وسام فايز سارة: من يحاسب القاتل؟

بقلم :هيفاء بيطار

لم يعد الموت يخجل في سوريا، بل إنه يتجلى بإبداعاته المتجددة يومياً، كما لو أن عنوان حياة السوري: التعود على المأساة. لقد يئس السوريون من إيجاد حل أو تسوية لوقف نزف الدم. نزف الدم الذي يجب أن يتوقف بأي ثمن لكن من يبالي.
كل يوم جديد في سوريا يعني وجعاً جديداً وجرعة عالية من الألم والإحباط، كيف يمكن وصف طعنة الألم في القلب حين تتأمل وجه شاب في السابعة والعشرين من عمره مات في المُعتقل تحت التعذيب!
إن مجرد كتابة هذه الكلمات تشعرني بالخزي وبالقرف من الحياة وبالخجل أنني لا أزال حية، وسط كل هذا الموت والقتل، حتى أنه لم يعد من فنون في سوريا سوى فنون القتل.
لا أستطيع أن أستوعب ولا بأي شكل من الأشكال كيف يمكن لإنسان أن يُعذِّب حتى الموت إنسانا” آخر.
يُصاب عقلي بصدمة تجمده كما لو أنه أصيب بصاعقة حين أحاول سبر أغوار ذلك الوحش الآدمي الذي يعذب أخاه الإنسان حتى الموت. ما أعرفه أن هناك ما يُسمى بترويض الوحوش، أما العملية المعاكسة أي تحويل الإنسان إلى وحش. فهذا هو انحطاط الإنسانية وموت الضمير.
لا يوجد سبب يبرر التعذيب. لا يوجد سبب يبرر الموت تحت التعذيب. ليس وسام وحده من مات في المعتقل، بل أعرف الكثيرين مثله، شباناً بعمر البراعم المتفتحة على ربيع الحياة يموتون تحت التعذيب. الجواب الذي نحصل عليه هو أن بعض الأجهزة الأمنية ترتكب أخطاء. إنني ذات يوم كنت أتحدث إلى مسؤول أمني وأسأله بإصرار كيف مات الشاب الفلاني تحت التعذيب؟ فقال: أكيد ثمة أخطاء تُرتكب ونصحني أن أطلب من أهل القتيل أن يقدموا شكوى، كما لو أن المشكلة ببساطة تقديم شكوى ضد فاتورة كهرباء أو ماء. أي كلام مُهين وخيالي وساخر هذا، أن يُقدم أهل القتيل شكوى ضد من قتل فلذة كبدهم، كما لو أن الشكوى ستعيده إلى الحياة، أو كما لو أنهم لا يزالون أحياء بعد قتل ضناهم، كما لو أنهم لم يتحولوا إلى قنابل موقوته تريد تفجير الكون حولها انتقاماً لموت ابنهم. ولمن سيتقدمون بالشكوى؟ لأيه جهة قضائية أو أمنية؟
أخطاء ثم أخطاء ثم أخطاء، موت تحت التعذيب يتكرر ولا محاسبة ولا تبرير. مهما كانت تهمة الشاب المُعتقل فهناك ما يسمى محاكمة وعدالة، أما التعذيب حتى الموت فهذا ما يجعل الحياة الطبيعية مستحيلة والإنسان السوي الواثق بالحياة والعدالة والأمان، بحالة هستيرية وجنونية، ويجعل من الوطن غابة وحوش تتصارع بطريقة بهيمية وغريزية كما لو أن الحياة تتحول إلى سبق من يقتل من أولاً. ويصبح عنوان الحياة وغاية الوجود: الانتقام.
يأتي خبر وفاة وسام فايز سارة كخاتمة وخلاصة لمؤتمر «جنيف 2». بل إنني أعتبر موته هو مرآة الحقيقة لـ«جنيف 2». أي حوار هذا بين نظام لا تزال سجونه تعج بالمعتقلين، ومنهم من يموت تحت التعذيب، وبين معارضة تدّعي أنها تمثل الشعب السوري، لأنها مُسيّرة وممولة بسخاء من قبل بعض الدول الخليجية والأوروبية.
أصبحت الحياة ـ التي لا تشبه الحياة بشيء ـ عبئاً على السوري، لأنها تعني المزيد من القتل والنزف والدمار. الحياة في سوريا تعني التحديق بوجه الموت كل لحظة لأنه في كل لحظة ثمة سوريون يموتون بكل فنون القتل.
وبعد ثلاث سنوات من الجحيم السوري لم نجد محاسبة حقيقية للمجرمين والقتلة، لمن «يرتكبون الأخطاء». لم نجد أحداً من هؤلاء قدم لمحاكمة أو مساءلة قضائية.
لا أعرف لماذا أجد نفسي عاجزة عن تقديم العزاء لوالده العزيز فايز صديقي وأخي في الإنسانية أولاً وفي حب الوطن سواء اختلفتُ معه في الرأي أم اتفقت فهو صديق عزيز وأخ.
أجدني كمن أعزي شعباً منكوباً خسرت كل أسرة من أسره أكثر من شاب مات.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *