عن أية دولة علوية يتحدثون؟

مقدمة لا بد منها:
لم يكن بودي التعرض، بتاتاً، لهذا الموضوع لا من قريب ولا من بعيد نظراً لطابعه الحساس والخاص هناك حقائق ووقائع مؤلمة وصادمة لم نكن نشأ أو نريد إيرادها، أو البوح بها، لولا فحش الإعلام المضلل والدعايات المغرضة والكاذبة، والحاجة الماسة والضرورة الملـّحة لدحض وتفنيد أزعومة الدولة العلوية التي يروج لها البعض. أنه المدح بما يشبه الذم أو الذم بما يشبه المدح، ولا فرق.
من ضمن المقولات النفسية والإعلامية التي يجري تمريرها وترويجها، بخبث ودهاء، في الحرب النفسية والإعلامية الكونية الكبرى التي تتعرض لها سوريا، والتي تسوق كمسلمات لا أرضية ولا سند واقعياً لها، والتي ترمي في النهاية للتمهيد نفسياً وإعلامياً ومعنوياً لمشروع التفتيت الشرق أوسطي الذي هو مآل وهدف همروجة الربيع العربي، وبالتالي قبول تفتيت الوطن السوري إلى كيانات دينية وعرقية وطائفية، هي فكرة الدولة العلوية المزعومة، وأن النظام يعد العدة لإقامة دولته “العلوية” الخاصة في أماكن الكثافة السكانية “العلوية” حيث التواجد التاريخي للطائفة العلوية، ونعني تحديداً الشريط الساحلي الممتد من غرب حمص، وصولاً إلى كسب وتركيا حيث لواء اسكندورن ذي العمق والامتداد العلوي، الذي-اللواء- تخلى عنه، علنياً، المدعو رياض الشقفة، زعيم الفرع السوري للتنظيم الماسوني الدولي المسمى بالإخوان المسلمين. وأن رموز النظام تستعد للفرار إلى تلك المناطق التي، لو فعلت، قد لا تجد فيها فندقاً ربما “متل العالم” للإقامة فيه ولا أوتوستراداً دولياً يمشي عليه أسطول سياراتهم الفارهة. ومن ضمن ما بتنا نستمع له أيضاً مقولات كثيرة كهذه المقولة من مثل التبشير بالحرب الأهلية في سوريا،(التي لم تقع ويا للغرابة والأسف) ومرحلة ما بعد الأسد، وأيام النظام المعدودة، (أخشى أننا سنعد بالسنين) وأسلحة الدمار الشامل السورية، وكل ذلك يتم التسويق له على أساس أنه واقع لا محالة، في غمرة حملة الأكاذيب والترهيب والتخويف والحرب النفسية الشرسة والقذرة، وعلى أنها حقائق قادمة على الأرض لا تجب مناقشتها، لكن شيئاً من هذا، ما حصل، بكل أسف، ولا يبدو أنه سيحصل في المدى المنظور على الأقل. وأما الدولة العلوية فهي محض هراء مكذوب وقبض ريح موهوم، وذلك لبعض مما سيرد تالياً، وغيره مما لا يقال.
وتبدو فكرة الدولة العلوية واحدة من أكثر الأفكار هشاشة وخواءً وتضليلاً وغير قابلة للتحقيق وأكثر من كل تلك المقولات والأفكار والعناوين التي تسوق اليوم في الإعلام التضليلي. لا بل لو فكـّر العلويون فعلاً في إقامة دولة علوية، فلن يجدوا أمامهم ذلك الحيز الجغرافي المستقل والخاص بهم، أو مناطق محددة ذات تكوين وكثافة علوية خالصة، إذ تتداخل المكونات السورية المتعددة معيشياً وبشرياً بطرائق يبدو من الصعب فكها وفصلها أحياناً، ناهيكم، والأهم، عن عدم وجود بنية تحتية خاصة وعريضة تمكـّن من بناء ليس دولة وحسب، بل ربما مستوطنة علوية مستقلة، فضلاً عن الرفض المطلق للفكرة من قبل النخب العلوية الفكرية والمذهبية والسياسية صاحبة الرأي والقرار الأخير في القضية، الذين يحملون على العموم رؤى وطنية وعلمانية تقدم الاعتبار والمعيار الوطني السوري على ما عداه، وتضعه في مقدمة الخيارات والاهتمامات.
والفكرة أصلاً غير غريبة، أو مستحدثة، وليست وليدة حاضرها، بل كانت من صلب أفكار المستعمر الفرنسي، التي تعود لثلاثينات القرن الفارط، والذي لا غرابة أن يرفع مناصروه-المستعمر- اليوم علم انتدابه واستعماره لسورية. وقد رأيت بأم عيني هاتين، سجلات عقارية، وسجلات “نفوس”، أو أحوال شخصية، قديمة في اللاذقية مكتوب عليها بالخط العريض كـ”ترويسة”: “دولة العلويين”، موجودة من أيام الانتداب والاحتلال الفرنسي، لكن الفكرة لم تدم ولم تستمر على الأرض، وكان العلويون أنفسهم أول من قاومها، بزعامة الشيخ العلوي الثائر ضد المستعمر الفرنسي صالح العلي والذي رفض كل العروض المقدمة له لتزعم ما تسمى بالدولة العلوية.
وإذ نكتفي بهذه العجالة الخاطفة والموجزة والسريعة والخلفية التاريخية للفكرة، فإنه من الضروري الانتقال إلى اللحظة الراهنة لتبيان خواء وطوباوية الفكرة عملياً، وعدم قابليتها للتحقيق أصلاً، حتى لو أراد العلويون ذلك، وإن كان هناك، وبكل صدق، بعض التيارات الخجولة القليلة، التي بتنا نسمعها، وعلى خلفية الأحداث المؤلمة الأخيرة، باتت تنادي وتفكر بدولة أو كيان علوي مستقل، لاستحالة التعايش مع التيارات الظلامية المتطرفة والراديكالية التي باتت تطغى على الساحة وتحظى بدعم دول إقليمية ودولية معروفة وتدعو علناً للتخلص من الأقليات في عموم ما كان يسمى بالوطن العربي.
وبعيداً عن الكلام الإيديولوجي والعاطفي والطوباوي المعهود، فأهم ما يمكن التعويل عليه في فكرة إقامة دولة ما، أية دولة، هو وجود بنية تحتية اقتصادية وإنتاجية وحيز جغرافي مستقل ذي حدود مستقلة بذاتها ومنفصلة جغرافياً وطبيعياً عن كيانات أخرى وتتمتع بحماية طبيعية وذاتية. وبهذا الصدد يمكن القول أن منطقة الساحل السوري كانت تعتبر تاريخياً، وحتى اليوم، وتصنف كواحدة من أفقر المناطق السورية وأعلاها في نسب البطالة التي تصل حتى الـ60% في بعض الأحيان، فيما تمركزت كل الصناعات الحكومية والوطنية الثقيلة والكبرى في المناطق الداخلية “السنية” حلب ودمشق وحمص. فيما تفتقر مثلاً منطقة بحجم لبنان تقريباً إلى أية بنية تحتية معتبرة ومعول عليها، وهي المنطقة الممتدة من شمال اللاذقية إلى الحدود التركية، بطول حوالي الـ60 كم وبعمق يتفاوت بحوالي 50-150 كيلومتراً مربعاً، وهي واحدة من اجمل وأغنى مناطق العالم حيث الجمال الطبيعي الساحر الأخاذ من جبال خضراء وينابيع وأنهار وبحيرات طبيعية وسدود وغابات باسقة وكوادر بشرية مؤهلة تأهيلاُ علمياً وفنياً عالياً وتشتهر بالانتاج الزراعي الوفير وأهمه الزيتون وزيته والحمضيات بكميات تجارية وقابلة للتصدير وتكفي بنفس الوقت لحاجة سوريا (معظم حمضيات سوريا مثلاً تأتي من الساحل)، لكن تبقى أسعارها، دوماً، “مو جايبه همها” وفي الحضيض نتيجة عدم وجود دعم وتبن رسمي لهاتين السلعتين اللتين تباعا برخص التراب، لا كما هو الحال بالنسبة للمناطق الشرقية والجزيرة السورية حيث تشتري الدولة كل محاصيلها وتعوّض أصحابها بأسعار مجزية تبلغ عشرات المليارات من الليرات السورية في السنة فيما لا تلقى المناطق الزراعية “العلوية”، والفلاح العلوي شيئاً من هذا الدعم و”الكرم” الطائي من النظام، نقول تفتقر هذه المنطقة، كما غالبية المناطق والقرى العلوية، إلى أي نوع من البنية التحية الإنتاجية كمصانع ومعامل ومستشفيات، (وإذا أصيب مثلاً مواطن علوي في رأس البسيط بنوبة قلبية فعليه أن يـُسعف إلى مسافة 50 كيلومتراً إلى مشفى الأسد الجامعي أو المشفى الوطني وحينها يكون الرفيق عزرائيل أقرب له بكثير من المشفى وطاقم الأطباء)، كما تفتقر المنطقة لأية منشآت سياحية وفنادق النجوم أو الحدائق والمتنزهات ومحطات الكهرباء والسكك الحديدية التي تربطها بالجوار التركي البوابة الأوروبية الأوسع كما الملاعب والمؤسسات الخدمية الأخرى، باختصار الساحل السوري، واللاذقية، تحديداً، ورغم جمالها الطبيعي الاستثنائي، وغناها المتميز(1) وإمكانية تحولها إلى مدينة كوزموبوليتانية متفردة، ما تزال مجرد قرية كبيرة تعج بالعشوائيات وأحزمة البؤس، التي باتت حواضن طبيعية للإرهاب والإجرام، وبالفقراء والمهمشين والعاطلين عن العمل والباحثين عن مستقبل مجهول. والحق يقال إن سياسات البطش الاقتصادي والترويع والتجويع والتنكيل والإفقار الممنهج، التي اتبعها النظام، ذات يوم، بحق جميع السوريين، كانت عادلة وموزعة بالتساوي على عموم السوريين، ومن دون تمييز بين طائفة وأخرى، وديانة وأختها، لا بل كانت الطائفة العلوية أكثر الطوائف تضرراً وفقراً وإفقاراً. فلقد اهمل النظام الداخل السوري بشكل عام، ولم يلتفت لقضايا الفرد السوري ومعيشته ورفاهيته وجنـّده بالمجان بالمعارك القومية الدونكيشوتية الفاشلة والمضحكة والخاسرة،( لا أدري لماذا يجب علي أن أدفع الثمن لوحدي، كمواطن سوري، عن المصري والموريتاني والمغربي في وجه الهجمة الصهيونية، فخـّار يكسـّر بعضه؟) وبذا بات هذا المواطن المنكوب والمشحر واحداً من أفقر شعوب العالم قاطبة وهذا ينطبق على جميع السوريين المساكين والعلويون ليس منهم استثناءً وكل ذلك كان لصالح سياسات قومية بائسة ذهبت هباء منثوراً ولم تثمر إلا في ضياع الجهد والمال والوقت والعمر السوري لصالح أقوام وكائنات خرافية تسمـّى بالعرب، وما تسمى بالقضايا العربية المركزية والعادلة (هذا خطاب رسمي تاريخي سلطوي بعثي معتمد وليس مزحاً ولا تهكماً أو سخرية لا وأيم الله).
هذا على الصعيد الرسمي، أما على الصعيد الشعبي فمعظم العلويين، أو نسبة كبيرة منهم تركت مناطق البؤس والفقر والبطالة والتهميش والتعتير وندرة الاستثمارات والفقيرة بالبنى التحتية الصناعية والإنتاجية في الساحل واتجهت نحو مناطق الداخل السنية كحلب ودمشق وحمص والجزيرة، وطبعاً أقامت واستوطنت في أحزمة البؤس والفقر والتعتير وعشوائيات الشقاء ومدن الصفيح، وليس في المالكي والمهاجرين وأبي رمانة، ووصلوا هناك إلى الجيل الرابع أو الخامس، ومعظمهم يعيشون عيش الكفاف، وأوضاعاً مزرية وبائسة و”كل يوم بيومه والرزق على الله”، و”شبعة وجوعة”، كما يقال، كعموم فقراء المدن والأحياء السنية الذين خلفتهم سياسات البطش الاقتصادي واللبرلة والنهب المقونن للاقتصاد وتسلط المافيات البعثية والعائلات القدرية المعصومة والمؤلهة التي تسلطت على رقاب السوريين عقوداً والتي تفر اليوم فرادى ومثنى وجماعات وتترك عربة النظام وحيدة لأقدارها. وما سمي باقتصاد السوق الذي جعل سوريا، وكل الحمد والشكر لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، في مرتبة الصومال وبنغلادش ونيبال وميانمار معيشياً وحياتياً ومصيرياً، وطبعاً طالت هذه السياسات الجائرة والظالمة العلويين كما طالت غيرهم ودمـّرت حياتهم وقضت على مستقبل عائلاتهم، كما كان للقوانين البعثية الفاشية الشهيرة الجائرة كقانون الاستملاك وقانون الأراضي الزراعية والأحراش…إلخ، أثره في حملات وعمليات الإفلاس والتفليس الجماعي والإفقار الممنهج والترويع المؤدلج والتجويع المبرمج الذي طال جميع السوريين لكن بحكم أن المجتمعات العلوية مجتمعات زراعية بمعظمها فقد كان الضرر عليها أشد وأمضى. ولا يملك معظم هؤلاء المهاجرين والمهجرين إلى الداخل، حتى الآن، أية منازل وبيوت سكن في المنطقة الساحلية أو “الدولة العلوية الموعودة”، ولذا فهم مضطرون للعيش في أوضاع إنسانية مزرية بائسة ومؤسفة في أحزمة البؤس حول المدن “السنية” ليس حباً بتلك الحياة وإنما لكونهم لا يملكون فتر أرض في “الدولة” المزعومة. وتقدر أعداد هؤلاء بـ2-3 مليون سوري علوي خارج “الدولة الموعودة”، ولو كان هناك أية نية أو فكرة لدى هؤلاء وغيرهم للانفصال والعيش في كيان مستقل، في أي زمن ما، لكانوا قد فكروا وتصرفوا بطريقة أخرى ومغايرة تماماً، ولما فكـّروا بالاستقرار جيلاً بعد آخر في الداخل “السني” وعذراً شديداً على هذه التعابير الجارحة والمؤلمة والصادمة والتي لم نشأ ولم نتمن أن تخرج من شفاهنا في يوم من الأيام، والتي لم نعتد عليها ولم نكن لنصل لها ونستعملها لولا العدوان الخليجي-التركي الأطلسي على سوريا الذي فتح كل هذه الدمامل والجروح وأخرج كل هذا القيح والصديد اللفظي البغيض والمكروه.
ولن نتكلم ها هنا عن رجال الأعمال العلويين، أو عمن يفترض أنهم يمتلكون الاموال التي حصلوا عليها وراكموها بطريقة أو بأخرى وكيف كانت استثماراتهم شحيحة وباهتة وشبه معدومة في”الدولة العلوية” المزعومة، لا بل بالكاد تعثر على أي مشروع حيوي أو استثماري يـُشغـّل ويوظف نذراً من مئات الألوف من الشباب العلوي البائس والفقير والعاطل عن العمل. لا بل هناك كلام وأخبار عن استثمارات ضخمة وهائلة في مجال الاتصالات والطاقة والعقارات والفنادق في الخليج ومصر وحتى باكستان وتركيا (وهذه دول سنية)، من قبل رجال أعمال علويين يتعففون عن الاستثمار، ولم يلتفتوا ولم يفكـّروا يوماً بالاستثمار في دولتهم “العلوية” التي يروج لها إعلام الأضاليل. ولقد اتسم المسؤول العلوي، ومعه رجل الأعمال العلوي، بشكل عام، بالبخل والشح والتقتير الشديد والرهاب والخوف، على الصعيد الشخصي، وبالندرة والتمنع والرثاثة والابتذال في مجال الاستثمار وبناء القاعدة الاقتصادية والبنية التحتية لأية دولة مفترضة، على الصعيد الوطني والعام، وخاصة مع أبناء جلدتهم من العلويين، وأتحدى أي شخص أن يذكر لي اسم مشروع ذا نفع عام قام به رجل أعمال أو مسؤول علوي كبير بما منّ عليه وأفاض النظام من نـِعـَم وثروات وبركات، في مناطق وجود وعيش الملايين من العلويين العاطلين عن العمل، وتحضرني الآن أسماء أكثر من حوت وضبع مالي علوي لا أثر لأي مشروع استثماري له في مناطق تواجد العلويين(2). ولو أجرينا مقارنة بسيطة مع رجال الأعمال من إخواننا السنة الأكارم، وأوردنا اسم رجل أعمال ووجيه سني محترم ومعروف هو السيد صبحي جود ، لخرجنا بخلاصات كارثية وجارحة ومحبطة لجهة تنكر وإهمال وكسل المستثمر ورجل الأعمال المسمى بالعلوي. فالسيد جود الرجل الوجيه والمحترم والذي يمتلك عدة منشآت صناعية وإنتاجية يقوم من خلالها بتشـغـيل المئات من شباب السنة، تحديداً وحصرياً، وهذه واحدة تحسب له ويستحق أن ترفع القبعة احتراماً له بما يفيض به من خيراته وبركاته ونعمه على شباب عاطلين وبحاجة للقمة والعمل والأمان الاجتماعي. وذات الأمر بالنسبة لرجال الأعمال الشوام الذين يستثمرون في غير صناعة ومجال. ولن نتكلم عن رجال الأعمال والصناعيين الحلبيين “السنة”، وعذراً شديداً مرة أخرى للتعبير، الذين يستثمرون ويوظفون عشرات الآلاف من أبناء حلب ويفتحون لهم البيوت ويؤمنون لهم الرزق والرواتب وإعالة أطفالهم وبما يخلق ذلك من أمان وتكافل اجتماعي يفتقره كثيراً العلويون. وعلى العكس من ذلك، قد خلق هذا الواقع والتباين الطبقي والهوة الطبقية العميقة والمستقبل المجهول للعاطلين عن العمل توعاً من التذمر والغضب والسخط في صفوف الشباب العلوي العاطل عن العمل حين يرى البع “يعبثون” بالثروات، ويلعبون بالملايين وهو لا يملكون أي مستقبل ولا أمل، وما يولـّد ذلك لديهم من وسواس قهري وغيظ وحنق وما سماه ماركس بالحقد الطبقي.
وهذه واحدة أخرى، لكن الأهم من هذا وذاك، ينظر كثيرون للعلويين ككتلة بشرية وإيديولوجية وسياسية ومذهبية وعشائرية واحدة وصماء، وهذا أمر غير حقيقي وغير واقعي، وهناك عشرات الملاحظات والممارسات والأحداث والحقائق التي تنفي وتدحض تلك الأزعومة. فالتنوع السياسي والغنى الفكري والتعددية والتناقضات والمفارقات والاختلافات والتباينات بين العلويين هي الحقيقة الأكثر سطوعاً، وهي الأساس. وكانت المعارضة الوطنية العلوية، ودخول الآلاف من العلوين إلى السجون لأسباب سياسية واحدة من الحقائق التاريخية الصارخة المعروفة حتى الآن. فهناك المتدين والمتزمت دينياُ وهناك القومي العروبي وهناك القومي السوري والعلماني والبعثي العربي والليبرالي…إلخ، بين العلويين، إضافة إلى التنوع العشائري والتقسيمات العائلية الأصغر التي تطغى وتسيطر على سلوك وتفكير البعض وبكل أسف ولن نجامل ونقفز فوق الحقائق فنحن، ووفق نظرية الأنماط الاجتماعية، وقبل كل شيء أمام ظواهر سلوكية وفكرية وسلوكيات إنسانية، وأمام حالات بشرية وإنسانية، موجودة في كل زمان ومكان ولدى كل طائفة وملة. وهناك، بكل أسف وخجل، ومن العلويين أنفسهم وليس مؤامرة خارجية، بعض ممن لعب على عامل التنوع والتعدد العشائري عند العلويين ووظفها في ألعاب سياسية وسلطوية مخجلة ومشينة ضربت في بعض الاحيان والأزمان الوحدة النوعية والمذهبية للعلويين. وصار بموجب ذلك، كما في التيار التكفيري الوهابي، يمكن الحديث عن وهابيين علويين، فهناك عشائر علوية معصومة ومؤلهة ومرضية ومحبوبة ومحظية وناجية من النار من قبل متنفذين كبار كانت تحظى بالكثير من الامتيازات والترقيات وإطلاق اليد في مؤسسات النهب العام، وعشائر كافرة ومذمومة ومرتدة وأدنى شأناً ومشكوك في ولائها حرمت من أي شكل من أشكال العطاءات والترقيات والمناصب العليا والامتيازات والرضا السلطوي والأمني عليها وكانت دائماً موضع شك واتهام وريبة في الولاء. وكان أحد جنرالات الأمن المزمنين المرعبين الكبار، المدعو ع.د،(والشر برى وبعيد)، متزعماً لهذا التيار التمييزي الذي خلـّف ذيولاً مؤلمة وجارحة ولا تنسى في صفوف وبين أبناء الطائفة العلوية وشتت شملها وباعد بين أفرادها، وخلق حساسيات بين عشائرها، وهناك المزيد والكثير للقول في هذا الصدد غير أن الخجل والحياء، وحدهما، من تلك الممارسات الفاشية والمخزية تمنع المرء في الاسترسال في تفصيلاتها وحيثياتها، وقد يكون لدينا عودة لها في مقال قادم، أو الاطلاع عليها في كتابنا الذي لا يمكن أن يرى النور، في دولة البعث السلفية، والمعنون: هل اضاع العلويون فرصة تاريخية؟
ولو اتجهنا نحو العامل الأكثر حساسية وخطورة ونعني الجانب الأمني، فالكل يعلم أن هناك قرى علوية في اللاذقية، وطرطوس، وحمص، وحماه، وإدلب، متاخمة لقرى سنية وبؤر التوتر الساخنة، وكيف تعرض الكثير من هذه القرى(3) لأعمال انتقامية ووحشية وذبح جماعي وعلى الهوية من قبل العصابات الوهابية خليجية الهوى والتركيب والتنظيم والتمويل، دون أن تتمكن هذه الضحايا من الدفاع عن نفسها لعدم وجود قطعة سلاح واحدة لديها، معرّضة نفسها بسبب ذلك للفناء والموت والإبادة الجماعية. ولقد تعرضت العديد من العائلات والأفراد والشخصيات العلوية لمذابح جماعية (اتـُّهم النظام فيها) وعمليات إعدام واختطاف جماعي وتصفيات من دون أن تتمكن من الدفاع عن نفسها، أو تمتلك رصاصة واحدة للذود عن أطفالها ونفسها أمام قطعان ووحوش الجماعات الفاشية الوهابية الخليجية. ولكن رأينا، وبالمقابل، وبكل أسف، ومع العذر الشديد، دائماً، ومن دون أية تأويلات وتضمينات، وجود مستودعات ومخازن أسلحة وأنفاق وترسانات من الأسلحة ومصانع للعبوات الناسفة والأسلحة الثقيلة ومراكز تحكم واتصال وقدرة على المواجهة والصمود والاشتباك مع جيش عرمرم ومدرب وخبير كالجيش الوطني السوري، وذلك في بؤر التوتر وأماكن تواجد الميليشيات الأطلسية الوهابية الخليجية. هذه وقائع ملموسة وليس افتراءات أو تجن أو إيراد أي شكل من الوقائع المغلوطة.
فأين سيقيم العلويون دولتهم المزعومة، وكيف، وعلام، ومن أين حتى لو تم التفكير بها في لحظة ما، ومن هم أولئك العلويون المجتمعون على كلمة واحدة سواء، وما هي عوامل قوة وبقاء واستمرار الدولة المزعومة؟ أفيدونا، عباد الله، أي يرحمنا، ويرحمكم الله.
(1)قال الصديق العزيز الدكتور والباحث الأكاديمي المرموق، مدير مركز الدراسات والمعطيات الاستراتيجية، عماد فوزي الشعيبي، أن غاز المتوسط قبالة اللاذقية، ووفق أحدث الدراسات، سيجعل من سوريا الأولى عالمياً في هذا المجال، وذلك في مقابلة سابقة مع قناة شام.إف. إم الفضائية السورية.
(2)- تعتبر منطقة الشاطئ الأزرق واحدة من أجمل المناطق والمقاصد السياحية في اللاذقية، وهي ذات أغلبية سكانية علوية، ومع ذلك رأيت بأم عيني هاتين المجارير والمياه المالحة، أعزكم الله، على وجه الأرض ولا يوجد مجارير وتصريف صحي لها، وعلى البحر مباشرة، ولا يمكن إجراء أية مقارنة بينها وبين الكورنيش الجنوبي ذي الأغبية السنية لا من حيث المرافق ولا من حيث السعر وثمن المتر الواحد من الأرض الذي يميل على نحو فاحش وباهظ لصالح الكورنيش الجنوبي ويبدو الشاطئ الأزرق رثاً ومهملاً وقذراً و”ببلاش” وعديم النفع والفائدة أمام نظيره الجنوبي.
(3)- لي أقرباء واصدقاء أغنياء وووجهاء علويون أتراك، في اللواء السليب وهم أبناء عمومة، عرضوا أكثر من مرة، وأثناء زياراتهم المتكررة والاعتيادية والعائلية لي، وتحديداً قبل الأحداث، تقديم سلاح كهدية للحماية الشخصية مستغربين عدم وجود سلاح معي، وعدم وجود تسليح في المناطق والقرى العلوية، وقلت لهم إن هذا الامر خط أحمر، ورفضت الأمر رفضاً قاطعاً، وقالوا بأنهم جميعاً مسلحون. كما عرضوا أكثر تقديم أموال ومساعدات وتأمين هجرة وتهريب خارج سوريا بعد معرفتهم بأحوالي المزرية والبائسة بعد عودتي المشؤومة من الخارج، وعرضوا تأمين إقامة عند معرفتهم بأنني عاطل وممنوع من العمل لأسباب تتعلق بالأمن القومي تبع الرسالة الخالدة واسمي موضوع على قوائم البعث السوداء في مكتب الأمن القومي الذي تعرض للتفجير مؤخراً.
(4)- نعتذر عن إيراد أية أسماء ها هنا لكن قد نضمنـّها في دراسات لاحقة أوسع وأشمل. وشكرا لتفهمكم.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *