العرف العالمي وممارسات السلطة !

لا أتفق مع من يقول  على أن يوم 17-3-2011 , هو أول يوم من أيام الثورة , ذلك لأنه لاعلاقة لأهمية هذا اليوم   بفعل ثوري , وانما بحدث  مؤلم  كان سببه رجال السلطة .فابناء درعا  لم يذهبو لمقابلة  المحافظ كلثوم  ورئيس الأمن السياسي أو العسكري عاطف نجيب  بوصفهم   ثوار , وانما  بصفتهم كأعيان المدينة من أجل لفلفة موضوع   يخص  بعض الأطفال المعتقلين ..وما أكثر أحداث شبيهة بهذا الحدث في عشرات السنين السابقة في دولة اللاقانون ,الشعب السوري ثائر منذ عشرات السنين , الا  انه لم ينجح باحراز  مايكفي من تحرر وديموقراطية  ,لم ينجح  الا في تحمل المزيد من الاذلال والافقار  والتعذيب والموت والفساد والتسلط حتى  الشهر الثالث من عام 2011, هنا بدأ الوضع بالتغير فعلا .

الأطفال  اهانوا الرئيس , وهذا أمر لايجوز  ,لاعقاب لاهانة الله , أما الرئيس   فهذا أمر آخر  , لذا قيد الأطفال الى السجن , والقاعدة تقول   على أن من يدخل السجن  يجب ان ينال قسطا محترما من التعذيب , عذبوا واقتلعت أظافرهم   , وحدث ما لايمكن له أن يحدث الا  في الغابة , تظاهر البشر لأول مرة في حياة  جمهورية الأسد , وانفلت وحوش السلطة  عليهم  ..اقطعوا رأس الأفعى !!!! ,قتل منهم من قتل برصاص الأمن .

من يفكر بغباء  السلطة يقشعر بدنه  , ومصدر هذا الغباء   وشلل العقل  عندها هو الغرور والثقة الفارغة بالنفس ,التي بلغت درجة الجنون  , السلطة ظنت  على أنها  فعلا أبدية  , وتملك كافة المفاتيح , المفتاح العسكري  بيد الأخ وابن الخالة وابن الخال والصهر  ..الخ  , وفي يد هؤلاء أيضا المفتاح الاقتصادي  يالشراكة  مع الأزلام , الذين هم رهائن  عند السلطة , التي تستطيع افقارهم  أو اثرائهم  كما تريد وكبفما تريد , والمفتاح الاجتماعي بيد  الملحق المسمى البعث , ومن بيده كل هذه المفاتيح لايخاف ..ابدية أزلية  لاثقب بها ولا فجوة  ومحكمة  الانغلاق على ذاتها  ,مسورة بالأسوار العالية  , ومحصنة بالحصون  السميكة  , ولا ضمير يحاسبها ولا قانون  يملي عليها  أي شيئ  ناهيكم عن معاقبتها , ولماذا تخاف السلطة من تظاهرة في درعا  ..تحصدهم بالرصاص  , ويفطسوا كما فطس غيرهم  على مدى  الأربعين سنة السابقة , لاحساب أو عقاب , والأمر يلفلف كما لفلف غيره .

حساب الحقل لم ينطبق هذه المرة على حساب البيدر ,  تسارعت الأحداث ,وتسارع اعلان المستشارة بثينة شعبان  على ان هؤلاء يريدونها فتنة طائفية ,  وذلك كتبرير مسبق  لممارسة التصفيات ,و لم تكن لهذا الاعلان نتائج ايجابية , بل ان هذا التحذير لفت  انتباه البعض الى نقطة مهمة , ولما نخاف من فتنة طائفية  ونحن الأكثرية  , ولم تدرك  بثينة شعبان  في ذلك الوقت  على أن المجتمع السوري  فعلا فقد  هوياته السياسية  نتيجة الغاء السياسة من قبل النظام , حيث  ظنت  السيدة شعبان على أنه  للمواطن السوري  انتماء سياسي , ومن أين يأتي الانتماء السياسي  عندما لاتكون هناك امكانية لممارسة العمل السياسي ؟؟

المجتمع السوري تحول الى طوائف , والسلطة حولت نفسها الى ممثلة لأقلية طائفية طوعا وغباء , فعندما جاء حافظ الأسد  1963 , وبعد ذلك عام 1970  لم  يرفضه أحد لكونه علوي , وبازدياد علوية السلطة  , ازدادت سنية البقية من الشعب السوري باضطراد , وخاصة بعد عام 2000 , لذا اصبحت السيدة بثينة من الأقلية (12%), التي  سوف  لن تستفيد من  الشعارات    المتطرفة ..الأسد الى الأبد , أو الأسد أو لا أحد , أو الاسد أو نحرق البلد , بل  قادت هذه الشعارات الى  تحسس الفئات الأخرى  , والى زيادة سنية  السنة ..الآن يوجد  بشكل رئيسي سنة وشيعة وعلويين ومسيحيين …وغيرهم , انقرض البعث والسوري القومي والشيوعي والناصري …الخ أو كاد ينقرض تماما .

هذا في المجال الداخلي  , الذي اكتسب كل مقومات الخراب , عندما  نجعل المجتمع طائفيا , ستتقاتل  الطوائف  حتما , وتدخل البلاد في مرحلة الخراب  والحرب الأهلية  , وهذا ماحدث  , وخارجيا  لم يتمكن غباء السلطة من  تقليل الخراب , بل  زاده خرابا اضافيا , السلطة تصرفت  ببدوية  وبدائية لامثيل لها , واستطاعت أن تعزل سوريا  بفترة قياسية ,  لاتحط طائرة  مدنية  أجنبية على مطار سوري (الا من قبل القليل من الدول ), والطائرة السورية التي تحط في  معظم مطارات العالم يجري حجزها , اضافة الى ذلك يوجد  مايشبه  الطرد من الجامعة العربية , ومن المؤتمر الاسلامي ,  ومعظم دول العالم تصوت في الجمعية  العامة للأمم المتحدة ضد سوريا .. مايشبه الطرد من لجنة حقوق الانسان , ومشروع اجراءات قانونية أمام محكمة الجنايات الدولية ,  والقائة السوداء  ومنع   الكثير من دول العالم الكثير من السوريين دخول اراضيها , حجز الأموال  , وعقوبات اقتصادية وحصار اقتصادي ..حيث انه  يمكن القول على أن معالم الكارثة اكتملت ,و السلطة السورية غير آبهة بكل ذلك  , ترسل طائراتها الحربية  الى السماء  لتقصف المدن والقرى والأحياء  وتدمر , وصور الدمار شبيهة بصور دمار المدن الألمانية  خلاى الحرب العالمية الثانية , والسلطة تقول على أن قصف المدن السورية بالمدفعية والطائرات هو أمر داخلي , ولاعلاقة لأحد به , فسوريا دولة مستقلة , والدولة المستقلة  لاتقبل  بأن  يتمرد أحد عليها , ناهيكم عن حمل السلاح ضدها , ومن يدعي ذلك  هو قليل قليل الفهم  ولا يفهم القانون الدولي اطلاقا , ويتشبث  بالبند الثاني من الفقرة الرابعة من هذا القانون , الذي يمنع العنف بين الدول , وليس داخل الدول , الحرب ممنوعة بين الدول , الا أن حرب حكومة ضد شعبها , فهذا مسموح ,  وهذا هو منتهى الفباء , لأن الفقرة الثانية لاتسمح بالعنف ضد الشعب الا من خلال توافق هذا العنف مع حقوق الانسان  , ومنظومة حقوق الانسان تعطي الانسان الحق في الحياة , وتمنع قتل الانسان لسبب لا يتعلق به مباشرة  , لاتستطيع تفجير بناء يسكنه ابرياء لمجرد وجود  مجرمين  في داخله  وبذلك تعرض الأبرياء للخطر , قوانين حقوق الانسان تمنع  التعذيب  , الذي تمارسه السلطة ليلا نهارا , وقوانين حقوق الانسان   تلغي أي قانون داخلي يسمح بتعريض الأبرياء للخطر , وهذا مانبهت اليه  كل المنظمات الدولية ..العفو الدولية ,ومنظمة مراقبة حقوق  الانسان  والصليب الأحمر الدولي  وكامل مؤسسات الأمم المتحدة.

التنويه الى مسألة حقوق الشعوب  , وحماية الشعوب   والمادة السابعة  ممكن وضروري  ,  ولما لم تتمكن السلطة من  احراز تقدم منصف  للجميع  خلال  سنة ونصف  من  الحرب  , التي عرفها الصليب الأحمر الدولي قبل اسابيع بأنها  أصبحت حربا  أهلية , وما يترتب على هذا التعريف من تغير في  النظرة الى السلطة السورية , التي اصبحت “مجموعة مسلحة” كما هو حال الجيش السوري الحر , فقدت السلطة   حماية البند الثاني من المادة الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة , والتدخل  العسكري  المباشر أصبح قانونيا ممكن , وذلك بالرغم من الفيتو الروسي-الصيني , الا أن الوقت  المنا سب للتدخل المباشر لم يأت بعد , فالحالة يجب أولا أن تسوء أكثر, وفي هذه الأثناء  يحدث التدخل الغير مباشر , الذي  جعل من الجيش الحر  قوة تنافس كتائب الأسد , وذلك بالرغم من عدم تنظيمة  .

وجود  محاربين أممين الى جانب الجيش الحر ساهم في العولمة الفعلية للحرب الأهلية السورية , وكما هو حال السلطة  ومن يحارب الى جانبها من ايرانيين ولبنانيين (حزب الله), الحرب تعولمت برضا   ورغبة جميع الأطراف المتحاربة ,والانتصار  في حرب كهذه  متعلق  بموضوع الاستنزاف والامداد وأمور   أخرى كالتغطية من قبل الشعب , وفي مناطق القتال يتمتع الجيش الحر , لعوامل عديدة , بتغطية أفضل , كما ان هناك تحسن ملحوظ في امداداته  وأسلحته  , وكل ذلك  يثير الشكوك في  امكانية نجاح النظام  في هذه الحرب .. قد تكون هذه هي معركته الأخيرة .

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *