عن أي مفاوضات وخلاص يتحدثون؟

بقلم:فواز تللو

ثمانية عشر ألف طفل شهيد قتلوا في المذابح والباقي بالقصف، ومنهم ستمائة بالقنص ومائة تحت التعذيب من أصل عشرة آلاف طفل معتقل، من يملك الحق بمسامحة السفاح وبأي منطق يفاوضه؟ هل هو منطق يرجوه فيه أن “يحن قلبه” على أطفالنا؟ أم بمنطق “تبنا ولن نعود لها فأوقف القتل” استجابة للقول الخالد “الأسد أو نحرق البلد” أو للمقولة الإنسانية “الجوع أو الركوع”؟ أم علينا أن نصدق أن السفاح سيفاوض على إسقاط نظامه ورحيله وتسليم رقبته ورقبة عائلته وقادته للعدالة؟

قامت الثورة لإسقاط النظام بدولته وأجهزته ومؤسساته الطائفية العسكرية والأمنية ولم تقم “لوقف العنف والقتل” وإلا لبقي الناس في بيوتهم تحت ظل النظام وما خرجوا أصلا ودفعوا كل هذا الثمن، يتوقف القتل عندما نسقط النظام لا عندما نعترف به شريكا بعد كل جرائمه ونفاوضه ليشاركنا مستقبلنا لتضيع كل تضحياتنا، يسقط النظام عند العمل على رص الصفوف لإسقاط النظام لا تمزيقها بحثا عن تفويض بالتفاوض، يسقط النظام عند التحالف مع الشرفاء وقادة الثورة الحقيقيين وروحها لا الانخراط مع كل متسلق أو مشبوه أو إمعة في المعارضة مطلوب منه فقط أن يوافق على رؤيا المفاوضين وأربابهم “أصدقاء سوريا” ومعهم حلفاء النظام الروس والإيرانيين، يسقط النظام عندما تتوجه الجهود للداخل العسكري والمدني لتوحيده لا بإهماله أو المتاجرة به واللعب على الحبال بين أطرافه بهدف تمزيقه وإسقاط رفضه للتفاوض واستخدامه، عندها فقط سيسقط النظام عسكريا أو سيسارع العالم المتآمر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من النظام بعرض حل سياسي يحقق معظم أهداف الثورة ويوقف القتل ويعيد الحقوق ويقتص من السفاح وزبانيته وينهي دولته الطائفية بكل مؤسساتها الأمنية والعسكرية التي لا يسقط نظام باستمرارها، وعندها فقط يمكن الحديث عن المسامحة والغفران لا لكبار القتلة بل لمن أيدوا النظام، بعد أن يقروا بذنبهم ويطلبوا الصفح بعد رد الحقوق.

ثم ما هو شكل الحل السياسي المطروح والمقبول للتفاوض بدءا بمصير بشار أسد ومئات من زبانيته وهل سيخوضون تفاوضا لانتقاء طريقة إعدامهم أم سيكونون شركاء كما يطرح فرسان التفاوض، ما مصير الأجهزة الامنية وجيش النظام وحزب البعث، ما مصير لصوص النظام الذين يسيطرون على كل مناحي الاقتصاد، ما مصير ميليشيات النظام، ما مصير عشرات آلاف القتلة والمغتصبين واللصوص في كل هذه الأجهزة، ما مصير العدالة والحقوق، ما مصير ربع مليون معتقل، ما مصير البيوت التي هدمت والأموال التي نهبت واثنى عشر مليونا هجروا، ما مصير أسواق “السنة” وتجارها، ما مصير المخططات التنظيمية للنظام الطائفي لبناء مجمعاته مكان بيوتهم، ما مصير ثلث مليون شهيد ينتظرون العدالة لأرواحهم المعذبة، ما مصير عشرات آلاف الحرائر الحرات المغتصبات، ما مصير ملايين في حمص واللاذقية وحماة ودمشق وغوطتها تم تهجيرهم طائفيا بوقاحة من أجل الكانتون العلوي.

هل يتوقع أحد أن تفاوضا مع بشار أسد سينجز نقطة عدالة في بحر هذه المظالم، هل تنتظر هذه المظالم تحرك مشاعر بشار أسد وماهر أسد وجميل حسن وعلي مملوك ومئات القتلة أثناء المفاوضات، هل يتوقع أحد أن يضغط إيراني أو روسي أو أمريكي أو أوروبي ليعالج هذه الملفات بعد ان تبدأ المفاوضات أم سيمارسون الضغط على الطرف المتهافت للتفاوض مصورا الثورة زورا بأنها تمر بنهايتها وأن النظام ينتصر، هل يتوقع أحد أن معالجة هذه الملفات يمكن أن تتم بدون إنهاء النظام عسكريا أو التخلص من كل قادته قبل أي تفاوض؟

ثم لماذا لا يطرح من يذهبون للتفاوض خطتهم ورؤيتهم الواضحة لشكل الحل السياسي برأيهم بدل التلاعب بمشاعر السوريين ومعاناتهم ببيعهم أوهام الخلاص وشق الصفوف بحثا عن تفويض للتفاوض دون بيان واضح لخارطة طريق الخلاص عبر التفاوض، أم لا حاجة لعرض الخطط على “الرعية” لأنها لا تفهم مصلحتها؟ كل ما يطرح كخريطة للتفاوض اليوم هو ما قدمه النظام وحلفاؤه بالحرف منذ اليوم الأول للثورة وأصر عليه وحلفاؤه حتى اللحظة وقد سمعها كل من قابلهم، أي العمل من تحت سقف النظام سلطة ودولة وأشخاصا ودستورا مزورا وهو ما رفضه السوريين بكل مواقعهم، أم أن أرباب التفاوض سواء عن حسن نية بعضهم أو المرتزق والعميل سيء النية منهم؛ يرون كل بطريقته أن الشعب السوري الثائر المعذب النبيل قد “استوى” من المعاناة والإنهاك وحان أوان قطافه وقطاف ثورته وتضحياته لإعادته إلى القفص الذي وضع فيه قبل نصف قرن يوم اصطادته هذه الحثالة منذ نصف قرن بانقلاب البعث الطائفي؟

واهمون أنتم، زمن الحل السياسي والتفاوض لم يأت بعد لمن يفقه السياسة أو يملك وطنية، الحل السياسي الممكن ليس ما يقدم الآن لنا كطعم سام، ولا تفاوض بوجود قادة النظام الحالي، ولتفصيل الحل السياسي المتوافق مع اهداف الثورة وشروطه وخارطة طريقه مقال آخر، نعم هناك فوضى ومن حسناتها النادرة أنها تمنع تمرير هذه المؤامرات “التفاوضية”، من حسنات طول عمر الثورة أنها تطهر نفسها من جراثيمها، تسقط الضعفاء وتكشف المدعين والفاشلين والانتهازيين والعملاء، تساعدنا كي نطهر عقولنا وقلوبنا من كل وهم وسذاجة وأنانية، تساعدنا كي نطهر ساحتنا من جراثيم النظام والمعارضة والتطرف جميعا، لم يكن أي من ذلك ليحدث لولا طول عمر الثورة، لن تنتهي الثورة حتى نتطهر، تطهر ثمنه كبير جدا لكن ما سيليه سيكون عظيما جدا يبدا بنصر من الله ولو تأخر قليلا سيسجل لشام  الكنانة أبد الدهر.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *