كم من الثورات تحتاج سوريا ؟

سوريا بحاجة الى العديد من الثورات , وأهم هذه الثورات آنيا هي ثورة للتخلص من الأصولية الاسدية , التي لاتقبل الرحيل طوعا , شأنها  شأن  الديكتاتوريات الدوغماتيكية  الأصولية الأخرى, التي  لاتتميز بالعقل والتعقل  , ولا تبدي أي  اهتمام بمستقبل  الوطن , وانما بمصالحها المادية المنحطة ,

ظنا منها على ان  الاشكالية لاتحل لصالحها الا عسكريا, قامت  بارغام المعارضة  على  التطور باتجاه العسكرة , وتعسكرت المعارضة  , الا أن تعسكرها  ترافق مع نفوذ متنامي للمجموعات الأصولية الدينية , التي طغت  على الأقل اعلاميا على الثورة  , وذلك بسبب  الأعمال الاستشهادية التي تقوم بها , والتي تلاقي  اهتماما أكبر من وسائل الاعلام .

مسؤولية نشوء تيار سلفي قوي ضمن صفوف المعارضة السورية تقع بشكل مباشر  وغير مباشر على السلطة , فاستخدام السلطة وسائل اجرامية  بحق المعارضة ..مثلا اطلاق النار على  المتظاهرين ..قصف المدن والأحياء بالطيران ..قطع الماء والكهرباء عن  الجهات المعارضة ..حصار المدن  ومنع  وصول الضروريات من غذاء  ومساعدة طبية للمحاصرين ..فتح الباب على مصراعيه لظهور مجموعات وفئات  تتسم بصفات السلطة  المتوحشة(الفعل ورد الفعل),  واذا كانت السلطة الأصولية مقتدرة على  تنفيذ  أحكام الاعدام الميداني , التي تنفذها الشبيحة بحق العشرات  , فان الأصولية  الدينية  قادرة على القيام  بنفس الوحشية .., التي هي من أهم سمات  الأصوليات,  السلطة لم تترك أي مجال أو امكانية  لعمل معارضة  سلمية  , والسلطة المنفلتة  اجراميا  لم تترك أي مجال  لمعارضة مسلحة منضبطة , الانفلات  والوحشية  هم  المعالم الأساسية للصراع الحالي  , والذي  تقوم به سلطة أصولية  ومعارضة أصولية .

وداويها بالتي هي الداء !!,ليس بامكان أي قوة داخلية سلمية  أن تصمد امام سلطة متوحشة , والدواء كان  الأصولية المذهبية , التي  تتعامل مع الأصولية السلطوية  حسب مبدأ العين بالعين , والسن بالسن , الوحشية بالوحشية  والكره بالكره ..الخ , لذا كان بامكان  المعارضة  الأصولية المتوحشة أن تفرض نفسها على  مسرح الصراع , الا أن تزايد وجودهذه الوحشية  , الذي يعكس  وجود السلطة  المتوحشة  قد يصبح مشكلة  , الا أنها مشكلة أقل وقعا من مشكلة السلطة المتوحشة  المتجذرة منذ نصف قرن .

وما سيحدث في سوريا  حدث في ليبيا ومصر وتونس  حيث اتى تيار ديني محافظ يمثل اقلية برلمانية في ليبيا  وحوالي 40% من برلمانات مصر  وتونس في انتخابات حرة , ولا يمكن التحدث  هنا عن كارثة  في البلدان الثلاثة,  فلا شريعة اسلامية  ولا مذابح مذهبية كالتي في سوريا الآن ,  وبغض النظر عن  أمور شكلية  لم تتحول هذه الدول الى أفغانستان , وفي الانتخابات المقبلة  (في تونس بعد عدة أشهر ) سينزلق  التيار الديني الى نسب تتراوح حول 20% , واذا جرت انتخابات حرة تماما في سوريا  فسيكون نصيب التيار الديني المحافظ (الاخوان) حوالي 25%  , كما قدر ذلك البيانوني , وفي تقديره الكثير من الصحة ,وهذه  النسبة ستنحدر  الى 10% في  انتخابات تالية..لاخوف منهم اطلاقا , والديموقراطية المتوقعة في سوريا  ستلفظ  الوحوش منهم  , كما لفظت وحوش  السلفية في مصر  وتونس وليبيا , الثورة الثانية الضرورية  في سوريا  ستكون  ثورة ضد الأصولية  , وأداة هذه الثورة ستكون الديموقراطية  وليست البنادق والمدافع والطائرات , التي جلبت أصلا هذه  الأصولية المتوحشة  على مسرح الصراع الداخلي .

بعد  نجاح الثورة ضد أصولية السلطة , وبعد نجاح الديموقراطية في  تحجيم  القوى  السلفية الأصولية  ونبذها  , ستكون هناك  ضرورة لثورة  ثقافية وسياسية  واتسانية  , ثورة  تؤكد  نبذ الانتقام  والكره  وتشعر كل مواطن بأنه  يخضع لمبدأ المساواة مع غيره , لا اقصاء  ولا  تمييز  ولا مادة ثامنة حزبية أو رئاسية  , بل مجتمع  تعددي  حر  وخاضع لقانون مدني  , حيث يعود رجال الدين الى ثكنات التعبد  , ورجال الجيش الى  ثكنات  الدفاع عن الوطن  ورجال السياسة  ثكنات الديموقراطية , وأظن على أن الأكثرية الساحقة من  الشعب السوري تواقة  لمرحلة من هذا النوع ..تواقة الى مرحلة   تحترم الرأي ..مرحلة   تلغي سجون الرأي  وسجناء الرأي , ولا ألأعرف سببا يدفع أي مواطن لمعارضة تطور من هذا النوع .

وجود تيار أصولي في الثورة السورية , هو أمر لايمكن انكاره  , وهو بحد ذاته ضار بالثورة على المدى المتوسط والبعيد , الا انه من الصعب حذفه على المدى القريب , وسوف لن يكون له ذلك الوجود المهدد على المدى المتوسط والبعيد, وجود هذا التيار قابل  جدا للعكس , ذلك لأنه غير    متجذر  في  وجدان معظم السوريين , وليس له ذلك الحاضن الاجتماعي  كما هو الحال في قندهار الأفغانية , الا أن لتمكنه من اختراق الثورة المسلحة  الاحتجاجية مرحليا  أسباب , فقد كانت الظروف مواتية له , اذ ان هناك فئةاجتماعية جاهزة ومفصلة على مقاس الدعاة السلفيين تتمثل في الطبقات الريفية المسحوقة التي هاجرت إلى بيئات حضرية أخرى  زادت في سحقها  , ولم تجد هذه الفئات  من عون الا عن طريق  التيار  الأصولي , حيث أن تصاعد العنف  التي تبنته السلطة كمنهج لتعاملها مع الثورة , قتل كل أمل  في التوصل الى  حل مدني  سلمي .. لا امل من التظاهرات والاحتجاجات في تغيير أي شيئ , ولا بديل عن منازلة السلطة  بالشكل  الذي تريده هذه السلطة , كل ذلك  ويضاف عليه  تمكن التيار الأصولي الديني من تقديم انتصارات حاسمة  على السلطة الأسدية , طبعا بمساعدات مادية وتقنية خليجية  وبمساعدة  الخبراء القتاليين من أوساط التيار الأصولي  , كل ذلك لايغير  في الحقيقة التي تقول على أن هيمنة الأصولية الدينية على ساحة القتال ليس أمرا نهائيا  ،ففي سوريا   تراث جيد  من الاعتدال , وما يظهر الآن من الاخوان المسلمين  اعلاميا   لايبشر  بالكوارث  , انهم على درجة مقبولة من الاعتدال , وسيحولون حركتهم  الى حركة سياسية  محافظة مدنية , كالحزب  الديموقراطي المسيحي في ألمانيا ,  ثم هناك تجارب الجوار اللبناني والعراقي , وامكانية التعلم  من خبرات خبرات الجيران ,وليس من الصعب   التعرف على الكثير  من معالم التعلم ..هناك  وثيقة العهد  التي أصدرتها حركة الاخوان المسلمين  , وهناك العديد من التصريحات   وامكانية المقارنة ..محمد مرسي  ليس بن لادن اطلاقا, والمرزووقي  ليس الظواهري , والغنوشي  ليس  الملى عمر.

بالرغم من عدم ضرورة الخوف من التيار  الأصولي المحافظ مستقبلا , الا أنه من الضروري  الآن على المعارضة  أن تواجه مسؤولياتها  وتحاول  منع  الانزلاق نحو خطاب يزداد طائفية وتطرفا, ثم انه على المعارضة  أن  تحاول  مكافحة  التوحش في صفوفها  , فممارسة التوحش    يخدم النظام  المتوحش  , ويجعل من توحشه أمرا نسبيا , كما انه على المجتمع الدولي   فهم آلية  تسلل  الجهاديين في صفوف المعارضة , التسلل يحدث تحت  مبدأ الحلف مع الشيطان , عندما يكون هذا الحلف ضروري , وضرورة الحلف  ذات علاقة  بمقدرة الثورة على النجاح , عندما تستطيع الثورة  أن تنجح , لاتعد هناك ضرورة للتيار الجهادي المتوحش , ولا توجد  امكانية لنجاح االثورة  الا بدعمها  بالعتاد   وبحمايتها جويا  وتزويدها   بمضادات الدروع  وغير ذلك , وكلما  ضعف التيار  المعتدل من الثوار , ازداد التيار الأصولي  المتطرف قوة , لذا فانه على الذين يريدون تجنب  التيالر الأصولي   مساعدة التيار المعتدل  وتقويته  , انه التيار  الذي يستطيع مقاومة القاعدة , وقد بدأ هذا التيار بمقاومة القاعدة ,حيث تقول الأخبار عن وجود  صدامات بين  الجيش الحر  وبين  فصائل  تنتهج نهج القاعدة , كما أنه من الملاحظ على أن الجيش الحر بدأ  بعملية تنظيم جيدة ..فهناك محاسبة   لمن يسرق  أو ينهب  , أو يقوم بأعمال  منكرة , هذه المحاسبة  تتواجد في أطوارها الأولى  ’, ويجب تشجيعها  , كما يجب تشجيع  التخلي عن الشعارات  المذهبية  , التي تؤجج الصراع الطائفي .

هناك الكثير من الواجبات التي يجب  على الثورة القيام بها ,  الا أنه يجب  التنويه الى عمر الثورة المسلحة  البالغ حوالي عام , والى  ضعف الثقافة السياسية  عند كل مواطن سوري  بسبب تحريم مزاولة السياسة  لنصف قرن من الزمن , ومن المؤكد على  أن المستقبل السوري سيكون  أفضل بكثير من الحاضر , المستقبل سوف لن يكون الجنة مباشرة بعد سقوط النظام , الا أنه لاتوجد جهنم أسوء من جهنم النظام .

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *