مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية قال أمام مجلس الأمن , ان الحالة السورية قاتمة وغير مقبولة , فالجيش لايزال يهاجم المدنيين , والرئيس الأسد لم يف بتعهداته , ويوم أمس قتل أكثر من ستين سوري .
هناك تقارير لايمكن تصورها , حيث تم اعدام اشخاص في مدينة حماه بعد لقائهم مع المراقبين والتحدث اليهم , وهذا مايعتبره عنان عمل في منتهى السوء والبربرية والوحشية , عدد المقتولين بسبب شهادتهم امام المراقبين بلغ في مدينة حماه تسعة مواطنين , واعدامهم كان بعد يوم من تحدثم للمراقبين , كل ذلك حدث بعد حوالي 12 يموما من وصول هؤلاء المراقبين وبدئهم لعملهم .
الأمر يحتاج الى عدد أكبر من المراقبين , وخلال شهر سيصل عددهم الى مئة ,و قد رفضت السلطة السورية مراقبين من الدول ,التي تنتمي ألى مجموعة “أصدقاء سوريا” منهم أمريكا وفرنسا وبريطانيا والسعودية وقطر وألمانيا .
قبل جلسة مجلس الأمن قال المتحدث باسم عنان في مدينة جينيف , على ان السلطة السورية لم تسحب الأسلحة الثقيلة من المدن , كما نص الاتفاق على ذلك , ثم ان وقف اطلاق النار “هش” والقوات النظامية تتوقف عن اطلاق النار عندما يكون المراقبون بالقرب منها .
في هذه الأثناء أكدت منظمة التغذية الدولية , على أنها توزع الغذاء بشكل منتظم على حوالي 10000 سوري , وهذا العدد سيرتفع الى 500000 في الأيام المقبلة ,
كل ذلك يستوجب بعض التعليق , فتطلعات الشعب السوري لا تتحق في تقتيله , وكلنا يعرف على أن السلطة تريد التهرب من النقاط الست , التي قبلتها , نظريا , هل الاستمرار في التقتيل هو هدف السلطة ؟واذا كان الأمر كذلك , فأين هي شرعيتها ,؟ والنقاط الست تقول على أن السلطة يجب أن تتوقف أولا , لماذا لم تتوقف ؟ , وعدم توقفها هو دليل على عدم رغبتها في حقن الدماء , ثم ماهي العبرة من التحايل التافه على مقررات مجلس الأمن ؟ وهل يصدق مجلس الأمن ماتقوله السلطة عن الانسحاب ؟ , في حين هناك أقمار صناعية تراقب الوضع السوري بشكل مباشر , وهذه الأقمار تقول على أن الانسحاب لم يحدث , ثم أين هي مصلحة “الدولة ” السورية في انتهاك سمعتها من قبل السلطة , وتخريب العلاقات مع الأمم المتحدة , ليس الا انتهاكا لسمعة ومصلحة الدولة السورية من قبل السلطة التي تغتصبها ليلا نهارا .
وعن صور الرئيس وحرمه , وهو يهيئ أكياس الاعانة للجائعين السوريين , فلماذا يوجد جائع سوري ؟ ما هو سبب جوع السوري ؟ , وهل يمثل قيام الرئيس وحرمه بتهيئة أكياس الاعانة اهانة للشعب السوري؟ , ذلك لأن الرئيس وسلطته هي المسؤولة عن الجوع في سوريا , يجيع الشعب , ثم يهبه أكياس الاعانة كهبة منه , وهي في الواقع هبة من منظمة التغذية الدولية … يقتل القتيل ويسير في جنازته !!!.
لقد وصل الوضع الى حالة التهريج , ولما لم يعد من الممكن منع المراقبين من الوصول الى النقاط التي يريدون الوصول اليها , لذا يجب منع المواطن من التحدث اليهم , وعقوبة المخالفة هنا هي الموت اعداما بالرصاص , ولا يفيد نفي ذلك , لأن عنان قال ذلك بكل صراحة ووضوح , وعنان لايلقي الكلام على عواهنه , ولم يتحول بعد الى “شبيح” , والسلطة لاتدرك عواقب ذلك اطلاقا , ولأنها لاتدرك , فهي سلطة غير مسؤولة , انها تمارس التلفيق على نفسها , وكذب السلطة سوف يزيد الطين بلة .
الصحفي محمد شامي قال في جريدة الأخبار مايلي :” البعض يتناسى أنّ النظام السوري الذي يملك من القوة ما لا يردعه عن استخدام العنف،” هنا يجب طمأنة صحفي الأخبار , البعض لايتناسى اطلاقا على ان سبب استخدام العنف ضد المواطن هو امتلاك القوة العسكرية اللازمة لذلك , الا أن الصحفي يتناسى على أن امتلاك الأخلاق هو الذي يردع عن استخدام قوة العنف , وعندما لاتوجد أخلاق عند السلطة , يتحول الوطن الى غابة يقمعها قانون الغاب وملك الغاب راكب الدبابة !
كل ماقيل عن الأزمة السورية ان كان من المؤيدين للسلطة او المعارضين لها ذو طابع احادي , طابع يتغافل عن الآخر أو الذات , والسؤال البسيط هنا لما تأخر انفجار الثورة , ولماذا تأخر نجاح هذه الثورة في اسقاط النظام , مع العلم على ان التأخر نسبي , أي مقارنة بالدول العربية الأخرى , الثورة لاتزال في أوائلها , واسقاط الأنظمة المتجذرة كالأخطبوط لايتم بين ليلة وضحاها ولا في سنة وحتى ليس في سنين .
اذا اردنا التحدث عن التهريج السياسي وعن الظلم والقمع والتعسف , فالأسد الأول لاينقص عن عن الأسد الثاني قمعا وظلما وتعسفية وتهريجية وطائفية وديكتاتورية , ومع هذا فقد استمر أكثر من ثلاثين سنة , وطوال هذه الفترة استطاع الأسد الأول أن يتلاعب بالشعب السوري كما يريد , الفلق الى جانب اليسير من السكر , كان الضمانة لاستمراه , الا أن هذا لايشرف الشعب السوري بدرجة عالية , شعب خنع ثلاثين سنة بفضل الفلق وقطعة السكر , هو شعب مريض بدون شك , ومرض هذا الشعب هو السبب الذي أخر الانفجار ضد الأسد الثاني , وهو الذي سيؤخر نجاح هذا الانفجار في اسقاط االأسد, ولا أعرف التشخيص النهائي لهذا المرض .
الأسد الثاني يستخدم أيضا الفلق وقطعة السكر ,الا ان مابقي عنده من أوراق رابحة وامكانيات أصبح محدودا جدا , وكما قال كوفي عنان ..انه يقامر بالأوراق المزورة والكذب , أي انه أفلس نهائيا. وسقوطه أصبح حتمي , والدموع التي ستذرف عليه ستكون شحيحة جدا , وسنرى على أن أقرب المقربين أليه سينقلب عليه , خاصة عندما يقتنع هؤلاء على أن النهاية أتت , معظمهم لم يقتنع لحد الآن .
أسفي ليس على الأسود وليس على مصيرهم , أسفي على الغابة , وعلى سوريا التي تحولت الى غابة متوحشة , واذا كان نصف القرن الأسدي مشكلة , فان تنظيف البلاد من معالم الحضارة الأسدية سيكون المشكلة الأكبر , واذا كان النجاح في اسقاط الأسد أمر مضمون , فان النجاح في ازالة التراث الأسدي بفترة زمنية معقولة هو أمر غير مضمون , السبب هو ميل الشعب السوري الى المصالحة مع أي تراث , والثورة تكون ناقصة اذا تصالحت مع التراث البغيض , ولكي تكون الثورة كاملة , عليها تفكيك التراث تفكيكا تاما وواعيا ونقده عقليا وبكل تروي , وتجنب الجنوح الى الانفعاليات , فقد برهن الأسد على أن السجن والسحل والتعذيب والقمع لايؤبد سلطة , ومن يريد تفكيك النظام الأسدي عليه الاستفادة من بعض الدروس والعبر , والعبرة سابقة الذكر هي عبرة مهمة جدا فلا رعاعية الأسد فادته ولا رعاعية ثورة تفيدها ..انتبهوا جيدا !!