ولماذا ايران تحديدا؟

يقول الخبر: “أعلن وزير الخارجية الإيرانية علي أكبر صالحي أن “طهران لن تسمح بفرض حلول خارجية على سوريا”. ونسبت وكالة “مهر” للأنباء الى صالحي قوله على هامش جلسة مجلس الوزراء “فليعلم الجميع، ان إيران لن تسمح بفرض حلول أجنبية من الخارج على سوريا”. وأضاف “ان المبادرة الإيرانية ذات البنود الستة، هي الحل الوحيد للأزمة السورية، ونأمل بأن نشهد تسوية هذه الأزمة بناء على هذه المبادرة، رغم ان الظروف صعبة”.

 

ثم يذهب وزير خارجية دولة الملالي إلى الأخطر في كل ما تقدم:

 

“…. وحتى لو فرضنا وصولهم الى السلطة، فإنهم لن يتمكنوا من الحكم على بحر من الدماء”

 

أولا: فيما يتعلق بنفاق صالحي وملالي طهران فهي واضحة لكل عربي، انتهازية ووصولية سياسية مستنبطة من عنجهية القرون البعيدة… فمن ناحية يقرر الايرانيون هكذا وبكل بساطة واستغفال للسوريين الثائرين وقواهم الوطنية، ولا يهمني الآن إن كان الأمر يمتد من هيئة التنسيق حتى الاخوان ، ولكأن سوريا مستعمرة بحق من ملالي طهران وقم وتريد لنموذجها السخيف في حكم سوريا أن يشبهها بعيدا عن اعجاب العلمانيين والليبراليين العرب بقوى بطش دينية متخلفة تحكم ايران الحضارة والشعب المهجر في كل مكان مع قمع لا مثيل له للأقليات غير الفارسية…

 

ثانيا: تعطي ولاية الفقيه لنفسها، وفقط بما أنني لم أرغب يوما في الولوج إلى النظرة المذهبية في العلاقات الداخلية الايرانية والخارجية مع الآخرين رغم تخصصي الأكاديمي بالدستور الايراني، كل الحق في التدخل في الأماكن التي تعتبرها تتبع لها مذهبيا… سوريا من الناحية الأخرى، وكما يقدمها “نظامها” ومؤيدوه ” قلعة العروبة” ثم مؤخرا ” قلعة العلمانية الأخيرة” ولا حاجة لنا الآن بمناقشة الاستنتاج بأن سوريا هي ” قلعة” و ” أخيرة”!

 

لكن المثير قول صالحي ( وهو لا ينطق بحرف سياسي دون العودة إلى الولي الفقيه او الاستدلال بمواقفه) بأن إيران لن تسمح بفرض حلول خارجية!

 

في الأصل ربما يعرف صالحي مثلما نعرف جميعا بأن الشعب السوري الذي خرج في ثورة الربيع العربي التي حورها الإعلام الايراني بكل اللغات وتوابعه إلى تسمية ” الصحوة الاسلامية” لم يكن لطلب حل خارجي إلا حين تمادى النظام في فاشيته حد تحوله إلى قوة احتلال لا تطاق، والبشر عادة لديهم ميول لسؤال اخوتهم في البشرية عن موقفهم من ذبحهم وبغياب القانون الدولي الانساني.

 

ثالثا: يذهب صالحي نحو القول المناقض تماما لما قاله سابقا بادعاء أن ما يسمى البنود الستة في المبادرة الايرانية هي الوحيدة الصالحة للحل في سوريا!

ولأحافظ على لغتي سأستخدم صفة العهر الصهيوني المتطابق مع العهر الذي يمثله الولي الفقيه في التفكير والمنهجية… ممنوع في القضية الفلسطينية تدخل حتى العرب ومبادراتهم السلمية والحل الوحيد هو ما يمليه الصهاينة…

فهل سوريا منطقة محتلة مثلا من ايران كالجزر الاماراتية؟! وهل شعب سوريا أصبح جزءا من فضاءات بلاد فارس كما تحول العراق؟!

 

هذه ليست أسئلة للمناكفة بقدر ما هي استشراف لما تريده ولاية الفقيه حين تظن نفسها حقا” سوبر باور” المنطقة من أفغانستان مرورا بالعراق وسوريا ولبنان وغزة… لكن في الحقيقة من يعرف ايران من الداخل يعرف أيضا أنها ليست على ما يرام لا في علاقة فوقية تشبه علاقة المستعمر بالمستعمر في كثير من المناطق وازدراء فاضح لقوميات كثيرة بما فيها العرب الأحوازيين الذين تمارس عليهم أبشع الممارسات بينما لا أحد عربي يتدخل لأجلهم في الوقت التي تفرد عضلاتها العمائم الايرانية في كثير من دول المنطقة عبر ادواتها ومنها حزب الله وبشار ونظامه.

 

يجزم إذا الإيراني برفض الحل الخارجي بينما في المقابل يكون أكثر جزما في أن خطته هي الوحيدة! ولكأن خطته داخلية سورية تعبر عن النسيج الوطني السوري وفسيفساء بنية المجتمع السوري القائمة قبل ولادة عهد آل الأسد….

 

رابعا: من أتى ب/واستحضر التدخل الخارجي في سوريا لم تكن القوى الثورية بقدر ما كانت حالة الفشل الذريع الذي وصل إليه نظام حكم أعطي كل الفرص لانهاء الثورة وفشل بكل ما تعنيه الكلمة من فشل… وخشية من هؤلاء المتدخلون على مصالح دولة الاحتلال ( والمذهل اليوم انكشاف ما كنا نعرفه عن الدور الوظيفي لحافظ الاسد في ضرب المقاومة الفلسطينية في اجتياح ١٩٨٢ وبوثيقة بريطانية تعهد بها حافظ بعدم التدخل بل والعمل على طرد المقاومة وشقها في لبنان) والخوف من أن الوقت المعطى لبشار ولد حالة لم تكن في الحسبان حين باتت سوريا كالمغناطيس الجاذب لجماعات فرخها النظامين السوري والايراني في لعبته القذرة في العراق ولبنان… ربما لا يعرف صالحي وخطيب الجمعة خامنئي بالشعار القائل: الطغاة يجلبون الغزاة! وصبيهم في دمشق سار بسوريا بهذا الاتجاه بل وأكثر منه حين تم بناء الدولة السورية لتكون آل الأسد وجيشهم الذي تبين أنه مجموعات من فرق موت وقذارات من المرتزقة الذين تربوا على ازدراء قيمة البشر والقتل والحرق بدون وازع لا عقائدي كما يدعي مطبلوا هذا الجيش وداعميه في موسكو وبغداد وطهران… ممارسات ستظل محفورة لفترة زمنية طويلة في ذاكرة السوريين وليس في ذاكرة من يرون سوريا مقاطعة روسية وايرانية، رغم ترهات الحديث عن السيادة الوطنية المنتهكة من اسفلها حتى رأسها منذ عقود..

 

خامسا: دعونا نقرأ بتمعن ما قاله صالحي “…. وحتى لو فرضنا وصولهم الى السلطة، فإنهم لن يتمكنوا من الحكم على بحر من الدماء”!

 

ماذا يعني ذلك؟

 

ببساطة ليس أكثر من إعتراف واضح بأن سوريا التي ينشد شعبها حرية أخرى غير موجودة عند ملالي طهران وقم وتوابعهم في المنطقة هي سوريا التي يريدون تحويلها إلى عراق آخر! وكل التساؤلات البلهاء في صحف الممانعة عن تشبيه مستقبل سوريا ونسيجها الاجتماعي والوطني بمآلات الحالة العراقية يعرف تمام المعرفة أي دور لعبه الايراني في العراق ومن الذي كان يرسل المتطوعين بالباصات ” للجهاد” في العراق بحق العراقيين تحت حجة محاربة الاحتلال الأميركي… وباتت قصة ” القاعدة” واحتضان ايران لها ليست بالسر الكبير…

في تصريح صالحي الأخير ثمة تهديد فظ قد لا يهم حجاج طهران ممن يسمون معارضة وطنية وديمقراطية ولكنه يهم كثيرا رجال استخبارات بلبوس محللين سياسيين كضيوف دائمين على محطات الجزيرة والعربية والمنار والميادين والعالم… هؤلاء باسم المؤتمرات يحجون إلى طهران… لكن ماذا يناقشون؟!

ما لم يتنبه الجميع إلى أن كل الدعائية السافلة عن تهجير المسيحيين واستهداف ما يسمى الأقليات ونسبها إلى الثوار هو مجرد تمهيد للحالة السورية القادمة وفضح دور النظام وأدواته في خلق الشحن الطائفي والمذهبي والمناطقي والقومي في سوريا فإن هؤلاء الصامتون خوفا من اتهامهم بالطائفية إنما يصمتون عما يحضره الايرانيون عبر مجموعاتهم الارهابية لفترة ما بعد انتصار الثوار في سوريا وجعل مسألة سقوط بشار قصة ندم عند السوريين وهو ما يشتغل عليه النظام بعصاباته وفرق موته وقصفه وجعل الحياة مستحيلة كمقدمة لما يبشر به تجار الدين في ايران!

 

ختاما، هذه التصريحات المشار إليها تتقاطع مع تصريحات روسية واماراتية واردنية والتوابع اللبنانية وسوريا يتولى جناح معين في هيئة التنسيق الترويج لها ليجري التمهيد للكفر بالثورة السورية ومن ثم زيادة الأمر بالتحذير من انهيار الدولة السورية باعتبارها مرتبطة بحكم المافيا وبدون بشار المورث وهو في سن ٣٤ سيكون السوريون عبارة عن يتامى… وإلا لم أفهم السياق الذي يتحدث فيه أكاديمي على قناة الجزيرة عن البديل لبشار!! ما معنى سؤال ثورة تقوم ضد حكم فاشي لعصابة واجهتها بشار وكأن المطلوب استبدال فاشي بآخر ليطمئن تحالف الغرب وايران واسرائيل والتوابع من بعض السذج العرب الذين يكررون ذات ما اقترفوه في الحالة العراقية…

 

ليس كلام صالحي مجرد كلام لا يرد عليه وخصوصا في التهديد الأخير عن بحيرات الدم التي يبشر بها المجتمع السوري، وهو مبشر صاحب خبرة تخريبية وارهابية معروفة في العراق ولبنان… وكل الهراء عن ” الأقليات” الصادر من ايران لا يقصد به ٢٠٠ ألف شيعي في سوريا لم يتعرض لهم أحد طيلة الثورة السورية بالشكل المنهجي الذي جرى التعرض للثائرين في قراهم ومدنهم وكل المصورات توضح ما نتحدث عنه… لكن أن يصدر هذا الكلام الحريص على الأقليات من طهران يستدعي التأمل العميق وخصوصا أننا لسنا سذج لنعرف سجل طهران مع ” الأكثريات” في إيران… أقول الأكثريات وأنا أقرف من هذه اللغة التي باتت مستخدمة في سوريا من ضمن أدوات النصب والاحتيال والتزوير والكذب عن الثورة السورية… فايران التي تقمع بكل الوسائل مكونات النسيج المجتمعي لا يحق لها أن تحاضر في السوريين عن دولة المواطنة التي تحترم الانسان وحقوقه بغض النظر عن خلفياته وثقافاته… ولا يجب أن تكون إيران التي أقامت المقاصل للثوار الذين ساهموا بطرد الشاه ثم مارست منذ الثمانينات تعليق البشر بتهم سخيفة وهجرت الملايين في أوروبا والأميركيتين واستراليا وحتى دبي، لا يحق لها أبدا أن تسوق نفسها لا مبادرة لحل ولا أن يسمح لمخططات تفجير المجتمع السوري ودفعه نحو التشظي والانقسام وهي التي مارست الأمر في فلسطين ولبنان والعراق واليمن وتتدخل بكل صفاقة لا ينتبه لها ضاحي خلفان في الامارات” العربية المتحدة”!

 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *