خطاب تعيس !

لقد قيل الكثير حول خطاب الرئيس بشار الأسد  مطلع هذا العام , هناك من اعتبر الخطاب  خطاب نصر  وهناك من اعتبره خطاب هزيمة ,  الا أن أشد ماقيل في  مديح الخطاب  هو أنه خطاب سيصنع تاريخ العالم  , وبعد هذا الخطاب  , الذي بذل الأسد جهدا كبيرا في قراءته  بسبب  اشكالية  التشكيل  حيث قلب الرئيس احيانا الفاعل الى مفعول به  وبالعكس , في اليوم التالي أصبح الخطاب مطبوعا , وأصبح بالامكان  التعرف بشكل  أفضل  على  مضامينه   وبالتالي تقييمه , هل كان خطابا  لصناعة تاريخ العالم  أو انه كان خطاب  من الخطابات الملقاة على مزبلة العالم ؟. الخطاب ليس للتسلية  ومضيعة الوقت  , وانما هو عبارة عن رسالة  تتضمن مشروعا , والمشروع يتضمن حلا  أو خطة طريق  لحل مشكلة عالقة…

انقضت أسابيع على  خطاب صناعة التاريخ  وعلى خطاب النصر ,دون  الشعور  بوجود اي صناعة للتاريخ  , وصناعة التاريح تعني هنا  حل المشكلة بشكل ما , ودون الشعور  بانتصار طرف على الآخر , وبعد الخطاب الذي  تميز  بالكثير من  التهديد والوعيد   تطورت الأمور باتجاه الأسوء , وما قاله السياسي المسن  وذو الخبرة الأخضر الابراهمي  حول الخطاب  , يلخص تأثير هذا الخطاب على  تداعيات  الأزمة السورية , فالأخضر الابراهيمي  قال على انه خطاب مخيب للأمل  , خطاب ساهم في تعقيد المشكلة  وليس في حلها , وهكذا كان  رأي العالم ماعدا روسيا وايران .

بالنتيجة لم  يحل الخطاب أي مشكلة , بل سبب مشاكل جديدة , أي انه خطاب خاو وخال من أي مضمون  ايجابي  , وهذا يعني على أن  الخطاب  هو ساعة من الثرثرة  الضارة , ومن  نوعيته  تعرف مزابل التاريخ  عشرات الألوف .

من المستحسن التنويه الى بعض معالم القمامة في هذا الخطاب  , الذي بدأ موصفا حالة الكآبة في البلاد  ,  يتمظهر الرئيس هنا  وكأنه مراقب غريب  ولا علاقة  له  بأسباب الكآبة ,مع انه  هو شخصيا المشكلة , هو الكآبة  ومسبباتها  ,   هو المزور  أيضا , الذي قال  على أن  الصراع  ليس بين السلطة والمعارضة , وانما بين الوطن وأعدائه , وهكذا صنف هذا الرئيس من يعارضه  , والمعارضة هي أصلا  صراع , على انها عدوة  للوطن  ,أما  الأسد فهو الوطن , وهل يمكن  لثرثرة أن تكون أفظع من هذه الثرثرة .

بصيغة الجزم  قال الرئيس  :” قتلوا المدنيين والأبرياء  ليقتلوا النور والضياء في بلدنا ” هم  قتلوا  وهو لم يقتل أحد , هم ..اي المعارضة , الا أنه  للجهات  القضائية الدولية  رأي آخر, وقريبا  ستصدر اضبارة  الاتهام  بحق الرئيس  وأعوانه , والتهمه المتوقعة هي  تهمة الاجرام بحق الانسانية ,   القتلة ليسوا  “هم ” وانما “انتم”  يافخامة الرئيس ,

الرئيس ينتقل الى  ممارسة الفصام  , حيث يتهيأ له  وجود ماهو غير موجود , قال : في البداية ارادوها “ثورة” مزعومة  , فثار الشعب عليهم  حارما اياهم  من حاضنة شعبية  أرادوا فرضها بالمال  والااعلام والسلاح  ..وفشلوا , ومن منكم يعرف شيئا عن الثورة التي اندلعت ضد الثورة  “المزعزمة ” والثورة ” المزعومة هي الثورة , التي نحن الآن في سياقها , من قام بهذه الثورة المضادة ؟؟ لربما يقصد الرئيس  الشبيحة  كثوار ضد الثورة السورية  المزعومة ! لا أعرف …من يتحدث عن ثورة مضادة يهذي , وحقيقة  من الممل متابعة هذيان الرئيس , والنقاط التي أوردتها هي من مقدمة الخطاب ,لاحاجة للتعرض لكل ماجاء في الخطاب  , انه  ذات الأسلوب , الذي لايعرف الصدق والحقيقة .

كلمة عن  اختيار الرئيس لدار الأوبرا كمكان لالقاء خطابه , هذه الواقعة ذكرتني  بأغنية لبنانية تقول  في جملة من جملها .. “والعنزة الجربانة  مابتشرب  الا من راس النبع ” وهل  يتلائم انحطاط   الخطاب  وقارئه وجمهور قارئه من الشبيحة  مع سمو الفن والفكر في دار الأوبرا , هل يمكن تصور قطيع قطاع الطرق من الشبيحة  في القاعة ,وهم ينطربون  على بافاروتي أو ماريا كالاس ,  أو يشاهدون مسرحية البؤساء لفيكتور هيجو, التي تقول في مقطع قصير منها :
Bring him peace
Bring him joy
He is young
He is only a boy

كل ذلك صعب التصور , كما انه من الصعب تصور امكانية تحول خطاب  الانحطاط ..خطاب التهديد والوعيد وخطاب  الكذب والتزوير , الى خطاب الحضارة والصدق  لمجرد القائه في دار الأوبرا ..انتقاء تعيس لمكان القاء خطاب أتعس

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *