الأزمة السورية تقارب حدود الصفقة بهندسة روسية؟

الصورة شائعة حاليا في أمريكا يلصقها بعض الشبان المثقفين الأمريكان على الصادمة في سياراتهم.

ا يبدي  المسؤولون السوريون ارتياحا لافتا  حيال التحرك الروسي في مجلس الأمن  , ويسود شبه يقين  بأن موسكو  , التي شكتت سدا منيعا  حتى الآن  في مواجهة  أي قرار  أممي  ضد النظام  السوري مستمرة  في الدفاع  وذلك وسط  تطورات  كبيرة في النطقة مؤخرا تشي  بأن الأمور  ق تنتقل الى صفقة سياسية  أوسع  في المنطقة  , مادام التفجير غير ممكن … 

لماذا إذاً قدم الروس مشروعاً إلى مجلس الأمن؟

الجواب يدفع السلطات السورية إلى الاطمئنان لا إلى القلق، فروسيا ذات الاتصالات العالية المستوى مع دمشق في الوقت الراهن، تتولى حاليا الرئاسة الدورية لمجلس الأمن، وتأمل بتسوية تاريخية، تقضي من جهة بحفظ ماء وجه الغرب والعرب بحيث إن الملف السوري سينقل إلى مجلس الأمن، ولكنها تفرّغ من جهة ثانية المسعى الدولي من أي خطوة ضد النظام السوري، ذلك أن الدول الغربية، ومعها بعض الدول العربية، أرادت منذ أشهر فتح أبواب سوريا لتدخل دولي.

ومن يقرأ نص القرار يجد انه أكثر ميلا إلى السلطة السورية منه إلى طروحات الغرب وبعض العرب، فهو «يطالب جميع الأطراف في سوريا بوقف العنف، بما في ذلك الاستخدام غير المتناسب للقوة من قبل السلطات السورية، ويدين نشاطات المجموعات المتطرفة، بما في ذلك الهجمات ضد مؤسسات الدولة وموظفي حفظ النظام.
هذا البند الثاني في المشروع الروسي يعني في حال موافقة مجلس الأمن عليه، أن أعلى سلطة دولية في العالم تعترف للمرة الأولى بوجود «مجموعات متطرفة» تهاجم الدولة. هذا أمر كانت الدول الغربية ولكن أيضا جامعة الدول العربية رافضة الاعتراف به في بداية الأزمة وتحمِّل السلطات السورية كامل المسؤولية عما يجري ويدعو مشروع القرار في بنده الثالث «السلطات السورية إلى محاسبة جميع المسؤولين عن أعمال العنف وبدء تحقيقات فورية ومستقلة وحيادية في جميع حالات انتهاك حقوق الإنسان … « أي انه يحصر بالدولة السورية القائمة حاليا قرار «المحاسبة»، ذلك انه يضيف في الفقرة الثالثة دعوة إلى «استكمال التحقيقات التي قامت بها اللجنة القضائية السورية في جميع الحوادث التي قتل أو جرح فيها مدنيون وعناصر امن في بنده الرابع يذهب المشروع الروسي أبعد من ذلك إذ «يحث كل جماعات المعارضة السورية على أن تنأى بنفسها عن المتطرفين وأن تقبل مبادرة جامعة الدول العربية وتدخل من دون شروط مسبقة في حوار سياسي مع السلطات السورية».. وهذه الدعوة كان أعضاء المجلس الوطني السوري قد سمعوها أثناء زيارتهم إلى موسكو، ويقال إنهم سمعوا كلاما أقسى من هذا، خصوصا حين قالوا إن النظام ساقط ولا حوار معه. وفي تبن واضح للموقف الرسمي السوري، فإن المشروع الروسي يعرب عن «قلق بالغ إزاء التزويد غير المشروع بالأسلحة للمجموعات المسلحة في سوريا، ويدعو الدول المجاورة وغيرها لاتخاذ الخطوات اللازمة لمنع عمليات التزود هذه»، ما يشير عمليا إلى أن موسكو تؤيد الموقف السوري القائل بأن السلاح يدخل بقوة من دول الجوار وأن هناك «مجموعات مسلحة وعنيفة» في سوريا.
وإذ يدعم المشروع الروسي مبادرة الجامعة العربية وإرسال مراقبين، فإنه يؤكد في بنده الأول أن «الحل يتم من خلال عملية سياسية شاملة بقيادة سورية»، أي إن القيادة الحالية برئاسة بشار الأسد هي التي ستقود هذه العملية، وهذا مهم أيضا من الناحية العربية، ذلك أن جامعة الدول العربية لم تضع الرئيس الأسد على قائمة الأشخاص المشمولين بالعقوبات، تاركة الباب مفتوحا لأن يقود بنفسه عملية التسوية السياسية والحوار. ولكن الروس يدركون حساسية الموقف في مجلس الأمن، ويعلمون أن مشروعهم لا يمكن أن يمر إذا كان داعما فقط للسلطات السورية، ولذلك نقرأ في الفقرة 3 من المشروع دعوة «السلطات السورية إلى وضع حد لمنع أولئك الذين يمارسون حقهم في حرية التعبير»، كما يحث السلطات السورية في بنده الثاني على «تخفيف حدة الوضع الإنساني في المناطق المتأزمة والسماح بالوصول السريع ومن دون عوائق للمساعدة الإنسانية والدولية ووسائل الإعلام الدولية والتعاون الكامل مع مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان والإفراج عن جميع المعتقلين بسبب ممارسة حقهم في حرية التعبير.
أما حديث المشروع الروسي عن ضرورة «تسريع التقدم نحو التعددية السياسية من خلال اعتماد قانون انتخابي جديد وإصلاحات دستورية» وغيرها، فهذه أمور كانت السلطات السورية نفسها قد أقرتها في مشروعها الإصلاحي، ولذلك كان لافتا أن المشروع الروسي لم يحدد تواريخ لتنفيذ تلك الإصلاحات وتعمد عدم الضغط على دمشق في هذا السياق. ويمكن القول إن الكلام الأقسى في مشروع القرار الروسي، إنما تعلق برفض أي تدخل دولي. ففي الفقرة الرابعة يؤكد حرفيا «ضرورة حل الأزمة الحالية في سوريا بالطرق السلمية من دون أي تدخل عسكري من الخارج ويقرر أن لا شيء في هذا القرار يمكن أن يفسر على انه تفويض بأي نوع من التدخل العسكري في سوريا من قبل أي كان. معنى آخر، لو أن الخارجية السورية نفسها أرادت تقديم مشروع قرار متوازن إلى مجلس الأمن لما كانت قد كتبت أفضل مما كتبه الروس وسط الضغوط الدولية والعربية والإقليمية الهائلة حاليا على دمشق.

ماذا يريد الروس؟

واضح مما تقدم، أن الحركة الروسية هي استباقية، فالمشروع قديم وكان قد تم التشاور بشأنه مع الصين، وهو جاء للحؤول دون تقديم مشروع قرار غربي، خصوصا انه تزامن مع تقرير إنساني قاس ضد سوريا، قبيل اجتماع جامعة الدول العربية. ويدرك الروس ومعهم الصينيون وبعض الدول الصديقة لدمشق أن المسار سيكون شائكا، وأن نقاشا حادا سيجري في مجلس الأمن قبل التوصل إلى صيغة توفيقية تأخذ من المشروع الروسي وتضيف عليه تعديلات غربية وعربية. يدركون ذلك لأن ثمة دولا كبيرة وفي مقدمها واشنطن وباريس ولندن كانت قد اعتبرت أن نظام الأسد قد انتهى، وراح الرئيس الأميركي باراك أوباما يتصرف على هذا الأساس، ولعله لم يظن في حينه أن روسيا ستتحداه إلى هذا الحد.
الموقف الروسي لا يزال داعما بقوة للنظام السوري، والدليل على ذلك البيان الشديد اللهجة الذي قدمه مندوب الاتحاد الروسي ردا على تقرير مفوضية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة. وفي هذا البيان، الذي حصلت «السفير» على نسخته الأصلية من نيويورك، يتساءل الموفد الروسي عن «مصدر المعلومات التي بُني عليها التقرير، فالمفوضية تعاملت مع الشكاوى على أنها حقائق برغم أن مصدرها هو الناشطون أنفسهم». وتساءل المندوب الروسي «كيف يمكن للمفوضية السامية أن تتحقق من أن الناشط المتصل هو موجود فعلا في حمص وليس في نيوزلندا مثلا»، متهما التقرير بأنه «غير حيادي، لأنه لم يشر إلى أعمال العنف التي تقوم بها المجموعات المسلحة في سوريا. وذهب المندوب الروسي إلى حد القول: «إن في بلادنا مواطنين سوريين يؤكدون عدم صحة المعلومات حول استهداف السلطات السورية للمتظاهرين»، مؤكدا أن موسكو «على علم بوجود تظاهرات مسلحة منذ بدء الأحداث في سوريا»، ومذكرا بقصة الشابة السورية زينب الحصني التي كانت المفوضية نفسها قد قالت إنها قد اغتصبت وقتلت، وتبين بعد شهرين عدم صحة ذلك. وتساءل عن عدم تصحيح المفوضية لذاك الخبر الكاذب. موسكو تحدث البلبلة هذه المواقف الروسية التي أعقبت تصريحات روسية رفيعة المستوى تدعم دمشق وتناهض أي تدخل دولي وتشجب السلاح والمسلحين، وصلت إلى ذروتها السياسية بتقديم موسكو لمشروع القرار في مجلس الأمن. الواضح أن هذه الخطوة أحدثت بلبلة كبيرة ليس في المجلس فحسب بل أيضا في أروقة الجامعة العربية وفي أوساط المعارضة.

الموقف الأميركي بدا أكثر ميلا لمناقشة المشروع. ذهب وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا ومن قلب أنقرة إلى حد وصف المشروع بـ«الخطوة المهمة»، بينما تراوحت التصريحات الفرنسية بين الإيحاء بالقبول أولا بمبدأ التفاوض حول المشروع وبين القول بأنه «أجوف وغير متوازن». ناقض الموقف الفرنسي الترحيب الأوروبي حيث قال مايكل مان، المتحدث باسـم الممثــلة العليا للأمن والسـياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبـي كاثرين اشتون، «إن مـشروع القـرار الروسي بشأن سوريا خطوة في الاتجاه الصحيح وإن النص بشكله الحالي يصلح للنقاش.

سر التشدد الروسي والتراجع العربي؟

ينبغي التوقف عند جملة من التطورات شهدتها المنطقة مؤخرا ودفعت للاعتقاد بأن «تسوية» أو «صفقة» ما بدأت تطل برأسها من خلف التأزم والتظاهر والعنف والقمع والسلاح. وأبرزها التالي:

–  انتقادات غربية قاسية ضد الانتخابات الأخيرة التي جرت في روسيا، قابلها تحذير روسي من الإساءة إلى النظام، وذهب رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين (والذي سيصبح رئيسا في آذار المقبل وهو مؤيد بشدة للرئيس الأسد) إلى حد توجيه لوم شديد للولايات المتحدة، وقال: «إن الناس تعبت من إملاءات دولة واحدة، انتم تتحدثون عن علاقة حلف مع الولايات المتحدة، نحن نرغب أن نكون حلفاء معها أيضا، لكن ما أراه الآن وما تحدثت عنه في ميونيخ، هذه ليست علاقة حلفاء، بل يبدو لي أحيانا أن أميركا لا تريد حلفاء بل تابعين وخدما.

–  لم تفلح كل الوعود الأوروبية والدولية حتى الآن في طمأنة روسيا بشأن الدرع الصاروخي. حذر وزير الدفاع الروسي اناتولي سيرديكوف يوم الجمعة الماضي من أن «نشر الدرع الصاروخي الأميركي في أوروبا سوف يخل بتوازن القوة الاستراتيجي، وأن روسيا سوف تبدأ في اتخاذ إجراءات للرد بعد ظهور أول عناصر الصواريخ الدفاعية في بولندا».

كشف المسؤول العسكري الروسي الأول عن «معلومات تفيد بتخطيط الولايات المتحدة لنشر الصواريخ المضادة للصواريخ من طراز ستاندرد 3 في بولندا». وهدد بأن روسيا قد تنشر صواريخ من طراز «اسكانار» في إقليم كاليننغراد. كلام مهم بعد كل اللقاءات الأطلسية ـ الروسية.

هذا الكلام العسكري الروسي يتكرر على لسان ارفع السياسيين الروس أيضا. قال الرئيس ديميتري ميدفيديف، في رسالة وجهها في 30 تشرين الثاني الماضي إلى الجمعية الفدرالية الروسية، «إننا سنواجه في العقد المقبل الخيار التالي: إما أن نتوصل إلى الوفاق في ما يتعلق بالدرع الصاروخي ونشكل آلية مشتركة للتعاون، وإما أن تبدأ جولة جديدة من سباق التسلح ونضطر إلى اتخاذ قرارات بنشر الوسائل الضاربة الجديدة في حال عجزنا عن بلوغ اتفاق بناء.-  لكن من يقرأ في تفاصيل القمة الأوروبية ـ الروسية الأخيرة، يستشف رغبة حصول صفقة أوسع قد تشمل أيضا سوريا، فالمتحدث باسم الاتحاد الأوروبي قال بصراحة «لقد تحدثنا في القمة عن ضرورة إيصال رسالة قوية وموحدة للنظام في سوريا»، وهو يعني طبعا الحديث خصوصا مع الروس في هذا السياق. ومن جانبه قال ميدفيديف «إن بلاده مستعدة لمساعدة أوروبا في مواجهة الأزمة المالية التي تعصف بها.

حين تعصف الأزمات بالعالم وتصل الأمور إلى حدود التهديد والوعيد بشأن سلاح استراتيجي، غالبا ما يبحث العالم عن «صفقات»، ولعل الموقف الروسي المدافع عن إيران والرافض الحديث عن أسلحة نووية أو إستراتيجية خطيرة على الأراضي الإيرانية، يجعل من موسكو قادرة على إدارة مفاوضات دولية كبيرة، ومن غير المنتظر في مفاوضات كهذه أن تتخلى عن حلفاء استراتيجيين حاليا، كالنظامين الإيراني والسوري، حتى ولو أن البعض يعتقد بأن الصفقات قد تكون سيفا ذا حدين، أي إنها قد تكون ايجابية وسلبية لأي نظام وفق الثمن الذي يمكن دفعه. ثمة دولة عربية دفعت لموسكو 5 مليارات دولار للتخلي عن النظام السوري.

وماذا عن الجامعة العربية وسوريا؟

كان لافتا في الآونة الأخيرة حصول عدد من التحركات الدبلوماسية التي جعلت على ما يبدو العرب يتراجعون عن قراراتهم وإملاءاتهم الملزمة للنظام السوري. ربما يشعر رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جبر آل ثاني، اليوم وأكثر من غيره بحراجة الموقف. هو كان أول من استخدم لغة التحذير حيال دمشق، واتهمها ضمنيا بـ«التقية» وأشعر العالم بأن المبادرة يجب أن تطبق بحذافيرها ومن دون تعديل وفورا. سرعان ما تبين أن ذلك كله غير قابل للتطبيق وأن النظام السوري لا يزال يتعاطى مع أزمته بكثير من الثقة بالنفس المبنية على قوة أمنية كبيرة ودعم روسي وإيراني كبيرين:

وقد عرفت المنطقة وسوريا مؤخرا التطورات التالية:

– انسحاب أميركي هادئ تقريبا من العراق، وهذا ما كان ليتم لولا التمهيد له مع السلطات العراقية، ولكن أيضا عبر ضوء أخضر غير مباشر مع إيران وسوريا.

– زيارة لوزير الأمن الإيراني حيدر مصلحي إلى السعودية ولقاؤه مع ولي العهد والرجل القوي حاليا في المملكة الأمير نايف بن عبد العزيز والذي تبادل مع الأسد رسائل ايجابية وحميمة بعيد وصوله إلى منصب ولي العهد. يقال إن السعودية تريد تخفيف الدور القطري في المنطقة.

 – زيارة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى الولايات المتحدة، وما أعقبها. فقد استقبل الأسد، مستشار الأمن الوطني العراقي فلاح الفياض يرافقه وفد حكومي. وقال علي الموسوي، المستشار الإعلامي للمالكي، إن «المبادرة العراقية تهدف إلى فتح حوار بين الحكومة السورية والمعارضة». وبغض النظر عما إذا كان في الأمر مبادرة فعلية أم لا، فالأكيد أن الوفد العراقي أخبر السوريين بنتيجة محادثات المالكي في الولايات المتحدة، وطمأنهم على وقوف العراق إلى جانب سوريا، وهذا بحد ذاته أمر هام جدا ويناقض عمليا طروحات الجامعة العربية. ولا بد من الإشارة أيضا في هذا السياق إلى أن السيد مقتدى الصدر كان قد وصف زيارة المالكي إلى واشنطن بأنها «خيانة للمرجعية الدينية ولمشاعر المسلمين في دول الممانعة والمعارضة والمقاومة وضعف سياسي وخضوع». لعل في ذلك تحذيرا مبطنا للمالكي بغية منعه من التأثر بالمناخ الأميركي في المنطقة.

–  إن زيارة المالكي إلى الولايات المتحدة، وزيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن قبله إلى بغداد، كشفت أن لا تغيير في الموقف العراقي حيال سوريا، ولا قبول بمطالب تضر بإيران وسوريا وبينها القبول بتواجد عسكري جوي أميركي في أجواء العراق.

–  تمرير تمويل المحكمة الدولية المكلفة بمحاكمة المتهمين بقتل رئيس الحكومة اللبنانية الراحل رفيق الحريري بموافقة ضمنية من «حزب الله» وغطاء سوري وروسي. وفشل جيفري فيلتمان في ضخ روح معنوية كبيرة بين خصوم سوريا في لبنان ودفعهم لمزيد من التصعيد.

–  تفجير قافلة للقوات الدولية العاملة في جنوب لبنان «يونيفيل» استهدف جنودا فرنسيين، وقيل إن في الأمر ردا على تصدر فرنسا قائمة الدول الراغبة بإسقاط النظام السوري، أو توريطا إضافيا لسوريا بحيث يسارع البعض إلى اتهامها و«حزب الله» بالتفجير، وهو ما نفاه «حزب الله» بمعلومات دقيقة تم تقديمها إلى الفرنسيين.

–  تولي مرشد الجمهورية الإسلامية الإيراني السيد علي خامنئي شخصيا الملف السوري، واتخاذ قرار مركزي بالدفاع عن سوريا ونظامها مهما كلف الأمر، واضعا بذلك حدا لبعض المواقف المترددة والقائلة بضرورة التعاطي مع سوريا على أن كل شيء قابل للحدوث فيها، بما في ذلك سقوط النظام.

– إجراء سوريا مناورات صاروخية علنية هذه المرة تحت اسم «مشروع»، والمعروف أن المشروع في المفهوم العسكري هو أهم وأوسع من «المناورة.

– إجراء انتخابات محلية من دون حوادث مهمة، وفشل الإضراب العام الذي دعت إليه المعارضة.

–  إبلاغ حركة حماس القيادة السورية أنها لا تريد مطلقا مغادرة دمشق، وأن خروج بعض عائلات المسؤولين الحماسيين إنما جاء بسبب القلق من الوضع الأمني وليس لسبب سياسي. ويقال إن خالد مشعل نفسه بعث أكثر من رسالة ود في الفترة الأخيرة، وكشف بعض القيادات في حماس عن إغراءات وضغوطات كبيرة مورست عليهم لمغادرة سوريا. لا بل إن بعض من في حماس نقل رغبة من قبل بعض الإخوان المسلمين للتفاوض.

–  تحرك شرق الأردن وتيارات معارضة أخرى ضد أي تدخل في الشؤون السورية يدعمها موقف عسكري واستخباراتي أردني في هذا السياق، وتحرك آخر من قبل أطراف تركية معارضة للتدخل ورافضة مغامرات رجب طيب اردوغان في الملف السوري.

وماذا عن الوضع في سوريا؟

التطورات الآنفة الذكر، تزامنت مع أمور لافتة تتعلق بسوريا نظاما ومعارضة، أبرزها التالي:

–  التقدم بخطوات عسكرية «مهمة» في جبل الزاوية ومحيط حمص، والاستعداد الفعلي لدخول ثالثة المدن السورية في حال اتخذ القرار السياسي بذلك. الواضح أن ما يمنع «حسم» الوضع هناك ليس نابعا فقط من الوجود الكثيف والمنظم للمسلحين وليس من عدم القدرة على ذلك، ولكن أيضا من رغبة السلطات السورية بعدم استثارة المواقف العربية وعدم إحراج الروس في الأمم المتحدة ومجلس الأمن. تقول المصادر الأمنية إن «الحسم ممكن» لو اتخذ القرار، ويجري كلام كثير عن خطة عسكرية محكمة قد وضعت لمنع المسلحين ومن تصفهم السلطات بـ «الإرهابيين» من الانتقال إلى منطقة أخرى. قرار الحسم قائم وقد يتخذ في أي لحظة، لكن سوريا تريد الآن إفساح الفرصة أمام الجهود الروسية وإنجاح المبادرة العربية رغم قلة قناعتها بجدواها.

–  في يوم «الجامعة العربية تقتلنا» أي نهار الجمعة الماضي، اقتصر عدد المتظاهرين على 36 ألف شخص، بينهم 15 ألفا في إدلب وريفها و21 ألفا في مختلف المناطق السورية، ولم يسقط أي قتيل، وفق تقرير أمني دقيق وصل إلى سفارة عربية في دمشق.

–  تبين من خلال اللقاءات بين أطراف المعارضة في القاهرة، أن المجلس الوطني لا يزال يتعامل مع هيئة التنسيق على أنها من الدرجة الثانية، ما أدى إلى فشل في توحيد صفوف المعارضة برغم كل الضغوط الدولية والعربية المطالبة بهذا التوحيد. وثمة من ينقل عن الناشط الحقوقي والمعارض البارز في هيئة التنسيق الدكتور هيثم المناع امتعاضا شديدا حيال ما حصل.

كل هذا جعل السلطات السورية تتصرف مجددا من منطق القوة، ولكن ثمة قناعة واضحة لدى هذه السلطات حاليا للانفتاح أكثر على الحوار مع بعض أطراف المعارضة، ومن غير المستبعد أن يكون الخطاب الرسمي السوري من اليوم فصاعدا مستندا إلى هاتين الركيزتين، أي الحديث عن مكامن القوة والرغبة في الانفتاح وتسريع وتيرة الإصلاحات والانتخابات.

هل التسوية ممكنة؟

الجهود الروسية الحالية تنصب في هذا السياق، فقبول سوريا للمبادرة العربية والتوقيع على البروتوكول، لم يأتيا من قناعة فعلية بأن تكون الجامعة قادرة على الحل، بل لتقوية الموقف الروسي. ومن يزر دمشق هذه الأيام قد يسمع كلاما قاسيا عن الجامعة ودورها، ولكنه سيسمع أيضا معلومات تفيد بأن داخل الجامعة تيارات مختلفة، وأن الدبلوماسية القطرية الضاغطة بقوة على دمشق تشعر بأن الأمور قد تفلت من يديها، وهذا ما يدفع بعض المسؤولين السوريين إلى الاعتقاد بأن مسارعة الشيخ حمد إلى عقد مؤتمر صحافي وتجديد التحذير قبل يومين بنقل الملف السوري إلى مجلس الأمن كان غير مبرر، ذلك أن تبادل الرسائل كان لا يزال قائما بين الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي ووزير الخارجية السوري وليد المعلم، وأن الجامعة قبلت (بعد امتناع سابق) أكثر من 70 في المئة من التعديلات السورية على مشروع البروتوكول. لا بل إنها قبلت أن يكون التنسيق بشأن المراقبين مع الحكومة السورية، وأن تتولى الجامعة دفع مبلغ مليون دولار لتغطية تكاليف المراقبين (بينما في السابق كانت تريد من دمشق أن تدفع ذلك)، كما قبلت أن يكون البروتوكول نتيجة اتفاق بين الجانبين وليس مجرد إملاء من الجامعة، فعنوان البروتوكول هو «مشروع بروتوكول المركز القانوني ومهام بعثة مراقبي جامعة الدول العربية بين الجمهورية السورية والأمانة العامة لجامعة الدول العربية بشأن متابعة تطورات الوضع في سوريا».

ولو علمنا أن عدد المراقبين سيقتصر على ما بين 50 و70 مراقبا مع حراسهم، وأن البروتوكول هو لمدة شهر قابلة للتمديد بموافقة طرفي الجامعة والحكومة السورية، أمكن القول إن الجامعة تراجعت كثيرا عن تشددها السابق، وهذا كان سببا إضافيا في قبول سوريا توقيع البروتوكول اليوم في القاهرة وليس في الدوحة أو أي عاصمة أخرى، على أن تكون اللقاءات المقبلة في سوريا.

هل نجا النظام السوري؟

ربما الاحتمال سابق لأوانه، فثمة دول غربية وإقليمية وعربية عديدة لا تزال تعمل على إسقاط النظام، ولعلها ستزيد من تشددها وعملها في المرحلة المقبلة. لكن الأكيد أن في الأفق شيئا ما يطبخ على نار هادئة قد يغير سير المعادلة خصوصا إذا ما انتهى العام وبقيت الأمور على ما هي عليه، فالأزمة السورية دخلت قبل أيام شهرها العاشر، ويحكى عن انزعاج أميركي وإسرائيلي وغربي من انتشار الأصولية في الدول التي حصلت فيها ثورات.

أمام كل هذا، وفي ضوء دخول الأزمة السورية شهرها العاشر من دون قدرة أي من الطرفين على الحسم الكامل، بدأت روسيا ودول غربية وعربية التفكير الجدي بأن الحل الوحيد يكمن في حوار بإشراف بشار الأسد يقضي بتوسيع قاعدة المشاركة في السلطة ويؤدي إلى انتخابات ويشرك المعارضة في الحكومة وصنع القرار. العودة إلى الوراء باتت غير ممكنة، لا النظام قادر على الاستمرار على شكله الراهن وسط رياح التغيير الواسعة التي تعصف بالوطن العربي، ولا المعارضة قادرة على قلبه من دون تدخل دولي، والتدخل الدولي شبه مستحيل طالما بقي الروس على موقفهم وبقي العالم قلقا من انتشار نار في هشيم المنطقة.

هل ينجح الروس؟

ربما، ولكن المسار لا يزال طويلا، ولعل التوقيع السوري اليوم على بروتوكول الجامعة العربية بداية فعلية لكلام سياسي أعمق، غير أن احتمالات النجاح لا تزال تنافس احتمالات الفشل، ذلك أن ثمة دولا لا يعنيها لا الإصلاح ولا حماية المدنيين بل إسقاط النظام، وتضييق الخناق على إيران.

(سامي كليب)

نقلاً عن صحيفة “السفير” اللبنانية

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *