هناك شوق كبير للمعارضة الديموقراطية ,فسنين النظام الطويلة , التي لم يسمح النظام بها لأي معارضة أن تزهر أو تثمر, ثم الحالة الاقليمية وخاصة الدولية , التي فاحت منها رائحة ظاهرة المعارضة , شرقا وغربا , ونحن في الوسط , حيث نرى معارضة عند جيراننا على الجانب الآخر من المتوسط , ونسمع عن المعارضة في معظم دول العالم ودورها البناء في حكم البلاد , ثم نقرأ عن المعارضة التي قلبت السلطات , وأرسلت الحكومات الى صفوف المعارضة ..كل ذلك يحدث بشكل روتيني وغير متشنج , تلقائي وطبيعي ولاأحد يشكك به ..ممارسة من شدة طبيعيتها أصبحت شبه غريزية , كل ذلك حرض شهية وشوق الحالة التاخرية الى معارضة في اطار ديموقراطي , فنحن كيان بمعظم جوانبه , خاصة الجانب السلطوي , متأخر لاحاضر له وعلى هذا المنوال لامستقبل له أيضا , انه متأخر , أي أنه يعيش في آخر الزمن ..
التشويق الخارجي لشيئ من المعارضة , اضافة اي الغاء هذه الظاهرة في هذه البلاد , قاد الى الشعور المتطرف بأهمية المعارضة ..المحجوب مرغوب , ومن أشكال التطرف في الاشتياق لهذه الظاهرة كانت الأنانية في حب تملكها , كل انسان يريد أن يكون رأس وجسد المعارضة , يريد ابتلاعها , ولا يأتمن أحدا عليها , الشعور بالأهمية جامح ومتأجج ومتطرف , وهذا الشعور الممانع للانطواء مع الغير تحت جناح معارض وبالتالي تكريس الفردية , هو من أهم نقاط الضعف في أي معارضة , وخاصة المعارضة السورية , التي ابتلت ببلاء الفردية لأسباب أخرى اضافية , المعارضة التي تعارض السلطة , وتتهم السلطة بالفردية شعوريا وعقليا , تصاب بعدوى الفردية لاشعوريا ومن حيث لاتريد . تنتقد الفردية ,واذا بها تمارس الفردية بتطرف قد يكون أكثر من ممارسة السلطة لها .
الفرد السوري يشعر بالواقع بالضرورة الملحة لنظام يتضمن معارضة , ومشاعرة الهائجة والمتطرفة هذه قد تعرقل آنيا أو على المدى القريب ولادة معارضة فعالة , الا أنه ليس للمعارضة أن تولد دون الشعور بأهمبيتها , هذا الشعور المحفز هو الأساس , وهذاالشعور يمثل بالرغم من علاته الفصل الأول من قضية التنوير وتحضير اسلوب الحكم ثم تحديثه وترقيته .
الفصل الثاني بعد الأهمية , هو فصل الماهية , أي انه على الانسان المعارض أن يعرف الكثير عن ماهية المعارضة , وبكلمة أخرى عن ماهية الديموقراطية , لأن الديموقراطية هي الحاضن الوحيد لنظام وظاهرة المعارضة , ولما كانت الديموقراطية “أسلوب ” يتطور , أكثر من كونها قوانين ودساتير تتحشب وتتحجر , لذا فان المعارف الثابتة عن ماهية الديموقراطية , ليست بتلك الأهمية البالغة , المهم اتقان اسلوب اللعبة ثم بعدها اللعب , واذا بقي موضوع الديموقراطية والمعارضة مجرد شوق لها وشعور بضرورتها وأهميتها ’ تتحول القضية الى نوع من محاولة استهلاك لما هو غير موجود ..استهلاك والتهام أكلة لم تطبخ ..الجوع يزداد بسبب الشهية الجامحة وبسبب عدم وجود مايؤكل.
الممارسة الديموقراطية المعارضة تهدف الى تكريس أهمية المجتمع واعادة اعتباره في وجه طغيان السلطة , المجتمع المعارض يحجم ويحدد ويؤطر السلطة ويمنعها من التمادي والترهل والدوران حول الذات , وبالتالي يصبح التقدم أمرا حتميا وقسريا , المعارضة تمنع السلطة من الانفصال عن الواقع , وتمنع أستذة السلطة ووصاية السلطة الأبوية على المجتمع , سلطة عليها فهم وتحليل التناقضات , وليس تلقين المجتمع مبادئ الانبطاحية والانصياع , والمعارض يجب ان يتجاوز رد العفل وينتقل الى الفعل ,المعارض الفعال هو المعارض الذي لايعتبر النقد تجريحا , ولا يعتبرالحقد على أنه الدافع الرئيسي للنقد , , اشكالية الحساسية من الحقد والنقد والتجريح تنطبق على السلطة كما تنطبق على المعارضة , وتمسك أحد الاأطراف بممارسات اعتبار النقد حقد , يحول النقاش والتفاعل والحوار بين السلطة والمعارضة الى حوار طرشان .
يمكن في نهاية هذا الحديث القول , ان الانسان السوري يشعر بضروة المعارضة الديموقراطية , وأظن على أنه يعرف الكثير عن ماهية المعارضة الديموقراطية , وانه متقدم جدا على السلطة في ممارساته وادراكاته وحضاراته , وأحد أهم المعالم الديموقراطية للمعارضة السورية هو عدم وحدانيتها وتنوعها , تنوع يقف امام سلطة واحدة موحدة رأسها واحد وقرارها من واحد واهتمامها بهذا الواحد ,وهذه التشكيلة التي تتميزبوقوف تنوع في مجابهة الواحد ,هي ما يمكن تصويرها بصورة أخرى , هنا تقف الديموقراطية في وجه الديكتاتورية , هنا تقف التعددية في وجه الوحدانية , ولا يجوز التحسر على مايسميه البعض” تشتت “المعارضة , التشتت هو تنوع , والديموقراطية لاتعرف الا التنوع , وهذا التنوع هو الذي يعطيني الشعور بأن ماسياتي سيكون ديموقراطيا حقا .
لابد هنا من التلميح على بعض اعاقات ومصاعب التنوع , انه بشكل عام صحي , الا أنه يحتاج من أجل اتخاذ القرار وصياغته وقتا أطول أو طويلا , التنوع مرفوق بالنقاش والأخذ والرد , الذي يتطلب أيضا وقتا قد يكون طويلا , لاديموقراطية دون تنوع وتباين , أما الديكتاتورية فلاتعرف الأخذ والرد , القرار في رأس الديكتاتور وتنفيذه رهن مشيئته , وبالرغم من ذلك تبقى الديكتاتورية من أصعب البليات