يجب أن يعرف من لايريد تقسيم سوريا , على أن سوريا لم تعد موحدة من جهة , ومن جهة أخرى صعبة التقسيم ثم ان تقسيمها ضروري , ولو كان من السهل تقسيم سوريا لما بقيت سوريا لحد الآن شكليا متحدة واحدة , تطور الأحداث جعل من تقسيم سوريا أمرا ضروريا وملحا , بشرط ان يكون هذا التقسيم فعالا في احلال السلام في المنطقة , ايجابيات التقسيم تندثر , اذا كان التقسيم بداية لتقسيمات وحروب لانهاية لها , السعي للتقسيم “الصحي” أصبح ضرورة , والتقسيم الصحي , أفضل من الوحدة المريضة .
التقسيم هو أصلا جغرافي وبشري اجتماعي , والانقسام البشري الاجتماعي في سوريا هو على درجة كبيرة من التطور , الذي يحتضن العداء بين السنة والعلويين ,كل جهة تنفر من الأخرى وتناصبها العداء , وحتى علاقة الجوار أصبحت صعبة بين الفئتين , لذا فقد أصبح التقسيم الجغرافي ضرورة ملحة وواجب تجاه الغير والذات , القتل على الهوية ليس تعبير عن الوحدة التي اندثرت , ولم يبق الا الكره والرفض , وهل يستطيع الكره والرفض احتضان “وحدة” ؟, عذاب الفراق أسهل من عذاب العداء !, فالى الدولة العلوية والسنية يا اخوان ويا اخية !,
الا أن انجاز التقسيم الجغرافي والديموغرافي ليس بيد من يهتم بهذا التقسيم ,وانما بيد النظم الدولية , التي تفرض الوضع الذي تريده , والأمثلة على ذلك كثيرة , منها دولة جزيرة قبرص المنقسمة عمليا , الا أنها غير مقسمة حسب القانون الدولي , العالم لم يعترف بقيرص الشمالية , ولا تمثل قبرص الشمالية الا تجمع سكاني ذو أصولب تركية , انها مستعمرة تركية لا أكثر ولا أقل .
السؤال هو التالي , هل للمجتمع الدولي أي مصلحة بدولة علوية ؟ لا أحد يعرف ذلك تماما , هناك انطباع عام , وهو ان المجتمع الدولي لايرغب بدولة علوية في الوقت الحاضر, مع العلم على أن أن اسرائيل ترغب جدا بقيام دولة على أساس ديني , لأن ذلك يساعدها على تحويل اسرائيل رسميا الى دولة دينية , مع مايتبع ذلك من تطورات , مثلا تهجير غير اليهود من اسرائيل ..الخ ,
قيام دولة علوية يعني قيام دولة سنية , وهذا يعني بشكل آخر استقطاب الدولتين للمتطرفين من الجهتين , وهذا يعني بكلمة أخرى نزاع دائم , النزاع يولد من رحم التطرف , ولا مصلحة لأحد الآن بحروب لانهاية لها في هذه المنطقة , والرفض الدولي لذلك موجود بالرغم من رغبات اسرائيل المعاكسة .
قيام دولة علوية سيجعل قيام دولة كردية أو درزية أمرا منطقيا , تعداد الأكراد أكثر من تعداد العلويين , والأكراد يتواجدون بكثافة في منطقة جغرافية خاصة بهم , لذا ستكون لهم دولتهم , وهذا الأمر سوف لن يقتصر على سوريا , وانما سيجد رديفا له في لبنان والعراق ,حيث من المتوقع حدوث نفس الاختلاطات , التي لايريدها المجتمع الدولي آنيا .
نظرا لوضع اسرائيل ورغبتها في ان تكون صبغتها رسميا يهودية , وقيام دولة علوية يمثل قدوة لها ويعطيها الكثير من التبريرات أمام المجتمع الدولي , وأصلا فان اسرائيل هي المرشحة الأساسية لرعاية هذه الدولة . كما كان الحال مع دولة جعجع في لبنان , الا أن الثمن الذي االذي ستدفعه من أجل ذلك باهظ , ولا يتناسب مع منافع هذه الدولة , وحال روسيا مشابه , منافعها من هذه الدولة أقل من ضررها من هذه الدولة , وحال أمريكا , أي المعسكر الغربي, مشابه , لذا فان قيام هذه الدولة الضروري سوف لن يكون بالأمر السهل , وهنا أكرر , لااعلاقة لامكانية قيام هذه الدولة بالضرورة الاقليمية ولا برغبة الشعوب , وانما بالمصالح الدولية الكبرى.
اضافة الى ذلك توجد في سوريا طوائف وقوميات أخرى , وحتى في المناطق العلوية يوجد 40% من غير العلويين , فكيف سيكون التعامل معهم ؟ , واذا برر الأسد تسلطه بحماية الأقليات في الدولة السورية , أقلية تحكم من أجل حماية الأقليات , فكيف سيكون وضع الاقليات في الدولة العلوية , هل عليهم تسلم زمام الأمور لحماية الأقليات في الدولة العلوية , ولما أصبح القتل على الهوية , فكيف سيصبح حال مليون علوي في دمشق وحلب ؟واذا تقزمت ضرورة هذه الدولة العلوية لتأخذ شكل المنفى الآمن للأسد وحاشيته , فما هو موقف الطائفة العلوية منه ومن حاشيته ؟ سوف يسأل العلويون في دويلة الأسد العلوية عن المغزى من مقتل ابنائهم , وسوف لن تكون للأسد في الدولة العلوية امكانيات للسرقة كما هو الحال في الدولة الأكبر , اضافة الى ذلك فان فلسفة الفساد في قيادة الدولة سترافقه حتى الى القرداحة , والأسد الذي استعبد كل من ليس علوي , ماذا سيفعل في الدولة العلوية , هل سيستعبد السنة الأقلية أو المسيحيين في الدولة العلوية ؟
لقد أصبح الأسد شبيها بالقدر , فهو سيحكم ان كان أقلية أو أكثرية , وهذا الأمر هو من أهم المصاعب أمام قيام دولة علوية , الأسد كان المسبب للتفكير مجددا بدولة علوية , والأسد نفسه هو من أهم العراقيل في وجه هذه الدولة , فمع الأسد سيكون مصير هذه الدولة أسوء من مصير الدولة السورية معه , وذلك بفعل عامل الفساد والادمان على الاستبداد , سيأخذ معه خبرته وفلسفته وطرق حكمه , ثم شبيحته وأمنه ومخابراته والزبانية أيضا وسيحكم كما حكم في سوريا , وسوف لن ينتظر العلويون نصف قرن للتخلص منه , وبعد التخلص ولفراق سيكون هناك لقاء, وستعود سوريا الى خمسينياتها والى ديموقراطيتها المغتالة , والتاريخ سيسجل بخط أسود معالم المشوار السوري مع الأسدية , مشوار قاتل ولا ينصح بتكراره .