القصة التي تتكرر كل يوم تقريبا هي التالية, قبل عدة أيام أختطف الدكتور شادي الخوري من مدينة قطنا . اتصلت العصابات بذويه طالبة فدية من أجل إطلاق سراحه . ذهب ذوو الدكتور المخطوف برفقة الأب فادي الحداد كاهن كنيسة الروم الأرثوذوكس لدفع الفدية وتحرير المخطوف . غير أن العصابة الخاطفة احتفظت بهم رهائن جدد ، ورفعت مبلغ الفدية المطلوب ,فوجىء العالم صباح اليوم بخبر مقتل الأب فادي حداد على يد عصابة الخطف والإجرام . من الواجب استنكار هذه الجريمة البشعة ،وادانة مرتكبيها ,مهما كانت الأسباب أو دوافع القتلة ، فقد تلطخت أيديهم وضمائرهم بدم الأبرياء ، وارتكبوا جريمة هي بحجم جريمة وطنية وإنسانية وأخلاقية ترتكب بحق الوطن والشعب .
وإذ أدين هذا العمل الجبان , أدعو لإطلاق سراح المخطوفين الآخرين : الدكتور شادي الخوري والسيد جهاد مريش ونحمل الخاطفين المسؤولية الكاملة عما يمكن أن يلحق بهما من أضرار ,كما اننا نحمل السلطات المعنية مسؤولية هذا الأمر, السلطة هي المعنية بحماية أفراد الشعب السوري , ومهما كانت جهة القاتل , فالسلطة هي التي قتلته بشكل مباشر أو غير مباشر .
قبل أن يبرد دم الضحية تسارعت الأبواق بتوجيه التهم , فأبواق السلطة (فينكس وسوريا الحقيقة ) عرفت فورا , على أن عصابات الجيش الحر هي التي قتلته ذبحا (لقد قتل رميا بالرصاص , وليس ذبحا , وموضوع الذبح هو ايحاء الى الجهة التي يتهمونها ),ولا أعرف كيف تمكن فينكس وسوريا الحقيقة فورا من التعرف على القاتل ,حيث لا يملك تلك المعارف الفورية الا الشريك في العملية الاجرامية , لا أتهم فينكس ولا أتهم سوريا الحقيقة جديا بالشراكة , وانما اتهمهم باحتقار الحقيقة واغتيالها والتلاعب بها , ومن يقتل الحقيقة يستطيع قتل الكاهن فادي حداد بكل سهولة.
أكثر مايمكن قوله في هذه المناسبة المؤلمة , والتي تتكرر كل يوم عدة مرات, هو انه لامصلحة للجيش الحر بقتل كاهن مسيحي , ولا حاجة للجيش الحر بالدراهم , التي تتوفر له من عدة جهات .., والسلطة لامصلحة مباشرة لها بقتل كاهن مسيحي في هذه الأيام , الا أن مصلحتها كبيرة في حال نجاحها في فبركة قصة القتل , ووضع عملية القتل في خانة الجيش الحر , انها بحاجة لمؤازرة الطائفة المسيحية المترددة جدا , والتي بدأت بالميل الى جانب الثورة والتململ من السلطة ثم شكلت شكلت التنسيقيات والكتائب من أفراد مسيحيين ,والتنسيقيات المسيحية اتهمت السلطة بالقيام بتفجيرات باب توما , بقصد تحميل المعارضة مسؤولية هذه التفجيرات , لتفجيرات باب توما ولقتل الكاهن نفس الدافع , الذي يراد منه زج الطائفة المسيحية في الصراع الحالي والى جانب السلطة حصرا , وهذا سوف لن يتم .
لايمكن لأي عاقل أن يدعم السلطة , ماعدامن انتفع منها من الأزلام , ولم تنتفع الطائفة المسيحية من الأسدية بشكل عام بشيئ , لقد قاد التمييز الطائفي منذ عام 1963 ولحد الآن الى تناقص عدد مسيحيي سوريا الى النصف تقريبا , لقد هاجروا الى بلاد الله الواسعة ..الى أوروبا واستراليا مثلا , واتحدى السلطة أن تسمي مسيحيا واحدا ارسلته بمنحة الى الاختصاص في اوروبا وخاصة في مجال الطب , واتحدى السلطة أن تسمي سنيا واحدا أوفدته الى أوروبا للتخصص , 100% من الطائفة العلوية , كما انه بشكل عام لايمكن لمسيحي ان يتبوأ مركزا معينا حسب القاعدة التي تفرض الشخص المناسب في المركز المناسب , قاعدة الأسد تقول العائلة ثم الطائفة , وما بقي يوزع على عباد الله ., أو يجري الالتفاف حوله لكي يأتي شخص من العائلة أو الطائفة .
لا أظن على أن جهود الطائفيين من ازلام السلطة ستنجح في سعيهم لزيادة حمى التنافر الطائفي , ومن المعروف الآن , على أن المستفيد من التناحر الطائفي أولا هي الأصولية السلطوية والأصولية الدينية , ولا مصلحة لأي مسيحي أن يربط مصيره بمصير عهد بائد لامحالة ,وكون السلطة بائدة ليس هو السبب الوحيد للابتعاد عنها , الأهم هو الفساد, فالسلطة بائدة لأنها فاسدة , وكيف لذو عقل أن يحاول انقاذ سلطة فاسدة ؟ , ولماذا ؟ فالمواطن الواعي يعرف سوريا والخمسينيات من تاريخها , وسوريا تعرف عهودا أكثر حضارة بكثير من العهود الأسدية , الواجب الأول الآن هو اقتلاع السلطة ورموزها , وشكل مرحلة مابعد الأسد هو شكل يقرره الشعب السوري , لافائدة من محاولة التخويف من المستقبل , ولا فائدة ن تخويف طائفة من طائفة أخرى , ومن العار أن يحذر من التطهير الطائفي من يطهر الآن طائفيا , ومن طهر طائفيا طوال نصف القرن السابق .
مقتل الكاهن ليس من أفظع الجرائم التي ارتكبتها وترتكبها السلطة , ومن يرى جثث الأطفال المتوارية جماعيا في القبور وفي الحفر , لايهون عليه مقتل الكاهن , وانما يضيف الى جرائم السلطة جريمة أخرى.
لايسعني كمسيحي الا القول , اني حزين على كل قطرة دم سفكها السفاح , اني لا أتوعده بالمعاملة بالمثل , ولكن أعده بنهاية ينطبق عليها القول ……وبشر القاتل بالقتل !!