موضوعية التاريخ , من سيقتل القاتل ؟

الأحداث  السياسية تتوالى  ضمن  الية  تسمى “الموضوعية ” والموضوعية هي التي  تترجم حتمية التاريخ , ومن  حتميات التاريخ  الجديرة بالتحليل على سبيل المثال سيطرة الحركات القومية على الحكم في  العديد من الدول المستقلة حديثا ,كوصول حزب البعث الى السلطة في سوريا بالمقابل فان  انقراض حزب البعث  والاستعاضة عنه  بالشخص  , ثم   ملئ الفراغ الذي سببه غياب حزب البعث عمليا بالعشيرة  والطائفة ثم العائلة  وأخيرا الفرد  كان نتيجة موضوعية  لقصور حزب البعث   , على كل حال حل الشخص في النهاية مكان الجميع  , واستغل الجميع وأولهم حزب البعث , الى أن انتقل الى استغلال الطائفة  وتوظيفها في خدمته  لقاء بعض الفتات  الذي وزعه على البعض من أفراد هذه الطائفة , وتوزيع الفتات  ثم توظيف الآخر في الخدمة لم يقتصر على الطائفة العلوية ,النظام  رحب بكل زلمة من أي طائفة ..الا أن المراكز العليا والفتات الأكبر فقد خص عمليا  الأقرباء  والجيران  والعائلة , التي هي بحكم المولد علوية  ومن بلدة القرداحة .

اندلاع الثورة في سوريا هو من أكثر الأحداث موضوعية  وبالتالي حتميته تاريخية, من الصعب تصور حكم  شمولي ديكتاتوري  فاسد يستمر نصف قرن تقريبا , ونهاية هذا الحكم  الأسطوري  كانت معروفة حتى في يوم الثامن من آذار عام 1963 , ولد مريضا  اعوج وأعرج  ومشوه  , ولم يكن  بمقدور هذا الوليد المشوه  خدمة الهدف المشوه , الذي هو  معاكس  للمنطق والتاريخ   الا بزيادة تشويه الوليد , أقول تاريخيا معاكس  , لأن تطور الدولة  تحت ادارة  السلطة الأسدية  يعاكس المنطق  والموضوعية  ثم حتمية التاريخ , لقد كان على هذه السلطة ان تزول حتى في عام 1963 , الا أن  طريقة ادارة الأسود  للدولة  لم يكن غبيا  ,هذا اذا افترضنا  على أن الهدف هو  من الأساس هو تملك الاسود  للدولة والمجتمع  , اما اذا كان الهدف من  الادارة  هو  احراز التقدم  في البلاد ماديا ومعنويا وحضاريا  , فيجب القول  على أن الادارة كانت في منتهى الغباء  والفشل , لم يحدث الا التأخر في مجال الدولة , ولم يحدث الا التقدم في مجال العائلة  , والتقدم في مجال العائلة لايعني  الا الاثراء  المادي فقط , الذي ارتكبت العائلة من أجله ممارسة  الموبقات التي يعرفها كل سوري تقريبا , كل شيئ  وضع في خدمة الاثراء , الذي اتى عن طريق النهب والسرقة  , هدف منحط  وأساليب الوصول  اليه كانت أكثر انحطاطا , ولا لزوم هنا للتفصيل  , انما اريد القول  على أن الأسلوب الأهم  للوصول الى الاثراء كان العنف والاجرام الذي لايعرف التاريخ البشري مثيلا له , عنف واجرام  استطاع ان يعطل الحتمية التاريخية نصف قرن من الزمن ,  وتعطيل الحتمية لايعني  موتها   ,انها تعمل الآن  على تحقيق ذاتها  والأمر يحتاج  بعض الأشهر  وينتهي مفعغول  الداء والدواء الأسدي .

اذا كان اندلاع الثورة أمر موضوعي  وحتمي تاريخي  , وقد تأخر بفعل  العنف الأسدي نصف قرن من الزمن , فان  عسكرة الثورة  هي أمر موضوعي  وحتمي , ذلك لأن النظام الذي يعرف عنه الاجرام والعنف ,  استمر في اجرامه وعنفه  بعد ايام  من قيام أول تظاهرة ..اعلنها  على الملأ ..الحل الأمني  ,   حيث استمر  النظام   بعنفه واجرامه حتى في الشهر الثالث من عام2011  وبعد الثالث أيضا ,الأمن حكم واستبد نصف قرن  , وما حدث بعد منصف  آذار 2011 كان  أيضا الأمن والحل الأمني  , الذي  احتكرالقتل وممارسة العنف .

من  أكثر الأمور موضوعية وحتمية  كان  تطور الثورة باتجاه العنف , لأنه من المستحيل التعامل مع سلطة من هذا النوع  سلميا, فالسلطة لاتعرف معنى لهذه السلمية  ولا تريدها أيضا , والدليل على ذلك هو  لملمتها  للمعارضة المسالمة وزجها في السجون ,ولم يكن ذلك  الا استمرارا  للممارسات التي كانت بدايتها  عام 1963 ,  من هنا  يجب القول , وبغض النظر عن موقفي الشخصي المعارض للعنف , على أن عنف المعارضة هو بمثابة حتمية فرضتها الموضوعية , الموضوعية تقول  على انه لاسبيل آخر للتحرر الا بقهر عنف السلطة  ,كيف؟, الثوار ليسوا تلاميذ المسيح  , ولو  وجد المسيح في سوريا عام 2011 ,  لكان أول  من اخترقه رصاص السلطة , وذلك بالرغم من تقديمه الخد الآخر للصفع ..السلطة لاتفهم  هذه  القيم , التي لم تترب  عليها  ولم تمارسها  طيلة نصف قرن من الزمن .

اذا كان العنف هو حتمية  لمسلكية الثورة ,  فان ولادة الجيش الحر في  زمن قياسي في قصره  هو حتمية أخرى  , ولادة الجيش الحر  هو  أمر تفرضه الموضوعية   , والأكثر موضوعية من ذلك  هو تقليد  اساليب السلطة في توظيف العنف , ومن أين  للثوار ممارسة  أساليب أخرى , كلهم ولدوا تقريبا  في السنين الخمسين الأخيرة  , وماذا تعلموا من السلطة الأسدية الحاكمة ؟ فالمعلم لم يكن السيد المسيح , وانما كان رفعت الاسد وحافظ الأسد وبشار الأسد وملحقاتهم من  الشبيحة والفرقة الرابعة وسرايا الدفاع   وفرق المدا همة  ومخابرات االقوى الجوية , وغيرهم من حوالي 18 جهاز أمني  , ثم  اللجان الشعبية  ولجان نقابة العمال , كلهم مارسوا العنف والقتل والاستبداد وأسسوا له مدرسة , ولم تسمح السلطة الأسدية بممارسة الحوار  , والتمرن على ممارسة السياسة , لذافان سيطرت ثقافة العنف  على مجالات الحياة حتمية , ولا علاقة لها  بميول كاتب هذه السطور  أو برغبة البعض  المعارض للعنف , هؤلاء هم اقليات , الأكثرية هي التي  ذاقت مرارة العنف السلطوي   , فمن قتل ولده  , ومن سجن  وعذب  وخرج من السجن مشوها   لايريد  الا التعامل مع السلطة  بالمثل, والمثل هو  الكره والانتقام  وثقافة القتل , التي يمارسها خريجوا المدارس الأسدية , التي علمتهم هذه الفنون طوال نصف قرن,ممارسة الحقد والكره  ليست هواية ,  انما هي حصيلة “لتراث”ظالم وقاتم وبدائي ..حيواني في أحسن الأحوال ,  اما قيل   بشر القاتل بالقتل ؟ ومن سيقتل   القاتل ؟

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *