في لقاء السيد بشار الأسد مع القناة الرابعة من التلفيزيون الايراني , توجد العديد من النقاط , التي تستدعي التوقف عندها بكثير من الصبر والتفهم لمستوى السيد الأسد الفكري والثقافي والسياسي والانساني , فبغض النظر عن ادعائه , الذي لايمكن تفهمه حول التظاهرات “العفوية ” حيث يعرف الكل انه لاعفوية اطلاقا في مسيرات التصفيق والتلفيق , فالمسيرات , كما يعرف كل سوري هي مسيرات قسرية , والمشاركة بها اجباري وتحت طائلة العقاب , هذا لاينفي وجود جزء يسير رغبة وطوعا لأنه بالفعل من مؤيدي الأسد ,
بعد ان انتهى الرفيق بشار من التطرق الى عفوية المسيرات , انتقل السيد الأسد الى موضوع آخر , حيث قال ان الوضع الداخلي المتين في سوريا , هو الحاجز الحقيقي الذي يمنع نجاح أي تدخل خارجي .
من الصعب جدا مواكبة الرفيق بشار فكريا في طروحاته , التي تتميز بفهمه البسيط حتى درجة القصور والسذاجة الغير مألوفة من رئيس لجمهورية , فكثير من تصورات الرفيق لايمت للواقع بصلة , انه يتصور “متانة ” في الوضع السوري الداخلي , ومن الصعب ادراك معالم هذه “المتانة ” في سوريا المتهالكة, والتي تكاد ان تنقرض من الوجود العالمي كدولة , أو انها بالواقع انقرضت تحت وطأة الحرب الأهلية , التي قضت على حياة عشرات الألوف من المواطنين , وقادت الى عزل الجيفة السورية في المارستان الدولي خوفا من العدوى , الجيفة السورية مصابة بانتان يهدد الجوار الاقليمي بالمرض , لذا فقد أصبح من الضروري عزل هذه الجيفة دوليا , والاجتماع في جينيف لاتخاذ القرار بشأنها , وكل ذلك حدث بعد معانة مضنية وطويلة مع المرض السوري , الذي يكاد أن يكون مستعصي على أي علاج , فلا الشرشحة الدولية ولا العقوبات ولا طرد السفراء ولا التهديد بمحكمة الجنايات الدولية ولا مشاريع الجامعة العربية ولا العقوبات الاقتصادية ..الخ ,كانت كفيلة بالشفاء من الوباء السوري , ولا حتى في تحسين أعراضه .
لقد أصبح من الضروري للأسف اقصاء السوريين عن صياغة القرار السوري , فمن جهة السلطة , استولت روسيا وأتباعها على قرارات هذه السلطة , ومن جهة المعارضة استولى الغرب وأتباعه على القرار , وكل ذلك حدث في اطار من الانفصام والشيزوفرينية من قبل الرفيق وسلطته , الذي يكرر رفضه , أو بلغة أخرى , خوفه من التدخل الخارجي , تكرار تجاوز عدده عدد الشهيق والزفير عند الرفيق , وفي نفس الوقت لم يتوقف لحظة عن فعل اللازم من أجل اكتمال موجبات التدخل الخارجي ,فالرفيق يرفض التدخل ويسعى من أجله في آن واحد , سشيزوفرينية سياسية غير مألوفة , الا من الذي لم يستوعب ويفهم تعقيدات وملابسات الوضع الدولي .
الوضع الذي وصلت اليه سوريا بفضل جهود الرفيق بشار , لايتسم حقيقة بالمتانة ,الرفيق يتصور ليس أكثر , انه يظن , وفي الظن أثم , انه يفترض ! حتى أصبح وجود الدولة السورية “افتراضي “, فالمتانة وهمية , والتدخل الخارجي واقع ..سورية الآن “محمية ” دولية غير قادرة على القيام برعاية حالة “الاستقلال” التي تتمتع بها رسميا .
في وضع يتسم بفقدان المقدرة على رعاية وحماية الاستقلال , يجب طرح اسئلة بخصوص الوصاية , شيطنتها أو ضرورتها , وهنا يجيب التاريخ على جزء كبير من هذه الأسئلة , التي طرحت لعشرات المرات بعد الحرب العالمية الثانية ,فالواقع الدولي بعد الحرب العالمية الثانية لايعرف أكثر من التدخلات الخارجية المؤطرة باطار الشرعية الدولية , هنا تكفي الاشارة الى تدخلات للأمم المتحدة في كردستان عام 1991, وفي الصومال عام 1992 وفي هاييتي عام 1998 , ومن مردود هذه التدخلات كان انجاز المهمات الانسانية (كردستان ) وانقاذ تطور ديموقراطي (هاييتي) , تدخلات فشلت في مشروع “استعادة الأمل ” في صوماليا , أذكر أيضا بالتدخل في ليبيريا عام 1991 وفي سيرا ليون 1997 وتدخل الناتو في يوغوسلافيا 1995 وفي كوزوفو 1998 وفي ليبيا 2011 , قبل ذلك في العراق 1993 .
لايمكن شيطنة كل هذه التدخلات , التي قاد قسم كبير منها الى تحقيق أهداف انسانية ايجابية سامية , والى نجاحات سياسية لايجوز تجاهلها , كما أنه من الضروري الاعتراف بفشل بعضها كما في الصومال , الفشل ليس سببا كافيا للامتناع عن ممارسة هذه التدخلات اطلاقا .
الرئيس يتصور وجود مقاومة داخلية لتدخل دولي في سوريا , ولماذا يقاوم الوضع الداخلي التدخل الخارجي ؟ , فالتهالك الداخلي , الذي يتصوره الرفيق الرئيس على أنه متانة , يريد حلا لمعضلته , التي تهدد وجوده و ويريد الخروج من غياهب الحرب الأهلية , ومن المنطقي أن يتمنى التهالك الداخلي حلا لهذه المشاكل المهددة لوجوده بالتي هي أحسن ….سلميا وتوافقيا وحبيا , الا ألأن السلم والتوفق والحب تبخروا على نار حريق عشرات الألوف من جثث المواطنين السوريين في سياق حرب أهلية ضارية , حولت كيان الدولة الى أنقاض من خلال تداعيات الامراض التراكمية التي حلت بالوضع الداخلي من خلال تراكمات نصف القرن الماضي ,فحلم كل مواطن هو ان تولد الدولة السورية من جديد بقلب وقالب ديموقراطي حر حيث لاطائفية ولا فئوية , ولم يكن للشعب المهدد بالفناء والهلاك أي باع رئيسي في احداث ترامكات التهالك , الذي أفرزتها وصنعتها بشكل رئيسي و شبه مطلق سلطة مغتصبة , قتلت كل حيوية عقلية وسياسية واجتماعية ومدنية وديموقراطية في الشعب , حيث حولت الشعب الى قطيع فاقد لأدنى معالم المواطنية ,حيوية المواطنية لالتستقيم مع ممارسة التصفيق والتلفيق , وانما مع الابداع , وعقل ميت لايبدع .
لايمكن لسلطة “اغتصبت” ارادة الشعب ,أن تقدم للمشاكل التي سببتنها أصلا حلولا سلمية توافقية وحبية , ذلك لأن ذلك لايستقيم مع مكوناتها ومع اساليب واسباب وجودها واستمرارها في الوجود , أي أن السلطة لاتقوى على تقديم الحلول , ومعظم ابداعها هو قسري استبدادي استهلكته في أسوء مايمكن تصوره ..في الحل الأمني , الذي ليس بالحل وليس بالأمن , والبرهان على ذلك في اليد, والأحداث في الأربعين سنة الأخيرة تبرهن عن ذلك , وأوضح البراهين كانت في الأشهر الستة عشر السابقة
عند فشل السلطة القومية في انجاز الحد الأدنى من مهماتها , وعندما تصبح مسلكيتها مصدرا لتهديد السلم الاقليمي والعالمي, تنبري المنظمات الدولية ومنها وفي مقدمتها الأمم المتحدة لتحل محل السلطة القاصرة القومية , وترتب امور الدولة الاقليمية حسب القوانين والأعراف الدولية , والأمثلة سابقة الذكر تؤكد ذلك , ومن هنا يجب القول على الداخلي الهالك يتمنى حقيقة ترتيب أوضاعه وحل مشاكله , ويتمنى أساسا لو كان بمقدور السلطة الاقليمية المحلية القيام بذلك , الا أنها لاتقتدر , وبالتالي ليس أمام الوضع الداخلي الا أن يتمنى النجدة من الخارج .
يقال على أن الوضع الداخلي متردد في تقبل حل عن طريق خارجي , وهذا صحيح , فما هي اسباب هذا التردد ؟
لنسأل انفسنا عن اسباب هذذا التردد, الوضع الداخلي يريد حلا لاتقوى عليه السلطة , ولا علاقة هنا للحب في التدخل الخارجي , وانما ادراكا بوجود الكارثة التي لايمكن حلها داخليا وحبا في حلها , والسلطة وبالأخص رأسها اصلا هم أسباب الكارثة أو انهم المشكلة بحد ذاتها , والحل الخارجي الذي عليه أن ينجح , عليه أولا استئصال السلطة ورأسها , ولما كانت اهداف رأس السلطة محدودة في ضمان استمراره , لذا يقف القرصان مهددا متوعدا , ان رحلت قسرا فسأحرق البلد , ولن أرحل طوعا , ولا شك بمقدرته على حرق البلد , ولا شك في تقبله لحرق البلد , بكلمة أخرى لايتورع القرصان عن القيام بأي شيئ من أجل بقائه على كرسي القرصنة ..حرق البلد! , ,اي أهمية لذلك , دعوها تحترق , وليس القرصان وحيدا في هذه الخيارات , التاريخ يعرف الكثير من القراصنة .. نيرون , وحديثا القذافي وقبله صدام , ولا أريد عمدا دمج مبارك وبن علي وعلي عبد الله صالح وحتى البشير في هذه الزمرة ,ان هؤلاء على درجة درجة أعلى من الأخلاقية والرقي .
بشكل عام يجب القول , على أن التدخل يقع في صميم مهمات الأمم المتحدة , التي ترمي الى الحفاظ على الأمن والسلم العالميين , والذي تؤكده المادة 39 من ميثاق الأمم المتحدة , فزمن السيادة المطلقة الخالصة للدولة قد مضى , هذه السيادة التي كانت مانعا لأي تدخل , سيادة وجدت عصرها الذهبي في الحرب الباردة , وفي مؤتمر حقوق الانسان في جينيف عام 1993 , أكد المجتمع الدولي عدة مبادئ, منها التأكيد على أن مهمة الدولة هي حماية الأفراد , ودولة تقتل الأفراد تتحول الى عصابة , ولا سيادة لعصابة , هنا يحل المجتمع الدولي مكان السلطة التي فشلت في انجاز مهمامتها , ويحول هذه السلطة الى المحاكم الدولية , حيث يمكث الآن هناك العديد من الرؤساء والمجرمين الدوليين , الذين حكم عليهم أو بانتظار الحكم عليهم , أو انه لم يتم لحد الآن القبض عليهم (البشير ) أو أن اضبارة الاتهام قيد التحضير (الأسد) .
ما منع التدخل الخارجي المباشر في سوريا لحد الآن , ليس المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة , وانما التناقضات الدولية ذات العلاقة بالمصالح الجيوسياسية للدول الكبرى , وعدم المقدرة على احراز توافق دولي بخصوص التدخل المباشر , قاد الى التدخل الغير مباشر , الذي هو في منتهى السوء بالنسبة للشعب السوري , , الا أنه مفيد نسبيا للسلطة , التي تستطيع العيش معه سنين , لابل عشرات السنين .