هل تتجه سورية الى حل سلمي

أكد مجلس الأمن، في آخر بياناته بصدد الأزمة في سوريا، أهمية التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة، داعيا إلى تطبيق عاجل وشامل وفوري لجميع جوانب اقتراح كوفي أنان، وأعاد تأكيد دعمه الكامل لخطة المبعوث الدولي المؤلفة من ست نقاط، التي تهدف إلى الوقف الفوري لجميع أعمال العنف وانتهاكات حقوق الإنسان، وتأمين الدخول الإنساني، وتسهيل الانتقال السياسي إلى نظام سياسي ديمقراطي متعدد، يكون المواطنون فيه متساوين بغض النظر عن انتماءاتهم وعرقياتهم ومعتقداتهم، من خلال بدء حوار بين الحكومة السورية وجميع أطياف المعارضة السورية.

ويمثل بيان المجلس فصلا جديدا في مسلسل إشارات توالت عن توجه يدفع الأزمة في سوريا باتجاه حل سياسي للأزمة المستمرة منذ ثلاثة عشر شهرا.

جاء في سياق تلك الإشارات واحدة صدرت عن رياض الترك، أحد قادة إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي المنضوي في إطار المجلس الوطني السوري، وقبله صدرت إشارتان، واحدة عن المنسق العام لهيئة التنسيق الوطني للتغيير، حسن عبد العظيم، والثانية عن تيار بناء الدولة في سوريا، والأطراف الثلاثة تمثل ثقلا ملموسا في المعارضة السورية، وتعكس تنوعا في تلاوينها المختلفة، والجوهري في هذه الإشارات موافقتها على خطة المبعوث الدولي والعربي كوفي أنان الخاصة بسوريا.

والإشارات السابقة التي أصدرتها المعارضة لم تكن وحيدة؛ حيث صدرت بالتزامن معها موافقة السلطات السورية على الخطة، وهذا يعني توافقا سوريا بين السلطة والمعارضة على فتح الباب أمام حل سياسي للأزمة، يكون بديلا عن الحل الأمني العسكري الذي اعتمده النظام منذ اندلاع الأزمة في مارس (آذار) 2011، وما زال يتابعه حتى الآن، وما أفرزه هذا الخيار من تداعيات في الواقع، لا سيما في نقطتين؛ الأولى تبرز في نمو النزعة نحو العسكرية والتسليح، والثانية تتمثل في التوجه إلى دعم تشكيلات عسكرية معارضة على رأسها الجيش السوري الحر.

والإشارات السورية جميعا تمثل استجابة لخطة أنان ذات النقاط الست، بما حازته من دعم ومساندة دولية وعربية، كان من تعبيراتها قيام مؤتمر أصدقاء الشعب السوري باجتماعه في إسطنبول بتبني الخطة وإعلان دعمها بقوة، مما يعكس رغبة إقليمية ودولية واسعة في الاتجاه إلى خيار الحل السياسي باعتباره المنحى الذي ينبغي السير فيه لإخراج سوريا من الأزمة والوصول إلى حل لها، وهو ما تؤكد المعطيات السورية ضرورة الذهاب إليه من خلال أمرين اثنين؛ الأول: أن الحل الأمني العسكري الذي تتابعه السلطات لم يستطع معالجة الأزمة، على الرغم من توسيع أطر هذا الحل في الأشهر الثلاثة الأخيرة وتحويله إلى حرب شاملة، مما يفرض على النظام أو بعض أركانه إضافة إلى حلفائه أو بعض حلفائه في الخارج ضرورة التفكير والذهاب نحو بوابة للحل السياسي، أو القول بذلك على الأقل.

أما الأمر الثاني فيجسده موقف أطراف في المعارضة السورية، التي إن كانت مقتنعة بضعف إرادة النظام في الذهاب إلى حل سياسي يعالج الأزمة، فإنها قد لاحظت حجم الخسائر البشرية الكبيرة والدمار الذي أصاب مدنا وقرى سورية كثيرة، فشمل قتل وجرح واعتقال واختفاء وتهجير مئات آلاف الأشخاص، إضافة إلى تدمير ممتلكات ومصادر ووسائل عيش ملايين السوريين، وأدى إلى هجرة داخلية واسعة من جهة ولجوء إلى دول مجاورة هربا من تطورات وتداعيات الأزمة، مما عزز من التوجه إلى حل سياسي بهدف إيقاف مسلسل الدم ووقف مسارات التدمير، إذا قام النظام بالاستجابة إلى دعوات الحل السياسي الإقليمية والدولية والتفاعل معها.

وسط مؤشرات صعود خيار الحل السياسي للأزمة السورية بديلا للحل الأمني العسكري في المستويين الداخلي والخارجي، فإن ثمة مخاوف تتعلق بجدية النظام في الذهاب إلى الحل أو في عدم مقدرته على الانخراط فيه، مما يفرض على الأطراف المعنية في المستويين الداخلي والخارجي القيام بخطوات واتخاذ إجراءات جدية لتعزيز هذا الخيار بصورة عملية وصولا إلى فرضه والتعجيل بكل خطواته التنفيذية، لا سيما لجهة وقف العمليات الأمنية والعسكرية وسحب القوات المسلحة وإطلاق المعتقلين والانتقال إلى المراحل التالية، التي سترسم المرحلة الانتقالية.

ولعل أهم الخطوات التي تعزز خيار الحل السياسي في المستوى الداخلي تتمثل في بلورة توافق سوري من جهة قوى المعارضة السورية والحراك الشعبي إزاء ثلاث نقاط أساسية، أولاها تأكيد سلمية الحراك الشعبي، والثانية رفض التوجهات الهادفة إلى عسكرة الثورة، وتأكيد وحدة السوريين وتشاركهم في بناء مستقبل بلادهم على أساس دولة ديمقراطية تعددية توفر العدالة والمساواة لكل أبنائها.

وتتضمن الخطوات، التي من شأنها دعم التوجه إلى خيار الحل السياسي للأزمة من جانب المنظمات والقوى الإقليمية والدولية، تأمين دعم للتوجهات الأساسية للمعارضة السورية في سلمية الحراك ورفض عسكرة الثورة والخيار الديمقراطي، كما تشمل الامتناع عن دعم أي جهود هدفها تقديم السلاح والذخائر ومعدات ووسائل القمع للنظام، والضغط عليه بكل الوسائل لوقف العنف والامتناع عن ممارسته والذهاب إلى حل سياسي.

وتحتاج الخطوات السابقة في المستويين الداخلي والخارجي إلى روح عالية من المسؤولية والجدية، وكلاهما كان في حدود دنيا أو مفقودا في كثير من المواقف، التي صدرت عن أطراف داخلية وخارجية في الفترة السابقة من عمر الأزمة، لكن توافرهما والإصرار عليهما اليوم سوف يسهمان، بصورة حقيقية، بالدفع نحو خيار الحل السياسي وتنفيذه في سوريا، ولا يحتاج إلى تأكيد القول إن ضبابية وميوعة وعدم جدية المواقف الإقليمية والدولية من الأزمة، إضافة إلى تعنت النظام وتشدده وضعف المعارضة، قد أسهمت جميعا في استمرار الأزمة وزيادة فاتورتها بصورة خطيرة.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *