ليس هناك مايقلق جديا بخصوص الثورة السورية , وبالأخص من بعض مظاهرها الدينية المتطرفة , حيث يبدو الطريق الثوري للبعض بشكل متزايد على أنه وعر , خاصة وان النظام اختار الحرب كوسيلة للحفاظ على وجوده وللتعامل مع الآخر, والحرب تتطلب محاربين , وهؤلاء المحاربين لايتواجدون في صفوف التيار المدني , وانما في صفوف المحافظين بشكل وافر , والمشهد اليوم هو مشهد حرب تم فرضها من قبل السلطة , ومن لايشارك في الخرب يتفرج على افرازات هذه الخرب .. كل يوم مئات القتلى وكم هائل من الخراب , هكذا ارادتها الأسدية !
يظن من يسمع التكبيرات, على أننا في قندهار ,الا أن قندهار بعيدة جدا عن الأرض والأرضية الاجتماعية والثقافية السورية ,هناك بدون شك القليل من القواسم المشتركة , ومنها الخلفية الدينية للمشروع والنشاط الفكري , الذي تبوأ في قندهار الصدارة تلقائيا وفي سوريا قسرا .
مرد تلقائية قندهار هو عدم وجود فكر أو حضارة أخرى عند ذاك المجتمع , اما في سوريا فيوجد فكر وحضارة أخرى ,هذا الفكر وهذه الحضارة أصيبت بالشلل أو شلت عمدا وأخصيت خلال السنين الأربعين السابقة , التي عرفت نجاح السلطة في الغاء واقصاء السياسة , ونجاح السلطة في ارهاب المواطن واخافته من وهم التربص به .
هناك الكثير من الممارسات والشعارات , التي تسمح بتوظيفها في خدمة الترهيب والتخويف من الآخر ..منها التكبير مثلا ومنها اسماء الكتائب واسماء ايام الجمعة وطريقة الطرح التي يستخدمها البعض في حديثهم ..الترحم على الشهداء ..الخ , ومن الممكن وصف كل هذه الأشياء بالغبار الثوري , التكبير وغيره من الممارسات يهدف لاشعوريا الى تشجيع أكبر عدد من البشر للانضمام الى صفوف الثورة المسلحة المقاتلة , هذه الشعارات تؤثر بشكل كبير جدا على نفسية الناس البسطاء , الذين يدفعون الآن حياتهم ثمنا لترحيل الأسد واسقاط النظام , حيث تبين على أن اسقاط النظام هو المهمة التي لابديل لها , وكلما استمر النظام في التواجد , ازدادت الحمية والحماقة الطائفية ..ازدادت الأسلمة وازداد التشرذم الاجتماعي المؤسس على الطوائف , ومن لايريد الأصولية عليه اولا اسقاط النظام , لأن اسقاط النظام هو الطريق الوحيد,الذي يمكن أن يقود الى اسقاط الأصولية , وبدون اسقاط النظام سوف تتقوى الأصولية بشكل متزايد , وعندها وبعد زمن قد يمكن التحدث عن قندهار السورية .
يجب تفهم آليات الحراك الشعبي , الذي لايمكن له أن يولد الا في حاضن معين , وهناك حواضن وراثية قديمة , ومنها الجديد , والكارثة هنا تتعلق بخلق مايسمى “الفراغ” الذي حذر منه قبل عشرات السنين الرئيس الأمريكي المتوفي أيزنهاور , الفراغ السياسي يحدث عند القضاء على السياسة , ولم يكن الحكم الأسدي الوحيد في قضائه على السياسة , لقد سبقه الشاه الايراني , ونتيجة الغراغ السياسي في ايران كان قدوم الملا ..فعند نفاذ الحديث نتوجه الى القديم..الى الدين والمشايخ , وصدام قضى على السياسة , حيث النتيجة الآن هي كما نراها ..طوائف وطائفية , والأسد قضى على السياسة والنتيجة كما نرى ايرانية -عراقية ..طفت الطوائف على السطح الاجتماعي لتحل محل السياسة , ونحن في سوريا لم نعد سوريين ,وانما سنيين وعلويين ومسيحيين ..الخ .
عندما تكون التجمعات ممنوعة , حتى قبل ولادة كاتب هذه السطور , أين يتجمع الناس ؟ في المسجد , ومن أين ينطلقون في التظاهرة ؟ , طبعا من المسجد , واين يقيمون المشفى الميداني ؟ , طبعا في المسجد , لم يختار كل هؤلاء المسجد لكي يقوم بالمهمات المذكورة طوعا , وانما قسرا ..النظام ارغمهم على ذلك , والنظام قلبا يختلف في تخوينه للآخرعن التكبير..التكبير الذي به تتمثل الاستكانة القدرية التي تتجلى يوماً بعد يوم في حركة الاحتجاجات،هذا لايمثل السعي الى تطرف ديني بالشكل المتعارف عليه , وانما به يتمثل الارتباط بالموروث , الذي لم يجد خلفا سياسيا له بفعل السلطة , التي قضت عمدا على السياسة , انها ظاهرة شكلية (قالب) في حين ان التخوين ظاهرة اساسية مبديئية (قلب) ,تخوين اساسي مقابل تكبير شكلي..المواطن السوري بنظر السلطة مبدئيا خائن , وعليه دفع مايشبه الجزية لكي يعاد له اعتباره , ولكي يتمكن من تسيير أموره , والجزية هي العضوية في الطائفة الاسدية , والعضوية في هذه الطائفة هو بمثابة تمنيع ضد الفقر وضد أحكام القانون , وتسمح باالتمدد والتمادي لتلتهم حرية الآخر , كل تالك الامتيازات مقابل الولاء للسلطة الأسدية , وكثيرون من ساروا في هذا الطريق
سقوط النظام يعني سقوط الاستبداد الأسدي , ويعني اضافة الى ذلك سقوط الأصولية , التي هي بمعظمها “ارتكاسية” بما يخص الأسلمة, ارتكاس سني على ادراك بعلوية السلطة , فالثورة بأطيافها العديد ة لاتطالب لحد الآن الا بالحرية والديموقراطية ومكافحة الفساد , والأسد عجز عن تحقيق أي من هذه المطالب , لذا عليه أن يرحل , واذا لم يرحل قريبا فقد تتحول المطالب من الحرية والديموقراطبية الى “الاسلامية” , وهذا يعني موت الجمهورية السورية ونهاية الكيان السوري , وحتى نهاية ماقد يحلم به الأسد من دولة علوية أو مايشبه ذلك .
بمجرد سقوط الأسد ستتغير الأمور فجأة ,والطاقم الذي سيأتي بعد السقوط هو غير الطاقم الذي قاد الى السقوط , وهذا مايسمى في العامية السياسية سرقة الثورة , كل ثورات الشرق الأوربي تمت سرقتها “,وأقول “سرقتها مجازا” , الحقيقة هو تغيير الطاقم الضروري , وفي مصر حدث مايشبه ذلك وفي تونس أيضا , وخاصة في ليبيا حيث خسر التيار الأصولي المحافظ هذه الانتخابات , وفي تونس سيخسر التيار المحافظ الانتخابات المقبلة وفي مصر أيضا , لذا لاخوف من الآن من قندهار سورية , ولا خوف من المكبرين , ولا خوف من بعض بؤر الولاية ومن بعض هذيان الخلافة ومن بعض الممارسات مثل نشاذ تخريب المشروبات الروحية والرقص حول نارها , لاتزال الأصولية في سوريا فولوكلورية.