“فحيح الأفاعي و عواء الضباع وصولات الخنازير!”
إنهم يغسلون الأدمغة!
(خالد منتصر)
الضمير هو جوهر الدين، من الممكن أن تؤدى طقوس دينك وشعائر عقيدتك بكل صرامة ورغم ذلك لم تصل بعد إلى الجوهر والنواة والسماحة والسمو والشفافية!، لا تندهش وخذ العبرة من قراءة التاريخ، وأعتقد أن في قصة الخوارج – وهم وسط قومهم وفى زمانهم في منتهى الورع والتقوى وقمة تنفيذ الشكل والطقوس الدينية – ما يعينك على فهم كيف يصل الخلط بالناس إلى اعتبار القتل منتهى التدين؟، وماذا تفعل الضبابية وغسل المخ في عقل وتصرفات وسلوك البعض ممن يتخيلون أنهم يخدمون الإسلام وينفذون أوامر الله وتعاليم الدين، والله منهم براء.
هل تعرف عزيزي القارئ من هو عبد الرحمن بن ملجم؟، إنه قاتل إمام المتقين على بن أبى طالب، كرم الله وجهه، من المؤكد أنك تعتقد أنه مجرد رجل عابث ماجن لا يحفظ القرآن، للأسف خاب ظنك، هذا القاتل كان مثال الصلاح والورع في زمنه، بل إنه كان من أفضل من يحفظ القرآن لدرجة أن الفاروق عمر بن الخطاب لم يجد أفضل منه ليقرئ أهل مصر القرآن!!، هذا التقى النقي الصالح قتل أمير المؤمنين أبا الحسن وهو يردد قول الله تعالى (ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد)، فقال له علي رضي الله عنه: أي عدو الله ألم أحسن إليك؟، قال: بلى، قال: فما حملك على هذا؟، قال: شحذت سيفي أربعين صباحاً وسألت الله أن يقتل به شر خلقه!!.
قصة أخرى سأترك لكم تقييم دلالاتها وقراءة كيف وإلى أي مدى يصل إنسان إلى هذه الازدواجية ما بين قمة التقوى من وجهة نظره طبعاً وقمة القسوة في آن واحد؟!، القصة هي مقتل عبد الله بن خباب بن الأرت بواسطة الخوارج الذين كانوا أكثر الناس صلاة وسجوداً لدرجة أن منهم من كان يطلق عليه «ذو النفثات»، لأن ركبه مثل ركب الإبل من كثرة السجود!!، هذا الرجل المسكين عبد الله بن خباب ساقه حظه التعس هو وحماره وأم ولده الحامل في شهرها الأخير إلى المرور على ضفاف نهر النهروان أمام جمع من الخوارج، عرفوا أنه ابن الصحابي الجليل، فسألوه عن رأيه في أبي بكر وعمر، فأثنى عليهما، طبعاً لم يعجب الخوارج هذا الثناء، فسألوه عن عثمان والإمام على والتحكيم، فأثنى عليهما أيضاً وقال عن علي: إنه أعلم بكتاب الله منكم ومنى، وأنفذ بصيرة، وأشد توقياً على دينه.
فقالوا له إنك تتبع الهوى، وتوالى الرجال على أسمائهم لا على أفعالهم، والله لنقتلنك قتلة ما قتلناها أحدا!!، قتلوه وسال دمه أنهاراً فى نهر النهروان، وبقروا بطن أم ولده الحامل ولم يرحموا الشيخ ولا المرأة ولا الطفل.
سيناريو هذه القصة لن يكتمل إلا إذا عرفنا الإطار أو الكادر الذي تم فيه هذا المشهد المرعب، هؤلاء التقاة أهل الورع الساجدون وهم يهمون بالذبح وبقر البطن هاجوا وماجوا وثاروا، لأن واحداً منهم قتل خنزيراً لشخص من أهل العهد والذمة!!، وكانوا على وشك التقاتل والتناحر وثارت الدماء في عروقهم، لأن شخصاً منهم «يا حرام وعيب الشوم» أكل ثمرة نخلة يمتلكها ذمي!!، أصروا على دفع ثمن الثمرة بعد الاعتذار والتأسف وإبداء الخجل وتأنيب الضمير!!، أنبهم ضميرهم على البلحة والخنزير ولم يؤنبهم على ذبح الشيخ من الوريد إلى الوريد وبقر بطن الحامل وهى تصرخ وتتوسل!!.
أترك لكم وضع علامات التعجب المناسبة والإجابة عن كيفية غسل الدماغ ببرسيل ورابسو وإريال الدين المغلوط!!، الدين هو صفاء النية ونظافة الضمير وليس رغبة القتل ونشوة التدمير.
نقلاً عن صحيفة “المصري اليوم.