لعن الله مخرجه ومنتجه

اعني فيلم براءة الاسلام , الذي يراد به  اشعال نار الفتنة  الطائفية !!!, ولكن ما علاقة هذا الفيلم القذر بالنار الطائفية المتأججة منذ قرون  من الزمن في مجتمعاتنا ؟؟, والتي أوصلت البلاد الى حالة  الفناء ؟

لا أظن على أنه من السهولة بمكان   ايحاد علاقة سببية بين الطائفية في البلاد السورية وغيرها من البلدان  وبين الفيلم , الذي لم أراه  ولا أريد رؤيته , الا أنه من الملاحظ  على  الشعب الاسلامي  يرتكس بأشكال مختلفة تجاه  مختلف التحديات  , فالهزيمة العسكرية أو السياسية  لاتؤجج المشاعر  كما تؤججها  بعض انواع  التطاول على  المقدسات  الدينية , عندما يتعرض الموروث الديني الى الانتهاك  , يثور الشعب المسلم  ..يخترق السفارات  ويقتل السفراء    , فما هو سبب  التباين في الارتكاس تجاه  التحديات  الدينية  والتحديات السياسية العسكرية ؟

لم تجد التحديات السياسية والعسكرية مايناسبها من ارتكاس شعبي  واعي فعال على مدى القرن الماضي , لأنه لو كان هناك الارتاس المناسب  , لما خسر العرب كل جولاتهم السياسية والعسكرية في هذا القرن , هنا أخص بالطبع  القضيا الأكثر أهمية  , فلسطين , اسكندرون  , القدس   وضمها الى اسرائيل , الجولان وضمه الى اسرائيل ..ثم  العديد من الاحتلالات للبنان  ودخول  اسرائيل الى بيروت ..الخ , الا أن أهم   وأم الخسائر السياسيبة كانت  رضوخ هذه الشعوب الى  الديكتاتوريات  وتقبلها حجب الحريات  وتعايشها مع الفساد , ثم  تمكن   أفراد من العسكر من السيطرة على البلاد  عقودا من الزمن ..القذافي أكثر من أربعين عاما  ,آل الأسد أكثر من اربعين عاما   مبارك أكثر من ثلاثين عاما ,البشير أكثر من عشرين عاما , كذلك علي عبد الله صالح  وغيره من الذين تعسكروا  كصدام حسين ..الخ , الثورة السورية على سبيل المثال تأخرت أربعين عاما , وقد كان على الشعب السوري  حتى عام 1963 ان يثور . كان عليه أن يثور عام 1970  , وكان عليه أن يثور  عند سماعه نتائج الاستفتاء التي  قالت على أن الأسد نال 100% من الأصوات , كان عليه أن يثور  عند ادراكه  حجم الفساد المتواجد , وكان عليه ان يثور بمجرد معرفته  على أن المرحوم باسل الأسد يملك على الأقل 18 مليار دولار , وان عمه  رفعت  لم يغادر البلاد الا بعد أن اصطحب في حقائبه  ثلاثة مليارات  نقدا وعدا  , هذا عدا عن السرقات الأخرى  بحيث تجاوزت سرقاته وابتزازاته  حد 9 مليارات دولار  أمريكي .., وهناك مسببات للثورة لاتتسع لها الصفحات , وهي معروفة عند معظم المواطنين , لم يكن ارتكاس  الشعب  مناسبا وكافيا , وهنا لا أعني على أن العقود الماضية كانت خالية من أي أرتكاس  ومعارضة , الا أنها لم تكن كافية على الاطلاق  , والبرهان على ذلك   هو بقاء الأسد حتى هذه اللحظة .

الأمر الآخر المتعلق بالدين  , في عام 2006  تهجم  رسام على النبي  , قامت الدنيا ولم تقعد  , وفي سياق التظاهرات قتل أكثر من 139 شخص , والآن  جاء الفيلم أو مقطع من فيلم  مدته 14 دقيقة   وفيه أيضا تهجما على النبي  قامت الدنيا ولم تقعد , وما لفت انتباهي حول هذا الموضوع جاء بمحض الصدفة , اذ تعرفت على  بيان المجلس الاسلامي العلوي في سوريا والمهجر , ويصلح هذا البيان  لاعتباره نموزجا عن البيانات التي  يمكن ان  تصدر عن المسجلس السني أو الشيعي أو حتى  المسيحي , والبيان يقول على أن الفلم  يرمي  الى ازدراء  مشاعر العرب والمسلمين  والتطاول على النبي  الكريم عليه  أفضل الصلاة والسلام , وأظن على ان ألمنتج والمخرج ارادوا فعلا الازدراء بالنبي ,والتاريخ يعرف العديد من المناسبات  , التي حدث بها ازدراء بالمسيبح وموسى  حتى في اوروبا , والشعوب الأوروبية ارتكست في  مرحلة انحطاطها , كما ترتكس الآن الشعوب الاسلامية الآن .

البيان  الاسلامي العلوي يشكك بالحرية  , التي يمسخها الى “ذريعة” , الحرية في الغرب ليست “ذريعة” وانما طريقة للحياة و واقع يمارسه   الانسان  الغير مكبل بالخطوط الحمراء  الشرقية الدينية  ,  ومن الجهل  بمكان القول  على  ان النقد(على افتراض  ان الفلم ناقد ) , وحتى الجارح أو   التافه أو  الغير محق  أو الغير منطقي منه , يجب أن يختفي خلف الخطوط الحمراء , فخطوط الاسلام الحمراء خانقة ولا أمل  لحرية الفرد في حال مراعاة الخطوط الحمراء الاسلامية , والتي هي أصلا غير معرفة مركزيا , لكل خطوطه الحمراء  , ولكل اساليبه في قمع الحريات .

عودة الى البيان الاسلامي  العلوي , الذي يقول على أن الفيلم  يندرج في اطار المؤامرة  الأمريكية-الصهيونية على الأمتين  العربية والاسلامية , ومن رأى المقاطع المعروفة من الفيلم قال على أن هذا الشريط لايستحق  اسم الفيلم ..عمل صبيانتي هابط  , نوع من العبث , وربط هذا الفيلم  باستراتيجية أمريكية -صهيونية  على أنه مؤامرة   يندرج في قائمة  الهراء والتفاهات العربية , التي لاتستحق الا السخرية ,  المؤامرات  لاتصنع عن طريق فيلم أو شريط   لايدين ولا يحتقر ولا يزدري الا مخرجه ومنتجه ونفسه ..

بيان المجلس الاسلامي العلوي يدين الفيلم , وهذا أمر منطقي , اما أن يقول البيان على أن للفلم تأثير على الصراعات الدينية , فهذا تعتيم وتجهيل , الصراعات الدينية لها علاقة بصلب الدين ,ولا علاقة لهذا الشريط  في  الحروب الدينية , التي قتلت  حوالي 75% من مجمل قتلى الحروب , وهذا الشريط التافه  لايمكن له ان يكون حربا الا على منتجيه , الشريط ادانة  لصانعه ولايمثل اطلاقا حربا  حقيقية على الاسلام, ومن حول قضية الفيلم الى حرب على الاسلام  هم قوافل  الغوغائيين من الذين هاجموالسفارات وأضرموا النار بها وقتلوا السفراء , من يفعل ذلك  يحارب نفسه  ويدين نفسه  ويحتقر نفسه , شأنه شأن  منتجي الفيلم .

هناك تباين  واضح في الارتكاس  للتحديات , ومن الصعب القول على أن هناك مسبب واحد لهذا التباين , هناك مجموعة من الأسباب , وأهمها حسب رأي  هو غياب السياسة والخبرة بممارسة السياسة في هذه المجتمعات  , التي تتقاسم  قاسما مشتركا واحدا  وهو الحياة في ظل الديكتاتورية ,التي  الغت في هذه المجتمعات  السياسة  , والغاء السياسة خلق فراغا في العقول , وهذا الفراغ ملأه  الموروث الديني  الحاضر والجاهز والمتحفذ   لممارسة  هذه المهمة , التي تتوافق  بشكل عام مع متطلبات الدين , الذي هو بنظر البعض ليس دين فقط وانما دولة أيضا , وهكذا يمكن القول على ان  الدين ومقدساته   حل  محل الوطن ومصالحه .

لوكان للسياسة الواعية  الخبيرة ان تلعب أي دور في حيباة الانسان الخاضع للتربية في مدرسة الديكتاتورية ,  لكان هناك امكانية لاجراء تقييم عقلاني للواقعة , التي قادت تداعياتها الى الحاق الضرر بدول  دون أي مكسب , ولو كان هناك أي مقدرة على التفكير السياسي  , لما ساعد الشعب المتظاهر  و المخترق للأسوار والسفارات مجموعة مغمورة من النصابين والمجرمين  في تحقيق حلم لهم , وحلمهم كان نشر هذا الفيلم  , الذي قبلت دار سينما واحدة  عرضه , وفعلت ذلك ليوم واحد فقط , أما الآن فقد أصبح للشريط التافه قيمة , واعطاء الشريط تلك القيمة  سيشجع الغير  على التقليد , ولبرما  على المبالغة في التقليد , حيث يرتكس الشعب المدافع عن النبي والغيور عليه بشكل  أعظم , وبالتالي تتحول العلاقات الدولية الى العوبة بيد النصابن والمجرمين وقطاع الطرق ومخترقي السفارات .

الغاء السياسة والحضارة السياسية والعقلانية  من الرؤوس , في عصر  سمته الأساسية  “التعامل السياسي”, فتح الباب على مصراعيه  لممارسة الغريزية  في  الغوغاء والتخريب والقتل , الغريزية  التي  تجد في الحاضن الديني  المرتع الأمثل لها , خاصة بعد أن يقتل التفكير الديني العقل ,  حيث لا حاجة لمن يؤمن بالغيب أن يفكر ,ولا حاجة للعقل عند من لايفكر …العقل عضو فائض ,,الشعب الذي يفقده يتحول الى شعب فائض  أيضا .

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *