هل هي طبول حرب اقليمية؟

الحرب الإقليمية قادمة قادمة.. يجزم العديد من المراقبين بذلك. كيف لا؟ والتصريحات العسكرية الإسرائيلية لا تنفك تؤكد أن الضربة العسكرية لإيران غير مستبعدة، وربما بحلول نيسان المقبل، فيما تتداول أروقة تل أبيب مخطط «القضاء الأبدي» على «حزب الله» مخافة أن «تستغله» إيران في حال الهجوم عليها. في المقابل، هناك الوعيد الإيراني الذي لن يتهاون بـ«الردّ بقسوة».. فقواعد أميركا العسكرية وأساطيلها الخليجية ستكون «في جيبه الصغرى»، بحسب ما توحي به تصريحات الايرانيين. أما الحليف السوري فغير بعيد عن المشهد، لا بل في صلبه. الأزمة السورية قصمت ظهر البعير، وفرزت العالم العربي في اصطفافات واضحة المعالم والمصالح، أخطر ما فيها وجهها المذهبي. وسيتسع المشهد ليضم دول الخليج إلى جانب تركيا والعراق.. في ظل مخاوف متزايدة من انتشار الحركات المتطرفة. وهكذا لن تكون «الحرب القادمة» محصورة بين طرفين بل ستتسع لتشمل المنطقة بأكملها في ظلّ هذا التداخل العضوي في المخاوف والمصالح بين قوى كل معسكر.
ولكن على أي قاعدة يمكن الجزم بحتمية سيناريو مماثل؟ فهناك من يعتبر أن التهويل بالحرب لا يعدو كونه «بروباغندا» إسرائيلية إعلامية، تتقن تل أبيب لعبها، في حين أن لا مصلحة لأحد بالتورط في حرب ضارية غير مضمونة النتائج. أصحاب هذه النظرية يتسلحون بالتحذيرات الأميركية لإسرائيل بأنها غير مستعدة للوقوف إلى جانبها في حال اتخذت قراراً أُحادياً بالهجوم، وبالحشد الروسي والأميركي العسكري المتواجد في المنطقة.

إسرائيل هدّدت..هل تنفّذ؟
تشي التصريحات الآتية من أروقة صنع القرار الأميركي أن لعبة شدّ حبال الحرب على إيران محتدمة بين واشنطن وتل أبيب. وبينما لا تنفك إسرائيل تطلق التهديد تلو الآخر باقتراب ساعة الحسم عسكرياً، تتراوح المواقف في البيت الأبيض بين التخوف والترقب الحذر ومحاولة رسم سيناريوهات رد الفعل الأميركي في حال «فعلتها» إسرائيل.
خير مثال، ما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست»، في مقال للصحافي ديفيد اغناسيوس، أن وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا قلق إزاء تصاعد احتمال قيام إسرائيل بشن هجوم مفاجئ على إيران في الأشهر المقبلة، علماً أن بانيتا رفض، بحسب وكالتي «رويترز» و«أسوشيتد برس»، التعليق على مقال إغناسيوس من دون أن ينكر ما تضمنه.
وكتب اغناسيوس، الذي رافق بانيتا في رحلته إلى بروكسل، يقول إن «الهم الأكبر لوزير الدفاع الأميركي يكمن في تصاعد احتمال شن إسرائيل هجوم مفاجئ على إيران خلال الأشهر القليلة المقبلة، في ضربة استباقية لوقف جهود إيران في تصنيع القنبلة النووية».
ويشير إلى أن «الرئيس الأميركي باراك أوباما وبانيتا أبلغا إسرائيل معارضة الولايات المتحدة للهجوم على إيران، مؤكدين أن هجوماً كهذا سيؤثر سلباً على سياسة العقوبات الاقتصادية والوسائل الأخرى التي لا تشمل الحل العسكري». برغم ذلك، يضيف اغناسيوس أن «بانيتا يعتقد أن إسرائيل قد تشن هجوماً على إيران بحلول نيسان أو أيار أو حزيران».
في هذه الأثناء، سارع ثلاثة مسؤولين أميركيين للجزم بأن ليس هناك ما يؤكد بأن إسرائيل ستلتزم بهذه المهلة، وإن كانت الدلالات حسب رأيهم تشير إلى أن إسرائيل تستعد منذ أشهر لعملية من هذا القبيل، وقد وضعت خططاً للطوارئ، لكنها لم تحدّد وقتاً نهائياً للهجوم.
وقد أكد المسؤولون أهمية عدم استبعاد الضربة العسكرية لعدة أسباب، وإن كان هناك أسباب كثيرة أيضاً ثبطت المحاولات الإسرائيلية خلال السنوات العشر الأخيرة.
وفيما يضيف اغناسيوس أنه بحسب مسؤولين إسرائيليين يتحدثون عن سيناريو حرب قصيرة لا تتجاوز الخمسة أيام، قبل أن تتدخل الأمم المتحدة لفرض وقف إطلاق النار، فإن «الولايات المتحدة تفضل البقاء خارج الصراع إلا في حال استهداف إيران للمصالح الأميركية في المنطقة».
ويوافق الكاتب في معهد «كاونتربانش» غاريث بورتر على ما ذكرته «واشنطن بوست»، مؤكداًَ أن الولايات المتحدة بعثت برسالة واضحة إلى إسرائيل مفادها أنها لن تقف معها في حال اتخذت الخيار العسكري ضدّ إيران. ويذكر بورتر أنه في الشهر الماضي ابلغ رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة مارتن ديمبسي المسؤولين الإسرائيليين بأن واشنطن لن تشارك في أي ضربة عسكرية ما لم توافق عليها مسبقاً.
ولكن بورتر يؤكد أن تل أبيب مقتنعة بقدرتها على التصرّف بحرية في هذا الإطار، معوّلة على «تأثير اليمين المتطرف في أروقة صنع القرار في واشنطن والضغط على أوباما لمسايرة اسرائيل لا سيما أنه امام استحقاق انتخابي مفصلي».
حرب إسرائيل الإيرانية.. ومعضلة «حزب الله»
في سيناريو الحرب الإسرائيلية على إيران معضلة جوهرية تدركها إسرائيل جيداً، وهي أن تداعياتها ستطال المنطقة بأكملها. وإن كان هاجس أن ينخرط النظام السوري، الذي سيستفيد من الحرب مع إسرائيل للخروج من الأزمة الداخلية التي تهدّده، يبدو خطيراً فإن أي اشتباك بين إسرائيل و«حزب الله»، قد تغذيه إيران للانتقام، سيتحوّل إلى حرب شاملة بين تل أبيب وجيرانها من الدول العربية، من دون إغفال الآثار الكارثية التي ستتركها على المنطقة.
هذا ما كشفه مراسل صحيفة «الدايلي تلغراف» كون كافلين في تقرير كتبه من الحدود الإسرائيلية – اللبنانية يظهر استعداد إسرائيل لمواجهة أي هجوم يقوم به «حزب الله» في حال توجيهها ضربة لإيران، مؤكداً أن إسرائيل لن تنسحب من حربها الشرق – أوسطية قبل القضاء على الحزب.
ويعلّق مراسل «الدايلي تلغراف» قائلاًً «خلال مؤتمر هرتزيليا انشغل المسؤولون العسكريون والاستخباراتيون الإسرائيليون بالإجابة حول ما إذا كانت إسرائيل في صدد التحضير لشن ضربة عسكرية أحادية الجانب على إيران، في حين كانت الإجابة الأكثر إقناعاً من مسؤول رفيع يخدم في القوات الجوية الإسرائيلية الذي أكد أن إسرائيل استكملت كافة التحضيرات للهجوم، ولكن القرار النهائي يحدّده كل من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع إيهود باراك.
ما أعلنه المسؤولون العسكريون في إسرائيل، حسب كافلان، مرتبط بمدى استجابة إيران للعقوبات الأوروبية والأميركية، وفي حال لم تعد إيران عن عنادها «النووي»، فإن إسرائيل ستلجأ إلى الخيار العسكري قبل نهاية العام الجاري. ووفق هذا السيناريو «ستفتح أبواب الجحيم على طول الحدود الشمالية مع لبنان، عندما ستطلب إيران من حليفها «حزب الله» ضرب المدن والبلدات الإسرائيلية».
وفيما وصف الحدود بين إسرائيل و«حزب الله» بالخط الأمامي لمواجهة إيران، قال كافلين إن تصريحات المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تثبت أن إسرائيل لن توقف القتال ضد الحزب في حال اندلاع مواجهة جديدة بينهما، وذلك إلى أن يتم القضاء على تهديده العسكري إلى الأبد.
وأوضح المراسل «عندما زرت الحدود هذا الأسبوع تيقنت من وجود قناعة راسخة على مستوى القيادة العليا للجيش بأنه يجب القضاء على التهديد الذي يشكله الحزب على وجود إسرائيل إلى الأبد»، مشيراً إلى أن «خط المواجهة هنا يلعب دوراً لا يستهان به في الصراع الإقليمي الذي سيغيّر خريطة الشرق الأوسط الحديث».
أزمة سوريا واصطفافات المنطقة
.. هل تُقرع طبول الحرب؟
تحمل الأزمة السورية كافة المقومات لتوظيفها إقليمياً، لا سيما في الحرب على إيران. فتداعيات أزمة الداخل لن تتوقف عند حدود الداخل، حيث أن «أخطر مظاهر هذه الأزمة هو فرز المنطقة مذهبياَ وبشكل متطرّف»، حسب جاكسون ديل في «واشنطن بوست» الأميركية.
يعتبر ديل أن «الأزمة السورية أحدثت ما يشبه لعب الكباش بين السنة والشيعة.. بين تركيا وإيران. كما طرحت أسئلة وجودية بالنسبة للأكراد والفلسطينيين والشيعة، لا سيما في العراق ولبنان».
من هنا، يطرح ديل ما يشبه الرسم البياني للأطراف التي هرعت لشراء الحصة الأكبر من المصالح في هذه الأزمة، تحضيراً لمعركة فرض قوى تتحضّر لها الخريطة السياسية للمنطقة. بداية، هناك دول الخليج، وعلى رأسها قطر، التي تدافعت لفرض العقوبات وتدويل الأزمة السورية «ليس لأسباب ديموقراطية أبداً، فالدوافع طائفية بحتة. هدف هذه الدول ليس الأسد، إنها إيران العدو الفارسي الشيعي للمملكات العربية السنية»، يؤكد ديل.
في المقابل، كان هناك الحليف الأبرز لهذه الدول، وطبعاً ليس أميركا، إنما تركيا التي «لم تطالب بتنحي الأسد كرمى لعيون الشعب السوري، بل إن رئيس وزرائها، الإسلامي الطموح، يتمنى الحلول محلّ إيران عبر إسقاط الحليف السوري»، مع الإشارة إلى أن «تركيا تعتمد في الداخل السوري على الإخوان المسلمين السنة بطبيعة الحال».
من جهته، يشعر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بأن «سلطته مهدّدة مع اهتزاز حكم الأسد، لذلك يسعى إلى دعمه بشتى السبل، وفي هذه الأثناء يحكم من قبضته على سنة الداخل مخافة أن يتوحد خط الصراع بين البلدين». كما أن المالكي يشكل باباً ثميناً لإيران في مساعدتها للحليف السوري.
«حماس» بدورها «خرجت من المظلة الإيرانية السورية» بعد الأزمة، وعادت إلى «الحضن السني» في تركيا ومصر والأردن، ومن الطبيعي أن يترك هذا الأمر آثاره على الداخل الفلسطيني والإسرائيلي، يستنتج ديل.
أما مجلة «نيوزويك» فقد حذرت بدورها من «نزاع مذهبي قد يتحوّل إلى إقليمي، حيث أن الصراع في المنطقة لن يقف عند حدود سوريا وسيطال بحدوده الأولى تركيا ولبنان والعراق والأردن وإسرائيل». وحسب المجلة الأميركية تظهر معالم الحرب في ستة أشكال: الإرهاب واللاجئين والأزمات الاقتصادية والتطرف والنزعات الانفصالية وتدخل دول الجوار في الشأن الداخلي.
وأبعد من ذلك، تشير «نيوزويك» إلى أنه «كلما رأى السعوديون والأردنيون والإماراتيون والكويتيون والأتراك أن نظامي سوريا والعراق دمى في يد إيران كلما اتجهوا إلى تسليح السنة، وعزل النظامين عن باقي الدول، وصولاً إلى الصدام المباشر مع إيران».
وتعلّق «نيوزويك» قائلة «قد تبدو مثل هذه التحذيرات سخيفة في المرحلة الراهنة، ولكنها مرشحة لأن تصبح واقعاً مأساوياً إذا أصرت الدول الخليجية على منع إيران من الاحتفاظ بحليفها السوري، ما يؤدي إلى خلق حروب بالوكالة على الساحتين السورية والعراقية ستتسع لتبتلع المنطقة بأكملها».
في سياق مختلف، ذكر الكاتب في مجلة «ناشيونال إنترست» بيني موريس أن الاصطفافات الجديدة في المنطقة دفعت بإسرائيل إلى توسيع مروحة حلفائها. فـ«تصاعد التهديد الإيراني، ونمو النــفوذ التركي الإسلامي، وصعود نجم الأحزاب الإسلامية في العالم العربي ودعم حلفائها العرب التقليديين لهذه الأحزاب..كلها أمور دفعت إسرائيل لإعادة مراجعة قاعدة أحلافها». وقد «اتبعت إسرائيل في ذلك خطى مؤسسها بن غوريون الذي عمل على استقطاب الدول غير العربية والأقليات (تركيا، إيران، الأكراد، مسيحيي لبنان وجنوب أفريقيا)».
ويردف موريس قائلاً «لقد دفعت الوقائع الحالية بإسرائيل إلى توسيع مفهومها للأصدقاء المحتملين لتشمل دولاً مثل أذربيجان وقبرص (من دون إغفال العامل النفطي والحدود مع لبنان) والهند وبلغاريا ورومانيا وجنوب السودان».
هيفاء  زعيتر

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *