الأسدية والتيارات المذهبية
اعلام الأسد يعلن بصريح العبارة , على أنه لايريد دولة اسلامية , وسيمنع قيام دولة اسلامية حتى بالقوة , وأنا أيضا لااريد دولة اسلامية لابالشكل الأفغاني أو السعودي أو غيره من الأشكال كالشكل الايراني ,اريد دولة مدنية علمانية ديموقراطية , والارادة وحدها لاتكفي , يجب قرن هذه الارادة بالعمل الفعال المجدي , وأي عمل يقود الى نتائج معاكسة , هو عمل هدام ويجب الابتعاد عنه فورا والبحث عن طرق أخرى للوصول الى الهدف المرجو . لنأخذ جهود الأسود في نصف القرن الماضي , ولنفحص هذه الجهود على فاعليتها وعلى صدقها أيضا .
فجهود الأسود التي بدأت تقريبا عام 1963 قادت الى عكس مايعلنون عنه , فبدلا من اضعاف التيارات الدينية والمذهبية مقارنة بالخمسينات , ازدادت قوة هذه التيارات , شيعيا وسنيا وعلويا , وذلك بالرغم من مجازر الأسد عام 1982 , وبالرغم من مجازر تدمر وصيدنايا وبالرغم من المادة 49 في الدستور التي تنص على تطبيق حكم الاعدام على كل من ينتمي الى حركة الاخوان المسلمين وذلك بشهادة شاهدين , فما هو سبب ذلك ولماذا لم تفكر الأسدية في تغيير الأسلوب ليصبح تحقيق الهدف ممكنا ؟ .
حقيقة هناك التباس حول تعبير “دولة اسلامية ” , فالمقصود هنا في الواقع “دولة سنية” أي ان الأسد لايريد دولة سنية , وهانحن الآن أمام تيار سني قوي شعبيا وعسكريا , فما سبب ذلك ؟ .
تقوية التيار المذهبي السني , الذي بلغ درجة متعاظمه , يعود الى كون هذا التيار هو تيار رد فعل ,و الأسدية التي لاتريد دولة اسلامية أو بالأصح دولة سنية , قامت بانشاء دولة علوية ولمن يتحسس من كلمة “علوية” أقول دولة” أسدية ” والسلطة بالواقع هي أسدية أكثر منها علوية , والأسدية تمثل دينا جديدا , وهذا الدين هو عبارة عن خلطة شيعية -علوية سياسيا , أي أنه يربط الدولة سياسيا بمحاور وتحالفات على أساس شيعي-علوي أو بالأحرى “أسدي” , وفي الحياة العامة مدني بعض الشيئ , والفرق بين حزب الله مع الشيخ نصر الله ,وبين الأسدية مع االشبيح بشار الأسد , وبين الخمينية مع الملالي , يمكن اختذاله بالفرق بين الجلابية والبدلة الرسمية , انه تحالف على أساس مذهبي واضح جدا .
السنة التي تشكل أكثرية مذهبية في سوريا راقبت الوضع , ووجدت على أن أقلية علوية أو حتى أسدية تسيطر على البلاد وتنهب البلاد وتعيث فيها فسادا , ولم تكتفي بذلك , وانما تحتكر حكم البلاد الى الأبد ..الأسد الى الأبد , وتهدد من يعارض مشاريعها المستقبلية ..الأسد أو نحرق البلد , ثم انها تنظر الى الأسد نظرة تأليهية عدمية ..الأسد أو لا أحد , ومن انتظر استسلام السنة الذين يشكلون 70% من سكان سوريا تجاه هذا الوضع فقد أخطأ ,لاتستسلم أقلية بتلك السهولة , فكيف حال أكثرية ؟.
تقوية التيار السني هو نتيجة لسياسات الاسد العلوية -الشيعية -الأسدية , وهو نتيجة لسياسات أسدية أخرى , مثل سياسة القضاء على كل تطور ديموقراطي في البلاد , فالديموقراطية وحدها قادرة على القضاء علىى التيارات الدينية المتزمتة , والتدين لاينمو في الأجواء الديموقراطية , التدين ينمو في الأجواء الديكتاتورية وفي أجواء عبادة الفرد , وأجواء بشار الأسد هي أجواء تأليهية نعبدية استعبادية , والتأليه الى جانب التعبد والاستعباد هو من صلب الأديان , لذا يمكن القول على أن الأسدية هيكليا هي حركة غيبية دينية أو كالدين , لها اله ذو سلطة لاحدود لها , وهو للأبد , ولا أحد يشبهه أو يستطيع أن يحل مكانه ..هو أو لا أحد, وقيمته الهية ..ولا تقدر بثمن فمن أجل بقائه نحرق البلد .
من أسباب تقوية التيارات الدينية المذهبية , كان تحويل المكون العلوي الى طائفة , طائفة لحماية الأسد , وليس الأسد لحماية الطائفة , وهذا التحول شجع الفئة الأخرى على انتهاج تقوقع مشابه , أي أن ضرورة حماية الأسد خلق جوا من الاستقطاب الطائفي ,والتقوية الطائفية , يظن العلويون على أنهم أقلية , الا أنه باستطاعتهم التحكم بالآخرين , انهم يملكون السلاح والخوف والأسد , والفئة الأخرى تظن على أنها تستطيع تغيير الحالة لصالحها , انهم يملكون العدد والسلاح من الخارج والله ..كل ذلك هو تحضير بارع لحرب أهلية وقعت وقتلت ودمرت وقسمت وشرذمت ولا تزال .
يمكن تعداد الكثيرمن العوامل التي قادت الى حالة التطيف والطائفية في سوريا , وكل هذه العوامل تصب في خانة الأسدية , هي التي أوقعت البلاد في هذا المطب , جهلا ! وأنانية ! وشراهة مادية !واجرامية ! قصر نظر ! ..الخ ! الأسدية هي المسؤولة تاريخيا عن انحطاط البلاد وتأخرها , ولا سبيل لأي انقاذ للبلاد لطالما هناك أسدية , ولا سبيل لانقاذ حزب البعث أيضا لطالما هناك أسدية ,وحزب البعث ضروري بشكله النظيف للحياةالسياسية .لاديموقراطية ولا حرية مع الأسدية , ومع الأسدية يمكن أن تنفرط الدولة السورية وتندثر وتتصومل , والتطور باتجاه الصوملة بدأ بشكل واضح فما العمل ؟