معنى أَن يرشح الأسد نفسه!

بقلم:ميشيل كيلو

في فقرةٍ معبرةٍ من مسرحيةٍ للأخوين رحباني، يقول قائمقام إحدى المدن لمساعديه: “ابعتو للي بيبعتو خليهن يبعتو”. هذه الممارسة مأخوذة من النظام السوري الذي بعث لمن يبعثون له برقيات التأييد، طالباً إليهم ترشيح بشار الأسد لفترة رئاسية جديدة، وإنزال “الجماهير” إلى الشارع للتعبير العفوي عن رغبتهم الجماعية في “إجباره” على أَن يبقى رئيسهم سبعة أعوام قادمة، لا يوجد خلالها صوت في البلد غير صوته، ولا يجوز أن يوجد أحد إلى جانبه.  

  تشهد بعض مناطق سورية مسيراتٍ، يشارك فيها بعض من ظلوا أَحياء من المواطنين، كالموظفين والتلاميذ والعمال والمخبرين والشبيحة … إلخ، الذين يتم إِجبارهم على النزول إِلى الشوارع، للمطالبة بدورة رئاسية جديدة للأسد. بالتوازي مع ذلك، تثور ضجة تصم الآذان حول هذه المسيّرات، يكرر مطلقوها ما دأَبوا، منذ نصف قرن، على قوله من أكاذيب حول عفويتها، وحول حماسة المشاركين فيها، وضخامة أَعدادهم، وتصميمهم على إقناع الرئيس بقبول الانحناء أمام إرادة شعب”ه” المخلص، وترشيح نفسه لرئاسة جديدة، انسجاماً مع رغبته الدائمة في تحقيق إرادة المواطنين، وتلبية مطالبهم الملحة.   

ماذا يعني في الأوضاع الدولية والعربية الراهنة إجراء انتخاباتٍ، يتيح الأسد لنفسه فترة رئاسية جديدة بواسطتها؟. أَعتقد أَن الانتخابات ستكون لحظة انعطافية، وفاصلة في الصراع الدائر داخل سورية وعليها. سيضع حدوثها نهاية مؤكدة لما اتفق عليه من وثائق، واتخذ من قراراتٍ دوليةٍ بخصوص حل سياسي، ينقل وطننا من النظام الأسدي إِلى نظام ديمقراطي بديل، حسب ما تنص عليه وثيقة جنيف واحد، وقرار مجلس الأَمن الدولي رقم 2118 الذي وافق عليه الخمسة الكبار، وأَقره المجلس بإجماع أعضائه. سيلغي انتخاب الأَسد كل ما توافق العالم عليه حول سورية، وسجله في وثائق وقرارات رسمية. وسيضع المجتمع الدولي أَمام أَحد خيارين: الانسحاب بصورة نهائية من الصراع، وترك سورية لنظامها الحالي، ولروسيا وإيران، أَو إرغام الأسد على قبول ما سبق لعدد كبير من قادة المجتمع الدولي أَن تعهد بإجباره على قبوله: التنحّي عن الرئاسة وترك البلاد. بكلام آخر: يعني ترشيح الأسد وفوزه برئاسةٍ جديدةٍ عجز المجتمع الدولي عن التعاطي، بفاعليةٍ، مع نظامه وفشله في مواجهته. ويؤكد أَنه لم يبق له من خيار غير قبول الفشل، أو تطوير بدائل تستطيع إجباره على تسليم السلطة إلى “هيئة حاكمة انتقالية”، اعتبرها القرار 2118 آلية، مهمتها نقل السلطة من نظامه إلى نظام ديمقراطي بديل.   

يلقي بشار الأسد قفازه في وجه أَميركا وأوروبا والعرب والأمم المتحدة والرأي العام العالمي، ويقول لأَغلبية دول العالم الساحقة وللشرعية الدولية: اذهبوا إلى الجحيم، أَنتم وما قررتموه لحل المشكلة السورية، واعلموا أَن استيلائي على الرئاسة بالقوة هو الحل الوحيد الممكن في سورية، ومن كان يريد حلا آخر، فليمت قهراً وعجزاً.   هذا هو الخيار الذي يضعه بشار الأَسد في مواجهة مجتمع دولي، أَقنعه بالتجربة الملموسة أَنه لا يريد أن يكون في مستوى التحدّي الذي يطرحه عليه، وسيقبل التراجع أَمامه، على الرغم من أَن رئاسته الجديدة لن تكون غير تجسيد مأساوي، إِضافي إِلى النكبة التي حلت بشعب سورية على يديه، وقبلها العالم برحابة صدر وتفهم كاملين، مع أَنها تعتبر إحدى أفظع نكبات التاريخ، وتتحدّى كل ما تعهد به من دفاع عن حق الشعوب في الحرية والحياة!      

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *