الأسدية في مرحلة ماقبل الدولة

بقلم: نسرين عبود

هناك  أحداث لايمكن لها أن تقع الا في بعض الكيانات  التي تتميز  بكونها  لاتزال في مرحلة مايسمى “قبل الدولة “, فالفكر  السياسي العربي بجميع مدارسه القومية والإسلامية والماركسية والليبرالية وخاصة الديكتاتورية , لايزال يعاني  بشدة من   شح  الثقافة الديمقراطية والوعي الحقوقي، وهذا الشح  ينعكس على  مسألة الاعتراف بالآخر  ومسألة التعددية  , وخاصة تداول السلطة سلميا , الشح قاد الى فهم مريض للسلطة  خاصة في الجمهوريات  , التي وجب  عليها أن  تعتمد مبدأ السلطة كحالة متغيرة, ففي هذه الجمهوريات  أرادت الديكتاتوريات أن تكون أبدية ,  أو تكون “ملكية” أكثر من المملكات  .

تحول الحريات الى هامش ثانوي  , كان نتيجة حتمية لشح  الثقافة الديموقراطية , وتحول الحريات الى هامش  ثانوي  يعني  تحول ملحقات الحريات الى هامش  أيضا , لارأي عند عدم وجود حرية ,  وعند عدم وجود حرية شعبية  يسيطر تلقائيا  الفكر المركزي , الذي يستقيم مع  المنظومات الديكتاتورية  , ويتطلبها أيضا , كل شيئ مركزي وبيد الديكتاتور .

لما أصبح كل شيئ بيد الديكتاتور, والديكتاتور هو عادة أكثر أفراد الشعب توحشا  وغباء واصراراعلى منع كل جديد , تحول الشعب الى الموروث  والى المرجعيات الموروثة , ان كانت دينية أو قومية , فالموروث القومي العربي  هو أصلا  موروث يرتكز على  الجانب العرقي العنصري , وأوضح الأمثلة على ذلك  هو موضوع القومية العربية  التي ترتكز على العرق العربي البدوي , في حين   تعتبر كل  اجتهاد مواز على أنه انشقاقي  وخائن  ومدمر للوحدة الوطنية  ..هكذا كان أمر الأكراد على سبيل المثال , والأمثلة كثيرة جدا , أما الموروث الديني , فيرتكز  على العنصرية الدينية  والعودة الى السلف , وهكذا نرى  في سوريا  الأكثر تعلما   من جيرانها من يريد امارة اسلامية  , ومن يريد دولة الفقيه أو يمارس  حروبا حول الخلافة , المحور الشيعي من عام 2013 يريد ضمنا  الثأر لما حدث بين يزيد والحسين , وبهذا ينزلق المجتمع  حوالي 1400 الى الوراء .

العسكر قضى على التيارات الليبيرالية والماركسية والاشتراكية  , لأن هذه التيارات افتتنت بالعسكر , الذي حقق لها عن طريق الانقلابات  وجود سياسي  وهمي , لقد حكم الأسد  عن طريق العسكر والانقلاب ,  وتاجر  بالاشتراكية  والحرية والوحدة وخاصة بقضية فلسطين   , الا أنه لم لم يتوصل الا للعكس  فلا حرية ولا اشتراكية ولا وحدة ولا مكتسبات  فلسطينية , وحتى الهدوء  أمنه للصهاينة , الذين لم يتوقفو لحظة واحدة عن تغيير معالم الجولان  , ثم تاجر أيضا  بالموروث  الثقافي المعادي  للاستعمار  …انه  الوحيد , الذي  يقف بكل شجاعة وصلابة ضد الاستعمار ,   وعندما أراد  الاستعمار غزو العراق كان الأسد شريكا له  , ولم يتورع  الأسد المناهض للاستعمار أن يكون  أقبح وأقذر من استعمر  ,وماسجل الأسدية في لبنان  الا برهانا على ذلك ,  الغرب طرد الأسد من لبنان  , فما كان منه  الا أن أسس  في لبنان دولة حزب الله وفي سوريا دولة علوية كونت امبريالية داخلية قادت  الى حرب  أهلية , الأسد عاد  الى الموروث  الطائفي العشائري العائلي  , وبالتالي الى مرحلة ماقبل الدولة.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *