لا أشعر بوجود دافع داخلي يجعلني أخص بالاستنكار تفجيرات دمشق الأخيرة , وذلك لأني لست بحاجة لكي أقبض من السلطة أو غير السلطة ثمن وقفة مخاتلة ومزيفة وقاصرة ومسيسة وبعيدة عن المعايير الانسانية ,ذلك لأن القتل هو قتل ان كان بالتقسيط ,كأن يقتل 50 مواطنا يوميا على دفعات في ريف دمشق !, أو أن يقتل 50 مواطنا دفعة واحدة خلال ذقائق , هذا أولا , أما ثانيا ,فانه لايحق لأي من ممارسي العنف أن يشكو من العنف , فلا يحق للسلطة السورية أن تشكو من تفجيرات القاعدة , ولا يحق للقاعدة أن تشكو من تفجيرات الحل الأمني ..فمن يقتل بالسيف , بالسيف يقتل!
وحول مقالة محمود ريا المعنونة , تفجيرات دمشق ..فشل ونجاح , والتي حاول بها ريا تفنيد الواقعة , فوقع قتيلا لريائه وتلفيقه , البعض يقول انه شهيد , وآخرون يقولون انه بغيض , والأرجح انه بغيض , ولذلك العديد من الأسباب , أولها الادعاء على انه في التفجيرات ثمة “نجاح” , والنجاح الذي يدعيه ريا هو رياء ., ذلك لأنه حاول اذابة المعارضة السورية في مؤسسة القاعدة للقتل والتخريب , ثم القول ان السلطة نجحت في ادعائها غلى أن المعارضة هي القاعدة قلبا وقالبا , المعارضة ليست القاعدة , ولا علاقة للمعارضة العسكرية أو المدنية مبدئيا مع القاعدة , لأنه لاتوجد احداث تبرهن عن وجود هذا الحلف , وكون للمعارضة والقاعدة عدو أو خصم مشترك , لايجعل من المعارضة حليفا للقاعدة .
لو نظرنا الى الماضي القريب , الذي توجه العراق بشكوى قدمها المالكي وحكومته الى الأمم المتحدة والجامعة العربية في آب 2009 وذلك ضد سوريا , وموضوع الشكوى كان اتهام لسوريا بممارسة الارهاب بشراكة مع القاعدة , حيث قامت القاعدة بتفجيرات في بغداد قتل بسببها المئات من الشعب العراقي , ولو تعمقنا بنظرنا بعض الشيئ لوجدنا على أن سوريا أصبحت , ولسنين عدة, ممرا لقوافل القاعدة , التي توافدت على العراق , ومصدرا أساسيا لتسليحها وتمويلها ..حيث فجرت وقتلت واغتالت مئات الألوف من أبناء الشعب العراقي ..كل هذا ! وبالاضافة اليه الموقف المعنوي الداعم للقاعدة والطالبان في افغانستان , ثم الحلف السياسي مع الاخوان المسلمين من حركة حماس ,تلك الحركة التي تناصرالقاعدة , وتعتبر فرعا من فروعها .
كل ذلك يبرهن على وجود نوع من التوافق , على الأقل مرحليا, بين السلطة الحاكمة والقاعدة , والسلطة التي تشكو من تفجيرات القاعدة الأخيرة , هي ذات السلطة التي فجرت عن طريق القاعدة في بغداد وغيرها من المدن العراقية , وهي ذات السلطة التي قدم المالكي ضدها العديد من الشكاوى , كان آخرها في آب 2009 , وهي ذات السلطة المتحالفة رسميا مع قاعدة حماس .
من هنا يجب القول على أن السلطة كانت حليفا مرحليا للقاعدة , ولا يعرف التاريخ الحديث معالم أي حلف بين المعارضة السورية والقاعدة , وكون القاعدة والمعارضة في خصام مع السلطة لايجعلهم مبدئيا حلفاء , اذ لكل منهم حساب خاص مع السلطة , وحساب القاعدة مع السلطة يرتكز على أسس المناهضة السنية للشيعة وفرعها العلوي , كما ان هناك عنصر ثأري في الموضوع ,اما حساب المعارضة مع السلطة فيرتكز على مناهضة المعارضة للديكتاتورية والفساد , وليس لهذه المناهضة أسس طائفية , واتهام المعارضة للسلطة بالطائفية لايجعل من المعارضة فرقة طائفية قطعا , كما انه لايمكن صبغ المعارضة بالصبغة الطائفية على الرغم من تنكص بعض المعارضين باتجاه طائفي واضح .
لطالما المعارضة لاتحكم الآن, فهي تستمد كافة خواصها من خصائص السلطة , وحتى خاصة شرعية المعارضة , فمصدرها هو لاشرعية السلطة , وخاصة العنف , فمصدرها هو عنف السلطة , وخاصة الطائفية عن البعض , فمصدرها طائفية السلطة , وخاصة الديموقراطية , فمصدرها ديكتاتورية السلطة , وخاصة الحرية , فمصدرها استبداد السلطة , وعندما تصبح المعارضة على رأس السلطة تتغير طريقة التقييم , اذ يصبح مصدر شرعيتها ارادة الشعب , التي تأتي عن طريق انتخابات نزيهة , وعدالتها تأتي عندئذ من ممارساتها , وحريتها من تحررها وعدم فسادها , وسلميتها من طريقة تداولها للسلطة ..الخ .
أما الفشل الذي يشخصه محمود ريا , فلا ينقص في ريائه عن رياء النجاح , اذ يقول ان القاعدة فشلت , ولما كانت المعارضة فرعا من فروع القاعدة , فقد فشلت المعارضة أيضا .
لايمكن الحديث عن فشل القاعدة وطالبان بشكل مطلق ,فللقاعدة نجاحاتها النسبية , لقد نجحت في انجاز أكبر قدر من التخريب والتقتيل , نجحت في زج العقائدية الطائفية في الصراع السياسي , ونجحت بالشراكة مع اعدائها في تتويج “العنف” كملك لحل المشاكل , وماذا فعلت السلطة مالم تفعله القاعدة ؟ ان كان موضوع العنف والحل الأمني الذي يحتضنه , أو الطائفية ومفرزاتها الاجتماعية-السياسية , أو انشاء الأحلاف الطائفية ..نجاد +الأسد+حزب الله – حماس+المالكي هم تعبير عن حزام شيعي لم تجد به حماس المرتع المناسب لها , لذا انسحبت , في حين يجد به الشريك الجديد من بلاد الرافدين وطنا عقائديا وسياسيا له ,أما على الجهة الأخرى فنجد كل ماهو سني اضافة الى الوهابية
انسانيا وأخلاقيا فشل الجميع ماعدا المعارضة السورية , التي تستمد نجاحها آنيا من فشل السلطة , ولايمكن الحديث عن أي فشل للمعارضة , الا مستقبلا , أي عندما تصبح المعارضة على رأس السلطة , وما حققته المعارضة في السنة الماضية يستحق الاعجاب , خاصة عند مراعاة عامل الزمن ,الذي يتراوح حول سنة واحدة.