرته البلاد إلى فرنسا برفقة عدد من ضباطه الموالين له. إن انتصار الثورة السورية هو انتصار على مسخ سياسي لم يعرف له التاريخ السياسي القديم أو الحديث على صعيد سواء, مثيل أو قرين, وهو الخطوة الأولى المطلوبة للقضاء على الطائفية والعشائرية في الحكم المنبية على عقلية بوليسية, والتحول نحو مجتمع حداثي يتماشى مع مفاهيم وقيم المدنية والقانون وبناء مؤسسات الدولة.