شرعية المعارضة من لاشرعية النظام

لماذا انفجر  الوضع السوري بشكل ثورة  في وجه النظام ؟ الجواب  هو الحال الذي وصل اليه الشعب   سياسيا واجتماعيا وعسكريا  واقتصاديا   , حيث افتقر هذا الشعب الى معظم مقومات العيش الكريم ..من حرية الى ديموقراطية الى استقلالية ..لايوجد فائض الا في القمع الديكتاتوري وفي الفساد  , ومن هنا يمكن فهم  آلية  وأسباب الانفجار السوري,  الذي لايختلف كثيرا عن بقية الانفجارات العربية في أسبابه  , وان اختلف في سبل حله أو في نتائجه .

فمن أين تأتي الشرعية ,التي تسمح لنظام  معين , أن يحكم وأن يستمر بالحكم نصف قرن من الزمن ؟ الشرعية تأتي من خلال ممارسات  ديموقراطية  ,من أبسطها انتخابات حرة  ,او على قدر كاف من الشفافية  والصحة , وهذا ما  لم يقم به النظام , ومن يدعي  على ان الشعب انتخب الرئيس بموافقة 99% من الأصوات , والرئيس قبله ب 100% من الاصوات   ليس من هذا العالم , وانما من عالم الخيال والتخيل , لم تحدث انتخابات  قطعا ,  وتراخي الشعب السوري في مطالبته بمعاقبة من زور الاستفتاء  , لاتمثل قناعة هذا الشعب  بصحة الطريقة , التي جرى  بها هذا الاستفتاء , وقبل ذلك  الطريقة التي تم بها تغيير الدستور  , وذلك لتتغيير  العمر الأدنى لرئيس الجمهورية .

لو تغاضى الانسان عن  تلك  الممارسات العوجاء العرجاء  , قائلا   لقد كانت هناك  ظروف  خاصة  وعدم دراية ..الخ  , وعفى الله عما مضى , فان هذا الانسان لايستطيع ممارسة التغاضي الى اللانهاية , السلطة أتت على  رجل عوجاء عرجاء , وقد كان عليها أن تستقيم  , وكان عليها  التدرج  والترفع  من محكومية  احتقارية  طائفية وعنصرية  وحشية , الى محكومية أرقى , وقد أعطيت أكثر من المعقول من الزمن , نصف قرن من الزمن  , الذي أتلفه النظام  ودمره , فاضافة الى المحكومية البربرية الاحتقارية  ,  نمى الفساد بسرعة  غير معقولة وليست مألوفة في تاريخ الشعوب ,  حل الثراء على الأقرباء  وعلى من له موقعا مناسبا في السلطة , وعم الفقر  الشعب ,  وقضي نهائيا على الطبقة الوسطة .

ثراء الأقرباء  لم يكن بتلك المعضلة التي لاحل لها , فالأمر  مادي بحت  , الا أن  افساد المواطن  وتخريب ممارسته  الوطنية  واختزالها الى ممارسة   احتقار القانون  والترفع عليه   ورفسه بالنعال  , فهو المشكلة التي لاحل سريع لها , ولا حل سريع لمشكلة الحريات  التي تدنت الى أدنى مستوى عالمي لها , كما أنه لاحل سريع لمشكلة الديموقراطية , فمن ولد عام 1960  يبلغ الآن من العمر خمسين عاما  , قضاها في  مواكبة المسيرات  وحفلات القضاء على العقل ,  وممارسات تأليه الحاكم  والتمرس على الرياء  والخوف من  المخابرات , وعدم الثقة بأجهزة الدولة , والرشوة , وعدم وجود قضاء ..لم  يتمرن هذا  الخمسيني  على الديموقراطية والحرية واحترام القانون  ورفض المحسوبية , وقد علمته السلطة  لحوالي اربعين عاما على أن البعث هو قائد الدولة والمجتمع ,لقد أصبحت الانبطاحية جزءا  أصيلا  من شخصيته  , وباقي  العاهات تأصلت أيضا  , حتى يمكن القول ان الانسان أصبح مشوها ولاديا ..

لايقتصر  الفشل في شرعنة النظام  على الاختلاسات وعلى تشوية الانسان السوري  عن طريق  تغيير قيم المواطنة , وانما تعدى ذلك  الى اخضاع المواطن  لمبدأ هجرة الذات , اذ  ليس للمواطن الحق في  حياة افضل  وليس له الحق في الحرية او الديموقراطية والرخاء ,  لأنه من الضروري   حشد قوى الشعب  في مواجهة الجهة  التي تتربص به بشكل مزمن والتي تسمى المؤامرة  , وعليه مواجهة المتربص  المتآمر  بسلاح الفقر والتعتير  والمرض والتأخر والخوف والشقاء  والفساد والمحسوبية  وغير ذلك من الشيم التي اصبحت سورية بامتياز ,  وذلك من سجنه ومنفاه  ومواخير  تعذيبه ,  انسان  المواجهة    هو انسان اللاقانون , هو الانسان الذي  لايستطيع التنعم الا بريع  الفساد , ان كان معلما أو تاجرا أو حتى رئيسا لمجلس الوزراء ,الذي عليه أن يعيش في الوطن السورية حياة حرة نظيفة براتب شهري قدره 86000 ل.س.  وهل يوجد اجبار على ممارسة الفساد  أكبر وأعظم من هذا الاجبار ..

هجرة الذات تعني  الزهد بالذات , وتوفير كل شيئ  من أجل المعركة , التي لايعلو صوتها صوت  ..صوت المعركة  المدوي المجلجل  في السماء وعلى الأرض… الأبدي اللامتناهي.وعندما يبحث الانسان عن هذه المعركة , التي لم يخوضها أحد ,لايجد من نتائجها  الا الفقر والتأخر  والاستبداد والعبودية , التي  على المواطن الهاجر  لذاته  أن ينعم بها  , ثم ان هجر الذات ضروري لسبب آخر  هو  ضرورة “الممانعة ”  أو مايسمى ممارسة  الوطنية الممانعة , والوطنية الممانعة تعني  خروج الانسان من وطنه , والالتحاق بوطن “الممانعة ”  حيث يمكن تشبيه وطن ” الممانعة” بالفردوس أو الجنة , مواطن الممانعة  يخرج من حياته  ووطنه الفاني  ,  ويلتحق  فورا بفردوس  وطن” الممانعة” ..انه وطن خارجي  وخارج عن ارادة المواطن , انه الوطن في الخارج .. تلرة يحارب هذا الوطن أمريكا وتارة أخرى تركيا  أو قطر أو الجامعة العربية أو الأمم المتحدة ..الخ  ,الا أن اسرائيل تبقى من ثوابت الممانعة  , ومن أجل الممانعة  الخارجية   والنجاح في هذه الحرب الخارجية , يبذل الوطن الغالي والرخيص  من أجل الجيش  الذي كان  الجيش السوري  حيث أصبح الجيش العربي السورية , وبعدها جيش البعث  والآن كتائب الأسد , وهذا الجيش  المخصص  لحماية الدار والديار من  شرور الاستعمار ,  انقلب على مهمته بعد تحوله الى كتائب الأسد  , التي نجحت لحد الآن بقتل الألوف من الشعب السوري , الجيش الذي يبحث المواطن عنه محاربا  في الخارج  وجده قاتلا  في الداخل ..في جسر الشغور أو حمص أو الرستن , وليس في هونولولو أو تل أبيب ..الممانعة الخارجية تعني  عمليا الممانعة الداخلية …

عودة  الى الشرعية  التي لم تحصل , ونظرا لما ذكر  وما يمكن أيضا ذكره , والذي لايختلف بآليته  وخصائصه عن المذكور , يجب القول ان السلطة ليست شرعية بالتأكيد, وهي بدون أي شك أيضا لاتعترف بعدم شرعيتها  وذلك من منظارها الخاص , اذ أن أساس شرعية  طرف  مسيطر على فضاء الدولة الدولة سياسيا واجتماعيا  واقتصاديا وعسكريا  , هي عدم شرعية الطرف الآخر ,أو ما يمكن تسميته بالشرعية الغير مباشرة,والأصولية الدينية لاتختلف الأصولية الديكتاتورية  اطلاقا ,  فالشرعية التي تدعي الأصولية حيازتها  على سبيل المثال   , هي شرعية غير مباشرة  ترتكز على عدم شرعية الخصم , وعدم تحصن الخصم بأي من معالم الشرعية التقليدية ,  اضافة الى ذلك فللشرعية الدينية  الأصولية مصادر أخرى , منها عدم الاعتراف  بأي وضع “سياسي ” يفرز أكثرية  شرعية  عن طريق صناديق الاقتراع , فالشرعية هي للشرع  الاسلامي   ولأكثرية  مذهبية  ولدت  معتنقة هذا المذهب أو ذاك  , وحتى أنه ليس من الضروري سؤال  هذه الأكثرية  المذهبية عن ميولها السياسية  , اذا لاتوجد ميول أو رغبات سياسية  أو اتجاهات سياسية عند أهل الشرع الاسلامي , الذي يدفن السياسة في مقبرة المذهب  , والمذهب يضمن استمرار التسلط المذهبي  الى ماشاء الله .

ادراك الديكتاتوريات   لما يسمى الشرعية لايختلف عن ادراك الأصوليات لها , وذلك لأن كل من الديكتاتورية والأصولية ينمو على الأرض الخصبة للآخر,  ثم أن الديكتاتورية لاتختلف عن الأصولية  من حيث اعتماد كلاهما على  الأحادية , ومن حيث اشمئزاز الأصولية والديكتاتورية من التعددية  , كلاهما ينبطح أمام المطلق   ,  كلاهما يؤله , ونمو الأصولية على أرض الديكتاتورية الخصبة   هو أمر تبرهنه التجربة السورية المؤلمة , فقد قفز ت الأصولية  من أقلية هامشية جدا في انتخابات 1954 ,  الى  مستوى  يقدر على أنه  أعلى بكثير  في عام 2011  , حيث يمكن  التوقع  على أن الأصولية ستصطاد ما لايقل عن 30 -40% من الأصوات  في انتخابات جرت” فرضيا “هذا اليوم  ,ولربما  أكثر   من  30 الى 40%من الأصوات .

لايختلف التيار المدني السوري في اصطياده للشرعية  عن التيار الديني , كلاهما   شرعي , لأن السلطة ليست شرعية , الا أن التيبار الديني يختلف عن التيار المدني  بشيئ جوهري , وهو ان التيالر المدني قابل للانصياع الى الآليات  الديموقراطية  اذا كان لها أن تفعل , أما الأصولي  فلا يريد الخضوع الى آليات  ديموقراطية سياسية  , ومثل غزة يوضح ذلك .

من ماذكر يمكن القول , ان شرعية  المعارضة تأتي من لاشرعية السلطة , والسلطة فشلت طوال نصف ا قرن في  شرعنة وجودها , بل بالعكس , فان لاشرعيتها  ازدادت عمقا  مع السنين  , ثم انه لا أمل في الأصولية  بتاتا ,  لافي الأصولية  الحالية التي تستبد  ولا في الأصولية الدينية  التي ستستبد مستقبلا , لا أمل الا في المدنية العلمانية .

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *