لايمثل التقتيل الأخير في حي الميدان , الا حلقة من حلقات التداول السوري المتوحش , الذي يمثل حدوثه نوعا من الحتمية , التي يجب على الانسا ن السوري الخاضع لشروط الحياة السياسية في نصف القرن الماضي أ ن يتوقعها , فقد احتقنت العقود الخمسة السابقة بالظلم والفساد والحقد , والوضع يزداد تأزما ووحشية يوما بعد يوم , وفي الأفق القريب والمتوسط لايمكن رؤية أي تطور ايجابي , نفق مظلم طويل و بصيص الأمل في نهايته غير مرئي , والبلالد في طريقها الى الانتحار …واذا كانت البلاد في طريقها الى الانتحار فلما العجب من أي انتحاري ؟؟؟؟
الحدث يوم أمس لايمثل حقيقة شيئا جديدا , ولا بد من القول على ان المستقبل , للأسف, سيفرز ماهو أكثر وما هو أعظم من منتجات التوحش , وعلى الانسان السوري , الذي يتعفن ويتخرب ويتنخر على مزبلة السلطة , ان لايتوقع الفرج , دون الافراج عنه من انياب السلطة , التي شوهته وقلبته الى وحش انتحاري , السلطة الفتاكة فتكت في ضمير وأخلاق الكثير من السوريين , واعادتم الى مرحلة الوحشية , ولا أظن على أن الوطن سيتحسن ويصبح أكثر عافية وصحة عند تجريد الارهاب الحالي الحاد سببيا من الارهاب السلطوي المزمن ..الوضع هو ارهاب وارهاب معاكس , وعلى من يملك ذرة من الشرف والعقل أن يترفع عن الاتجار بالحدث وتوظيفه في بعض المجالات السياسية التي لاعلاقة لها به , أو استثماره من أجل الكسب السياسي الرخيص.
من رحم الأصولية السياسية والدينية ولد الانتحاري , الذي رحل ويترحل في هذا العالم من مدينة لأخرى ,ومن دولة لأخرى , الا أن أهم محطاته كانت اسرائيل وأوروبا والمشرق بشكل عام , ونتائج أعمال الانتحاري كانت ولا تزال متشابهة , وفي معظمها يتمثل الفتك البربري بالأبرياء , الا أن الارتكاس لأعمال الانتحاري كان متباينا , ليس كل من يشجب ارهاب الميدان هو معارض مبدئي للارهاب ..للارهاب وظائف ومهمات , وكم من نظام وظف الارهاب في خدمته ولتحقيق أهدافه الرخيصة .
فالسلطة السورية التي تفخر بحماس وترعاها , هللت دائما ضمنيا وظاهريا لكل عمل انتحاري قامت به حماس , غير أبهة بالأضرار التي لحقت بالقضية الفلسطينية من جراء انتحاري حماس , وذلك لأن فوائد الحلف السياسي مع حماس بالنسبة للسلطة , التي لم يبق عندها الكثير من الحلفاء , أكثر أهمية من قضية فلسطين , التي يتاجر بها الزعماء العرب منذ حوالي مئة سنة تقريبا ,.
لقد حذر البعض من مغبة الغبطة بانتحاري حماس , اضافة اليهم انتحاري القاعدة , والفرح عم الكثير من الديار بعد كل انتحار , ولا يزال البعض يطرب كثيرا لسماع اخبار نشاطات القاعدة وغيرها من الجماعات الارهابية, التي ساعدتها السلطة كثيرا في عملية تصدير الارهاب الانتحاري الى العراق , حيث سيرت السلطة قوافل الانتحاريين عبر سوريا الى العراق , ويوم أمس أو يوم قبل أمس نحر انتحاريو العراق أكثر من سبعين انسانا , وفي سوريا كان عددهم يوم أمس أقل من ذلك ..الا أن الحبل على الجرار !, الانتحاري الرحالة وصل الى دمشق برجل واحدة , والرجل الأخرى بقيت في العراق , المتواجدة في وضع أكثر تعاسة من الوضع في سوريا , الا أن الوضع السوري في طريقه لكي يصبح العراق الثاني .
رفض العمل الانتحاري لايعني تقبل الظلم , اني أرفض انتحاري حماس , وأرفض الظلم الذي تمارسه اسرائيل ’, ولا علاقة لمناصرة الحق بمناصرة الانتحار ..اناصر الحق الفلسطيني , وأعارض العمل الانتحاري , كان اينما كان , وسيان ضد من كان .
عندما يفكر الانسان يمبدئية المواقف , يصعب عليه فهم مسلكية السلطة السورية , الا أن صياغة الموقف نفعيا وريعيا وللمدى القصير جدا يسمح بفهم هذه المسلكية .. الموقف المبدئي ضد الارهاب يرفض الارهاب قطعا , والموقف الريعي النفعي من الارهاب , يسمي الارهاب ضد البعض خير , وضد البعض الآخر شر , ومن هذا المنطلق تعاملت أمريكا مع القاعدة , التي تحالفت معها ضد السوفييت , صديق الأمس أصبح عدو اليوم ..حال سوريا لايختلف عن حال أمريكا , حيث هناك حلف متشابك مع الارهاب ونشاط لتسهيل تصديره الى العراق على الأقل , والتطورات الأخيرة تشير ان نوع من انقلاب السحر على الساحر …! يحصد الانسان عادة مازرعه , والمزرعة السورية لاتختلف عن بقية المزارع !!