بشار الأسد يحتفل بـ”الثورة” السورية

 بقلم: علام أحمد

“ثورة الشعب والجيش ضد الإرهابيين..هذه هي الثورة الحقيقة”، يقول د.بشار الأسد مهنئاً بالذكرى الخمسين لصدور صحيفة “الثورة” الحكومية، ومختتماً حوارا اقترب من “8000” كلمة، تناول فيه رؤية النظام للمشهد السوري وتطوراته منذ عامين ونيف.

“سورية لم تتسع لجميع أبنائها، ما الذي حصل حتى وصلنا إلى هذه النتيجة؟”‏‏‏‏ سئل الأسد فأجاب باستعراض تاريخي- فلسفي- لا علاقة له بالواقع السوري الحقيقي حتى أنه وصل لمرحلة سقوط الدولة الأموية وما تلاها لليوم مقتنعاً كما أركان نظامه أن ما جرى ويجري في البلاد مؤامرة، وإدارة النظام للدولة تجسد نموذج الجمهورية الأفلاطونية، بينما السؤال الذي على الأسد ونظامه الإجابة عليه: ما الذي فعلوه كي لا تصل البلاد لهذه النتيجة وليس ما الذي حصل وخلاصة النتيجة؟

“منذ البداية قلتم إن ما يجري في سورية ليس ثورة، لماذا؟” يجيب الأسد مستعيناً بالتاريخ، “الثورة الروسية والفرنسية وحتى الإيرانية.. أي ثورة حقيقية هي ثورة داخلية صرفة ولا علاقة لها بالخارج من قريب ولا من بعيد”، وبعد أن يقارن بين ما يجري وثورة حزب البعث في 63 يصل إلى أنه لا ثورة في سورية إلا 8 آذار، لو جاز لنا الاتفاق مع الأسد فيما ذهب إليه، فسنختلف حتماً في جوهر الرواية وحقيقتها، فلو عدنا بالذاكرة إلى المراحل الأولى لانطلاق الاحتجاجات منتصف آذار 2011 سنجد أنها حملت بذور انتفاضة شعبية شاملة، حاولت جاهدة أن تسلك طريقاً ثورياً حقيقياً لكنها اصطدمت بعوائق عدة إلى أن توفيت رسمياً مع نهاية أيار 2011 لنصبح أمام حراك مختلف كلياً يقوده الإخوان المسلمون وإعلامهم، أقصى المكونات الأخرى واستأثر بالشارع والشعارات، ما من ثورة اليوم.. نعم، لأن النظام بدأ باعتقال القوى السلمية منذ اليوم الأول للاحتجاجات فاسحاً المجال أمام الإخوان المسلمين ليسرقوا مشروع الشعب وانتفاضته، وتالياً أمام أذرعها العسكرية لاحتلال المشهد كاملاً وحمل السلاح في وجه الجيش بعد أن رسخ النظام في الضمير المجتمعي فكرة المؤامرة الكونية، وتعامل إعلامياً مع الحراك الشعبي على أساس “مندسين- موتورين- عملاء للخارج”، ما من ثورة نعم، لأن النظام ساهم بإنجاح النسخة المطورة عن الثمانينات مضافاً إليها مشروع تنظيم القاعدة والجهاديين من كل حدب وصوب، وصولاً لحرب مفتوحة بإرادة ومشاركة عالمية، المهم أن يحافظ على بقائه، هذه هي معركته الأساسية وليست معركته الحفاظ على وحدة البلاد وشعبها وجيشها، هل يجرؤ النظام على إنكار أن الأوضاع في سورية قبيل 2011 لم تكن تحتاج لثورة جذرية – حتى لو كانت بعثية صرفة-، كان القرار واضحاً منذ البداية، إما النظام كما هو وإما الإخوان والقاعدة، وطبيعي أن تختار غالبية الشعب حياتها وأمانها حتى لو كان على حساب مطالبها الوطنية، وهذا ما يفسره النظام بوقوف الشعب معه ومع مسيرته الإصلاحية، بينما الحقيقة تقول أن تلك الأغلبية تقف مع الجيش مجرداً عن النظام السياسي وربما لو كتب لها الخروج في الشوارع في ظرف أمني مختلف لهتفت ضد النظام وطالبت برحيله بعد ما رأته وتراه لليوم منه، في الخلاصة نسأل الأسد: هل انتشار السلاح ووجود الأنفاق وانتعاش المتطرفين و.و.و ..الخ كان وليد شهور بسيطة تلت آذار 2011 أم أنها حصيلة أعوام من فساد أمني جمركي وسياسة حكومة جوعت الشعب ونهبته، ألا يكفي ذلك ليعترف النظام أنه غير جدير بإدارة دولة؟

دافع الأسد عن المدارس والمعاهد الدينية التي كان لمسيرة التطوير والتحديث فضل نشرها في طول البلاد وعرضها بحجة أنها كانت أكثر انضباطاً والتزاماً من غيرها، فما الذي كان يريده أكثر من كوادر تخرجوا فيها ليفعلوا وما فعلوا؟ لقد دفعت سورية ولا تزال ثمن إنتاج الوعي الديني على طريقة النظام خطاباً وممارسة، وأما من لامهم الأسد من شرائح أخرى ورأى أنهم بلا وعي ديني فكانوا سبباً في نجاح روايات النظام مثلما كانوا سبباً في دمار سورية بمساعدة منه.

لدى سؤال الأسد عن “فتنة طائفية ضربت لبنان وبعده العراق، ألم نكن بصورة أن ما يجري قادم إلينا لا محالة وماذا فعلنا في مواجهة ذلك؟”، أجاب الأسد باسترسال ليصل إلى نتيجة أن النظام فعل المستطاع لكن ما حصل حصل، بلمحة سريعة نرى أن بعض ما فعله النظام كان 1- مزيد من الفساد في أجهزة الدولة وعلى رأسها الأمنية لتهريب معتقلي الإرهاب والمتهمين بتأسيس تنظيمات متطرفة من السجون2- تضييق الخناق على كل فكر أو مشروع وطني علماني منفتح لفرد أو مجموعة تحت طائلة الاعتقال أو مغادرة البلاد طوعاً 3- تحويل الحدود إلى “نقطة تشليح” رسمية لموظفي الجمارك والأمن لإدخال السلاح بشتى أنواعه وتخزينه للمستقبل مع تسريح نخبة من ضباط الجيش ورجال الأمن “الشرفاء” ونخبة من القضاة 4- الاكتفاء بمتابعة فضائيات دينية خارجية تعمل على إيقاظ الفتنة وتحرض على النزاعات المذهبية دونما انفتاح أو تطور في لغة الإعلام المحلي ومؤسساته.

نفى الأسد “اتهام النظام بالإيحاء للأقليات بأنها مهددة وبالتالي تم التفافها حوله”، ظاهرياً صحيح لم يوحِ النظام بشكل مباشر للأقليات بل حرص على نجاح الإيحاء الذي تولته وسائل إعلام عربية وعالمية في خطابها وبرامجها، وكان رده مع إعلامه التجاهل والتغاضي لفترة طويلة تحت شعار الوحدة الوطنية، ومع مرور الوقت وجد نفسه مضطراً لفسح المجال لمواطني الأقليات “الدروز- المسيحيين- الإسماعيليين- المرشديين- الشيعة” ليظهروا على شاشاته معلنين موقفهم مما يجري بصفتهم الدينية بعد أن فسح المجال لأقرانهم بصفتهم السياسية، باستثناء العلويين إذ لم يلاحظ حضور أي رجل دين علوي بل بعض محللين يرددون رواية النظام المعهودة، فأساؤوا لمكونهم الوطني أكثر ما أظهروا موقفه وهذا ما أراده النظام ونجح فيه ليضمن اصطفاف الطائفة العسكري خلفه، -بالمناسبة أنا هنا لا أدفع عن العلويين- لكنني مضطر للتنويه بأنه ما كانوا ليذبحوا من الوريد إلى الوريد وتشوه صورتهم الوطنية والدينية كما حدث، لو كان النظام يرى فيهم مواطنين لا مجرد عساكر لحماية هيبته في هذه المحافظة أو تلك، والأهم من هذا لو وجد بينهم من تحدث للإعلام المحلي أو الخارجي بهدف التنوير بأبعاد ما يحدث على مستوى الحاضر والمستقبل، فما كانت ستنجح لعبة “الوحدة الوطنية” على حساب حياتهم وكرامتهم، وما كانت معركتهم إلا ضد الديكتاتورية والظلم، وما كانوا ليرتضوا ما حدث بحقهم من تخوين وقتل لمجرد الهوية، بكل أسف هذه المسألة كانت وما زالت تحتاج لحسم بناء على مواقف وطنية حقيقية، لا بناء على “معركة وجود” كما أصبحوا يعتقدون، ولذلك دافعوا عن بقاء النظام أكثر من غيرهم بكل ما يملكون ومستعدون للموت فرادى وجماعات ما لم تحدث معجزة.

أخيراً: لماذا لم يقدم النظام أي “تنازل وطني” إلا بقوة الدم، وهل قدر سورية أن تحارب نفسها وتنتصر أيضاً على نفسها؟ سؤال انتظرنا إجابته طويلاً من وزارة الدفاع وقادتها وسنبقى ننتظر، على الرغم من أن الحلول الأمنية قاصرة وشبه مستحيلة وقد لا تغير في المعادلة كثيراً.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *