الثورة السورية.. ومأزق الحلول السياسية

زاد الاتجاه في الأسابيع القليلة الماضية في الدوائر السياسية الدولية إلى استبعاد إمكانية الحسم العسكري الذي تبناه النظام للصراع الدائر منذ ما يقارب السنتين في سوريا والدعوة للحلول السياسية. وزادت في موازاة ذلك المبادرات التي تعكس رغبة المجتمع الدولي في إعطاء دفع أقوى لهذه الحلول، بصرف النظر عما يحصل في أرض المعركة. وفي هذا الإطار أطلق رئيس ائتلاف المعارضة مبادرته في الحوار المشروط مع النظام واكتسبت المحادثات الأميركية – الروسية مكانتها المركزية بوصفها إطار الوصول إلى تسوية دولية للأزمة السورية، وأعلن رئيس الجمهورية الفرنسية أن أوروبا لن ترفع الحظر على السلاح ما دام هناك أمل في الحلول السياسية.

ومن الطبيعي أن يطرح هذا الاهتمام المتنامي بالحل السياسي في سوريا أسئلة أساسية حول إمكانية تحقيق مثل هذا الحل، وفيما إذا كان من الممكن الوصول إليه في إطار بقاء النظام أم زواله، وما هي التوقعات لسوريا ما بعد الأسد إذا جاء الحل على حساب النظام ومع ترحيله أو زواله.

والواقع أن المجتمع الدولي لم يفعل شيئا آخر في الأشهر الطويلة الماضية سوى البحث عن حل سياسي، بدءا من مبادرة الجامعة العربية التي تحولت إلى مبادرة دولية عربية مشتركة، إلى بعثة كوفي أنان، وأخيرا الأخضر الإبراهيمي، والنتيجة صفر حتى الآن. والسبب، كما تشير إلى ذلك التحليلات الاجتماعية والخبرة الشخصية أيضا، أن نظام الأسد يتنافى بطبيعة تكوينه مع أي نوع من الحلول السياسية لأنه لا يقبل أنصاف الحلول ولا يصمد لأي تسوية أو شراكة أو انفتاح. وهو بالتالي عاجز عن الدخول في أي حوار.

ثم إنه يعيش منذ نشأته هاجس اغتصاب السلطة وانعدام الشرعية، ويعتقد أن لا قدرة له على البقاء إلا بالقوة لأنه محاصر من قبل أغلبية اجتماعية لا يمكن أن يستوعبها في النظام ولا أن يكسب ولاءها الحقيقي مهما فعل.

يمكن أن يدفع بعضها إلى الهجرة ويقهر البعض الآخر ويشتري البعض الثالث، لكن لا يمكن أن يراهن على معادلة تكون فيها ممثلة أو مشاركة في السلطة. هكذا تأسس النظام وتطور مع الزمن كنظام إقصاء لا إدماج، وكانت الحاجة إلى تطوير آليات قمع متنوعة ومتنامية لتحقيق هذا الإقصاء تزداد مع الزمن، وتحول البلاد بأكملها إلى سجن كبير، بينما تجعل من الدولة ذراعا مباشرة للسلطة ونظاما للفرز والتمييز والتحييد. فمنطق الإرهاب الذي يحكم النظام لا يشكل وسيلة لردع معارضة جزئية أو تعديل بعض التوازنات أو القضاء على احتجاجات تبرز هنا وهناك، وإنما هو هنا سياسة كلية، بل السياسة ذاتها، وجوهرها، بمقدار ما إن بقاء النظام يتوقف على نجاحه في شل إرادة الأغلبية المجتمعية وتحييدها وحرمانها من أي قوة تأثير أو اعتراف أو اعتبار.

وهو يشبه من حيث آليات الحكم والسيطرة التي يستخدمها لردع الأغلبية عن المشاركة، أو التفكير في حقها في المشاركة، نظام التمييز العنصري الذي كان يقوم أيضا على تحييد الأغلبية لصالح أقلية، ولا يهتم بالحصول على الشرعية والولاء بمقدار ما يطلب من الخارجين الخضوع والاستسلام والقبول بالدونية والاعتراف بالسيادة المطلقة له. فطلب الشرعية يرتب تنازلات واعترافا ومشاركة للذين يقرونها، وهذا معاكس للهدف المطلوب تماما.

لهذا يعتقد أصحاب النظام السوري، مثلهم مثل القادة الإسرائيليين في هذا المجال، أن الاحتفاظ بالقبضة القوية هو جزء لا يتجزأ من تأكيد مبدأ التفوق، الذي يريد النظام أن يستمد منه شرعية استثنائية للأسياد وحدهم، مقابل الشرعية السياسية الديمقراطية. ويرى في القبول بأي حوار مظهرا من مظاهر الضعف لما يعنيه من اعتراف بالآخر، والتعامل معه كند أو حتى كخصم. مما يهدد بتدمير الأساس الذي تقوم عليه السلطة التمييزية وتقويض أسس شرعية التفوق الذي تستند إليه.

بمعنى آخر، لا يمكن للذي يحكم بشرعية التفوق الفكري أو الإثني أو الاجتماعي أن يقبل حوارا مع من ينظر إليهم بوصفهم «صراصير وجرذانا وملتحين ومخربين وإرهابيين بالولادة». ولو حصل فلهدف واحد: جرهم إلى الفخ والإطباق عليهم وتصفيتهم من دون تردد. فلا يتفق هدف إقصاء الأغلبية، أي أغلبية، سياسية أم اجتماعية أم شعبية، وإبعادها بالقوة عن القرار، مع الحديث عن الحوار، ومن باب أولى عن التفكير بمد جسور التفاهم والتعاون معها.

إن حفظ النظام وضمان استمراره يحتاج بالعكس إلى إظهار القطيعة بين مجتمع السلطة ومجتمع الشعب، وإلى الاجتهاد في إبداع وسائل بث الرعب وتنويع سبل القمع والإرهاب، وإذا اقتضى الأمر بالقتل والاغتيال، بل بالتطهير العرقي والإبادة الجماعية بأسلحة الدمار الشامل.

ما هو مطلوب لتعزيز قوة النظام واستمراره هو تعميق الشعور لدى الجميع.. البريء قبل المخطئ.. بأنه مهما حاول الهرب فهو في قبضة النظام، مجرد من أي حقوق وعار عن أي حماية قانونية أو أمنية، وقابل للمعس في كل الأحوال. بهذه الطريقة يمكن إخضاعه وضبطه والتحكم به وتوجيهه الوجهة المطلوبة ليكون كالدمى التي يحركها المسرحي من وراء الستار.

ما هو قائم في سوريا من نظام سلطة منذ عقود ليس له علاقة بالسياسة أو حتى بالديكتاتورية المعروفة، ولا بالحكم البوليسي ولا حتى الفاشي. وما نعرفه عنهما من قمع استثنائي وتعليب للأفراد وغسيل للدماغ، إنه مشروع اغتيال سياسي منظم لشعب، هدفه إلغاؤه من الوجود كشعب، وتحويله إلى قطيع غير قادر على الاهتداء بنفسه ولا يعيش إلا باتباع جلاده وتقبيل يديه. وما يستخدم لتحقيق ذلك هو آليات تدجين لا تختلف بوسائلها عن وسائل تدجين الحيوان وترويضه، بالترهيب والترغيب، بالترويع والبطش وكسر النفس، ووضعه تحت ضغوط لا تحتمل كما هو حاصل اليوم، لكن الآن من دون جدوى، بل بمفعول معاكس، حيث لا يزال القصف مستمرا على المدنيين من عشرين شهرا من الجو والبر، من دون توقف. والهدف قتل أي مظهر لإرادة أو لوعي مستقل عند الفرد، لتكفيره بكل القيم والمبادئ والأحلام، وتحويله إلى ما يشبه الميت الحي السائر في منامه.

لا يكتمل ذلك إلا بسياسة الاستعراض الدائم والشامل للقوة، لسبب أو من دون سبب، وإقامة الحواجز المادية والرمزية في كل مكان وعلى أي مستوى، وإطلاق كلاب الحراسة من الأمن والمخابرات المسعورة خلفه حتى يلتجئ من تلقاء نفسه إلى صاحب كلاب الحراسة ويبادر بتقديم الولاء والطاعة له. فالضرب والقهر والتنكيل، لسبب أو من دون سبب، ليس في سوريا الأسد جزءا من سياسة ترمي إلى إخضاع المعارضين أو المخالفين في الرأي. إنه ركن من أركان نظام للحكم يهدف إلى تحويل مواطنين أحرار إلى عبيد مبتذلين، ولا يمكنه ذلك إلا بوضعهم جميعا وأعناقهم تحت سيف المقصلة، حتى يدرك كل واحد منهم أنه لا خيار له سوى الانقياد ومحو الإرادة أو الموت. وليس غير سياسة المقصلة قادرة على إكراه شعب حر في عالم القرن الواحد والعشرين على قبول التعامل مع حكامه على قاعدة السيد والعبد، الإقطاعيين والأقنان، أصحاب الحقوق جميعا، والمجردين من أي حق.

لا يملك من يبني علاقته مع أفراد الشعب على مثل هذا الأساس، وما يتطلبه إرساؤه من عمليات ترويع وتجويع وإرهاب وتنكيل وامتهان للكرامة، أن يقبل بالتنازل أو التراجع ولو عن ذرة واحدة من الغطرسة ونفي الحق واغتصاب الإرادة، ولا يمكن أن يواجه عدوه بالابتسام.

لذلك ما كان للنظام السوري أن يسمح بمرور بعض الكتابات المعادية من دون عقاب، حتى لو كانت من تحرير أطفال صغار، ومن باب أولى أن يعاقب المسؤول عن قلع أظافر الأطفال وتعذيبهم. ولا يمكنه إلا أن يرد بأقصى العنف على أبسط بادرة احتجاج أو اختلاف من قبل أي مواطن، حتى من أقرب المقربين.

لكن الذي يقيم حكمه على الترويع يحكم على نفسه بالعيش في الخوف والذعر الدائمين. فكما يعيش الإسرائيليون، رغم تفوقهم العسكري والتقني الذي لا يقارن، في الخوف الأعمى من هزيمة واحدة تودي بدولتهم، ويظهرون غيرة لا حدود لها على سيادة يختلط مفهومها أكثر فأكثر بمفهوم تبرير العدوان، يعيش النظام السوري، رغم كل ما يملكه من سلاح وسيطرته على كل مواقع السلطة والقوة، والموارد المادية وغير المادية في البلاد، في هاجس خطر تمرد الشعب، ولا مرصد له في كل سياساته سوى الإعداد لمواجهته بكل الوسائل والأساليب. وهو لم يشك لحظة في حتمية هذه المواجهة، لأنه يعرف أن من المستحيل كسب ولاء شعب لا يقوم فيه نظام الحكم ويستمر إلا بإقصائه. فهو يخاف من الاعتراف بالشعب ومن دخوله إلى الفضاء السياسي، كما تخاف إسرائيل من الاعتراف بالفلسطينيين وعودتهم إلى وطنهم وأرضهم. فإخراج الشعب من الفضاء العام، وإن أمكن، تهجيره خارج البلاد، هو جزء لا يتجزأ من بنية النظام وبقائه في يد نخبة مصابة بمرض التفوق العنصري، ولا تستطيع أن تفكر لحظة واحدة في النظر إليه كشريك وفي التعامل معه من غير منطق تسخيره لخدمتها وتقديس أصنامها.

هكذا يعتقد سدنة نظام الأسد أن أي تراجع أو تنازل عن جزء، مهما صغر من السلطة في مختلف أشكالها، للأغلبية الشعبية، هو تقويض للبناء من أساسه. وهم يشتركون مع إسرائيل في الاستراتيجية ذاتها: عسكرة النظام بأكمله والتزود بكل أنواع الأسلحة الفتاكة، وتطبيق نظرية الحرب الاستباقية التي تعني البقاء دائما على الهجوم، والجاهزية الكاملة للضرب بأقصى ما يمكن من القسوة والوحشية، ومن دون حساب للأرواح والدمار، إزاء أي بادرة احتجاج أو حركة يمكن أن يشتم منها رائحة تحد للنظام.

ومن مرادفات الحرب الاستباقية الحرب الاستئصالية التي تستهدف كل ما يمكن أن يولد مثل هذا التحدي: الأفكار والأشخاص والحركات والمنظمات التي يحتمل أن تكون مصدرا لتطورات مقلقة. ومن هنا النزوع المفرط إلى التسلح وإلى التصعيد العسكري والتهديد بالذهاب في أي مواجهة لحدودها القصوى، بما في ذلك الحرب الشمشونية، علي وعلى أعدائي. وهذا وحده ما يفسر ما شهدته سوريا خلال الأشهر الماضية من قتل وتدمير وفتك بالمدنيين وتمثيل بالجثث واستعراض لشتى أنواع الوحشية. لا تعمل استراتيجيات الحرب الاستئصالية على قمع المعارضين ولكن على قتل فكرة الإنسانية في قلب أي فرد، وتلقينه قواعد التحرر من هويته واحترامه لنفسه وإنسانيته، وتعويده على محاربة كل من يذكره باستقلاله أو حريته أو كرامته، وإكراهه على أن يقوم هو ذاته بالتعقيم الروحي والنفسي والسياسي والإنساني لنفسه وبنفسه، تجنبا لخطر النكوص من جديد إلى حلم لن يجر عليه إلا الكوارث والمآسي.

يدرك النظام السوري اليوم أكثر من أي وقت مضى كم هو ضيق هامش مناورته السياسية والعسكرية، ويقاتل وظهره إلى الجدار، ويقامر على قاعدة الكل أو لا شيء. ولذلك لم تنفع التطمينات التي قدمتها المعارضة لأصحابه، ولن تنفع جميع مبادرات الحلول السياسية معه لأنها تعني بالضبط تعريضه للخروج من وراء دفاعاته العسكرية وتجريده من سلاح الترويع الشامل والمجنون الذي كان السبب الوحيد في بقائه حتى الآن. ولن يستطيع أحد، مهما قدم من وعود، أن يحرره من هاجسه العميق بأن أي اعتراف بالشعب، أو تنازل سياسي للمعارضة، يعني السير به إلى حتفه.

ولكن ماذا عن وحدة سوريا؟ وهل يؤثر زوال النظام عليها؟

يفترض السؤال أن الوحدة السورية ليس لها مقومات غير القوة وأن تفكك النظام القائم وزوال أجهزته الأمنية سوف يفجر الخلافات النائمة ويدفع إلى تفكيك سوريا نفسها.

ينبع هذا التفسير الذي يراود بعض المحللين من الاعتقاد أن سوريا لا تشكل شعبا واحدا وإنما موزاييك من الشعوب والقوميات والمذاهب والطوائف. ويفترض هذا التفكيك غياب أي بنية وطنية جامعة، على صعيد الفكر أو الثقافة أو السياسة أو المجتمع، وأن الاجتماع السوري تجميع وتلصيق لمجتمعات متعددة ومتنافرة. هذا أيضا ما يريد أن يوحي به النظام ليردع الجموع عن التظاهر والمغامرة بإسقاطه. إسقاط النظام يعني تفكيك سوريا المركبة كرها، بما يعنيه ذلك من فوضى واقتتال مستمرين أيضا.

هذا التحليل يتجاهل أمرين: الأول أن في سوريا الحديثة لها تاريخ طويل بدأ منذ القرن التاسع عشر، امتزجت فيه الثقافات والمجموعات البشرية المحلية وتفاعلت وخاضت معارك مشتركة داخلية وخارجية، وكونت جماعة وطنية ووعيا ومشاعر مشتركة بالانتماء إلى شعب واحد. ولم تتجل حقيقة هذا النسيج الوطني في أي وقت كما تجلت خلال الأشهر الطويلة من الثورة التي طبعها شعار: واحد الشعب السوري واحد، لرفض أي تمييز أو تقسيم. والثاني أن سوريا لم تولد في الفراغ وإنما قامت انطلاقا من كتلة بشرية حضارية قديمة تشترك في الثقافة والتاريخ واللغة، وتتطلع إلى أن تكون جزءا من حضارة عصرها، ولم تدخل الطائفية في قاموسها الوطني إلا في عصر النظام القائم الذي حاول أن يعوض عن فقدانه الشرعية وحاجته إلى قوة قمع ضاربة تخضع الشعب وتضمن تجريده من حقوقه، والذي وجدها في تعبئة العصبية الأهلية ما قبل الوطنية وما تحت السياسية.

بمعنى آخر، التقسيم الطائفي هو جزء من استراتيجيات الإقصاء والترويع التي استخدمها نظام نخبة عنصرية أو نصف عنصرية، ولن يزول إلا بزواله، حتى لو أن هذا سيأخذ وقتا نتيجة للمخاوف العميقة التي ولدتها لدى الأطراف المذابح التي شهدها السوريون بدفع من النظام وتخطيطه وترتيبه. لكن لا نبالغ إذا قلنا إن الدفع في اتجاه قطيعة داخل النخبة الوطنية على أسس طائفية قد فشلت حتى الآن، بعد ما يقارب السنتين من الحرب.

وأما تخوف الأقليات أو ضعف مشاركتها في الثورة فليس له أي علاقة بمطالب تقسيمية أو انفصالية، ولكنه يعكس وقائع سوسيولوجية مشتركة في كل المجتمعات، وهي أن الأقليات بسبب هشاشة موقعها في التوازنات المجتمعية، ميالة، في كل مكان وزمان، لتجنب الانخراط في الصراعات الأهلية إن لم تكن مستهدفة بالذات، وهي تنزع إلى المسالمة والحياد بانتظار أن يحسم الصراع وتهدأ الأجواء. وحتى عندما تتعرض لهجومات تفضل الأقليات في الغالب الرحيل والهجرة إلى سماء أرحم على الدخول في معارك حاسمة تعرف أنها ستخسر فيها الكثير على جميع الأحوال. أما في الجزيرة السورية، حيث نمت روح قومية خاصة، فالأكراد أنفسهم يؤكدون تمسكهم بوطنيتهم السورية ووحدة أراضي الجمهورية وسيادتها، رغم أن بعض حركاتهم السياسية وأحزابهم تطمح إلى تطوير نوع من الحكم الذاتي الإداري في المدن التي يشكلون أغلبية فيها.

لن يكون هناك لا تفكيك ولا تقسيم لسوريا الوطن والشعب. ولن يسمح الشعب السوري بذلك، في كل الطوائف والقوميات. في المقابل، لن يكون من الممكن القضاء على الاحتقانات والمخاوف وربما بعض النزاعات الطائفية إلا بالنجاح في بناء دولة ديمقراطية وتثبيت حكم القانون. ويبقى التحدي الأكبر للسوريين انهيار مؤسسات الدولة والدولة ذاتها وبالتالي انتشار الفوضى وغياب السيطرة الذي يزداد كلما تأخر الانتصار. والسبب أن النظام قد جوف مفهوم الدولة وأغرقها ومؤسساتها بروح الولاء والعصبية الخاصة حتى أصبح القضاء على نظام الولاء وعصبية السلطة القائمة يهدد استقرار واستمرار المؤسسات، الأمنية والعسكرية منها بشكل خاص. بالإضافة إلى أن النظام في ابتزازه الشعب بحرب الإبادة والدمار وحرق البلاد كما تقول شعاراته، يقوم بتدمير منهجي للبنية التحتية ومؤسسات الدولة مهددا بترك الشعب السوري في أزمة طاحنة مفتوحة على كل أنواع الخراب والفوضى في المستقبل. ومن المعروف أن الحفاظ على مؤسسات الدولة من الانهيار والتركيز على سلمية الثورة وغياب أي فكر انتقامي كان الحافز الرئيسي لدى أغلبية المعارضة، منذ البداية، لتقديم خيار الحل السياسي الذي لا يبدو أن له أي فرصة من النجاح بعد الآن.

*

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *