على مايبدو , فان الثورة السورية عملاقة !
من المؤسف فقدان الكثير من “العلمية” في النظرة الى احداث العالم العربي الأخيرة , والتي سميت الربيع العربي , معظم من اراد تعريف الحدث , انطلق من موقفه السياسي ,الذي تحددهة عوامل بدائية , مثل الانتماء الطائفي أو العشائري أو الامتيازات(قسر مادي), وفيخيار تحديد الانتماء برهن الانسان العربي عننقص شديد في امكانيته ممارسة حريته الشخصية , التي تلاشت أمام حالات قسرية اضافية كالانتماء العائلي , الذي يفرض نفسه على الموقف السياسي للفرد ,وذلك بغض النظر عن كون هذا الانسان يريد هذا الموقف أم لايريده ..من هنا نفهم أحد اسباب الربيع العربي , ألا وهو فقدان امكانية ممارسة الحرية الذي يعني تلقائيا العبودية .
عودة الى النظرة للحدث , من عارض الربيع العربي , رفض تسميته بالثورة , الا أنه تقبل اسم الانتفاضة , ظنا منه على أن الثورة شيئ أسمى من الانتفاضة , وجهلا منه على أن الحديث عن الفرق بين الثورة والانتفاضة لايمكن ان يتم دون مراعاة العامل الزمني , وهذا العامل الزمني هو عادة سنين أو حتى عشرات السنين , فالعامل الزمني لدى الثورة الفرنسية وصل الى مئة عام , أي انه ليس بالامكان تقييم النتائج قبل فترة طويلة نسبيا من الزمن .
حدث التغيير شبه الشامل بعد هذه الفترة بشكل واضح , عندئذ نسمي تراجعا retrospct الحدث ثورة , لم يحث التغيير بشكل واضح , عندها نقول على أنها انتفاضة فقط أو حراك ..اللخ
لايوجد شك في أن تقييم الأحداث تم في معظم الحالات باستخدام المناهج القديمة في تعريف الثورات , , وتسارع الأحداث في العالم العربي لم يسمح بالبحث المستفيض عن مناهج ومعايير جديدة يمكنها من تقييم تلك الأحداث . الثورة هي تغيير مفاجئ وأساسي , بغض النظر عن شكل ا واسلوب قيامها , حدث مصر عام 52 هو ثورة , لأنه ترافق مع تغييرات عميقة في المجتمع المصري , وأحداث ايران عام 79 هي ثورة للسبب ذاته , وذلك على الرغم من الفرق الكبير بين انقلابية عبد الناصر وبين جماهيرية الخميني , وبغض النظر عنكون التغيير سلبي أو ايجابي بنظري أو بنظر آخر .
ثم هناك المعلم الذي يلم بكل علم حتى بعلم الثورات , يلقي خطبا في دور الأوبرا وينظر قائلا ان مايحدث في جمهوريته ليس بثورة ولا بانتفاضة , انما غزو من عصابات مسلحة تريد القضاء على انجازاته الرائعة , غزوة دون قائد ودون فكر سابق أو تخطيط , وهي أشبه بالعصيان المسلح اللاشرعي والذي يريد الانتقاص من شرعيته الدستورية وغيرذلك من التفاهات الفكرية , متجاهلا على انه أيام الثورة الفرنسية لم يكن هناك شبكة عنكبوتية , وكذلك ايام الثورة الروسية , وفي تلك الأيام لم يكن هناك زمرة من الرؤساء النصابين اللصوص , من الذين أكرهوا البشر باعتبارية الرئاسة وبأشخاص الرؤساء , ولم يقرأ الرئيس اطلاقا ماكتب في عشرات السنين السابقة عن لاشرعية الوضع وفساده , الذي يمثل شرعنة مسبقة لكل عمل يقود الى تغيير هذا الوضع ..معارف السيد الرئيس محدودة , الا أنها بالواقع تمثل النظرة الشعبوية الفلاحية القاصرة لتلك الأحداث العظام , وقد حكم على الحدث وتسميته قبل أن يجوز له اطلاق هذا الحكم .. انه اله وعارف الغيب لذا لايمكن مؤاخذته على هذه الهفوة الأرضية , لقد تجاهل غباء عامل الزمن , وتجاهل غباء وضع جمهوريته الذي بلغ القمة في انحطاطه , ثم تجاهل الحقيقة التي تقول على أن الثورة تغيير فجائي وشامل , والوضع السوري هو من الأوضاع القليلة في العالم , والتي لا يمكن لها أن تتعايش مستقبلا الا مع شمولية التغيير.
والرئيس نفسه يدعي حدوث تغييرات كبيرة ..قانون الأحزاب ..المادة الثامنة ..دستور جديد.. ادارة محلية ..مكافحة الفساد, وهذه التغيرات وحدها كافية لأن نطلق على الحدث اسم “ثورة” , حتى تحت اشراف الرئيس الثائر ,كل ذلك يفترض كون التغيرات حقيقية وليست للاستهلاك الدعائي , ولا يخلو الأمر مما هو حقيقي , مثلا النطق بكلمة “معارضة” من فم الرئيس , وفي عام 2010 كانت كلمة معارض تهمة , ولاشك أيضا بأن المادة الثامنة زالت نظريا ,وانهاء وجود المادة الثامنة عمليا يحتاج الى عامل الزمن ..بشكل أو بآخر يمثل الحدث السوري ,حتى في هذه اللحظة المبكرة جدا , حدثا ثوريا بامتياز , وسقوط الأسد ثم التغير الحقيقي باتجاه ديموقراطي تحرري سوف يجعل من هذه الحد ث , ثورة عملاقة , ولا حاجةى للانتظار سنين حتى نسمح لأنفسنا بتسميته “ثورة ” انه ثورة حتى قبل قبل سقوط الأسد.
لو اخذنا مايسميه الدستور السوري بثورة الثامن من آذار المجيدة , فلا يمكن تسمية ذلك بثورة , لأن المتغير الوحيد عام 63 كان اسم العسكر مقارنة بعام 61 , الوضع عام 1970 تغير , وترافق مع تغيرات اساسية في المجتمع ..تسللت الطائفية الى السلطة وكذلك الفساد والعائلية وبالتدريج تم القضاء على حزب البعث الى أن وصلنا الى وضعنا الحالي , بالرغم من التغيرات العميقة في المجتمع بعد عام 1970 , لايمكن الحديث عن ثورة 1970 , ذلك لأن هذه التغيرات حدثت خلال وقت طويل نسبيا , وهذا هو أحد الفروق بين الثورة والتغيير , التغيير متدرج وبطيئ وليس كلي تقريبا , بينما تعرف الثورة عنصر المفاجأة والسرعة والتغيرات العميقة في المجتمع , والتي يمكن لها أن تكون سلبية, ومن هنا فمفهوم الثورة إذا اتفقنا على كونه تغييرا مفاجئ للواقع وإحلال واقع جديد مكانه ليس بالضرورة أن يكون الجديد نافعا ، وإنّما قد يكون ضارا ويعود بالمجتمعات الى الوراء النسبي ، مثال التجربة الناصرية في مصر وتجربة الإسلاميين في ايران وتجربة القذافي الليبية ….
باختصار , الثورة تغيير مفاجئ وشبه شامل , بغض النظر ادواتها وطرق تنفيذها , وشمولية التغيير تتعلق بالوضع السائد قبل الثورة , وكلما كان الوضع مترديا , يصبح التغيير شاملا , والوضع السوري قمة في التردي , لذا فان تغييره يجلب أن يكون شاملا , ووسيلة التغيير تسمى عندئذ “ثورة”