انتخابات مجلس الشعب السوري , خطاب الصور

وصل بعضهم إلى سوريا، وسيلتحق بهم آخرون. نحتاج إلى «الغرباء» دوماً حين نعجز، لسبب أو لآخر، عن تأكيد روايتنا. تغدو الصورة تراجيديّة تماماً حين يكون الراوي هو الشعب. غالباً ما تُضطر الشعوب إلى كتابة روايتها بدمها.
يريد الشعب أن يخبر مراقبين دوّليين «عزّلا» بأنّه يُقتل. يريد أن يخبرهم بأنّه يموت كي لا يُذل. سيصغي هؤلاء إلى وجع السوريين الثائرين، سيشاهدون روايتهم: شهداء ومعتقلون ونازحون ولاجئون وجرحى وبيوت مدّمرة ومنهوبة وقصص تعذيب وحكايات اختطاف وغياب.
لكنّهم أيضاً، أو بعضاً منهم على الأقل، سيشعرون بفضول ما حين يشاهدون تلك الصور المنتشرة بكثافة على جدران الأبنيّة وفي الشوارع العامّة والساحات. صور لوجوه تصطنع البسمة والبساطة والثقة، فتضفي على فضاء المدن السوريّة تلوّثاً بصريّاً ونفسيّاً في موسم يتكرر كلّ أربع سنوات: موعد انتخابات مجلس الشعب السوري.
لن يُضطر أصحاب «الأفكار المسبّقة» من بين «الغرباء» إلى الاستماع لـ«روايّة السلطة»، فهذه محفورة، وبعمق، في «سُمعة» سوريا عالميّاً، في شوارع المدن وفي عيون السوريين؛ في «عمران الخراب» الذي خلّفته أربعة عقود من سيرة البلد الذي تكنّى باسم رئيسه: سوريا الأسد!
لن يضطر المراقبون، بصفتهم بشراً قبل كلّ شيء، الى أن يسألوا عمّن يتحمّل المسؤوليّة. يكفيهم أن يتأمّلوا قليلاً في صور مرشحي مجلس الشعب السوري، ليتبع تأمّلهم سؤال عن «برامج انتخابيّة» مفترضة، وحين يكتشفون غيابها يعلمون أن البسمة المصطنعة والثقة المتوّهمة والبساطة المزعومة تحلّ محلّ الفراغ الذي يخلّفه غياب البرنامج.
يبتسم المرشحون في الصور، يعتصرون من وجوههم ملامح تأمّل وتفكير؛ يفشلون، ينظرون بجديّة أو بنعومة. لن يعلم أحد، ولا هم أنفسهم على الأرجح، ما الذي يودّون قوله من خلال هذا الخطاب البصري المستوحى، بشكل أو بآخر، من صور مغنّي ومغنيّات الدرجة العاشرة. يرتجل البعض، الأقل وسامة في الغالب، وأولئك الذين لم يسعفهم «الفوتوشوب»، كلمات وشعارات و«أفكارا» قد تعوّض شيئاً من انعدام «الفوتوجونيك». بالطبع، لن تخلو تلك «الأفكار» والشعارات من أخطاء إملائيّة، ولكنّها، في الغالب الأعم، تعاني فقراً شديداً في المعنى يصل حدّ الانعدام!
يصف أحدهم نفسه بأنّه «صوت الشباب الصاعد..»! إلى أين؟! هناك أيضاًَ من لا تنقصه جرأة غريبة حين يؤكد: «على العهد باقون»… أيّ عهد؟! ثالث متواضع، يكتب بجانب صورته: «لا أدّعي الكمال لكنّي أعدكم بتحقيق الآمال»!
يستمر الإنشاء، تتغذّى الشعارات من قوّة العطالة التي فرضها النظام على سوريا، والتي «بفضلها» بات المجتمع والدوّلة يقفان على حدود الخراب الشامل، إن لم يكونا قد خاضا فيه أصلاً. يعلن مرشحو مجلس الشعب عن أحد مظاهر تلك القوّة، وربما أكثر من ذلك: يكشف المرشحون السبعة آلاف، بصورهم الخاليّة من المعنى وشعاراتهم التي تثير قرف المواطن المسحوق، عمّا يمكن أن يكون تكثيفاً لانعدام الضمير الأخلاقي لدى «بعض» المجتمع السوري. إنّهم، مع غيرهم، خلاصة الخراب التاريخي الذي لحق بالبلد.
للصور رائحة، لجميعها على الأغلب. حين تملك الصورة القدرة على استثارة شيء ما في من يشاهدها لا بدّ أن يكون لها رائحة. والصور التي تثير «القرف» هي تلك التي توحي بتفسّخ مضمونها، بفواته، وانتهاء صلاحيته.
بالنسبة للمرشحين، الذين «يهدرون» أموالاً طائلة على حملات انتخابيّة تتراوح نشاطاتها بين إشباع البطون و«تفريغ» الشعارات، بالنسبة لهؤلاء لا شيء يحدث، لا شي قد حدث.
بالنسبة لهؤلاء، ليس ثمّة ثوّرة مستمرة منذ أكثر من عام، ثوّرة تحرق اليابس لينبت من بعده الأخضر.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *